لا بد ان نؤهل أنفسنا إيمانيا لكي نكون بمستوى مواجهة اليهود والنصارى
من هدي القرآن | 9 مايو | مأرب برس :
لا تتصور أبداً بأن معنى المسألة في مواجهة أهل الكتاب هو: أن تتجه بعينيك إلى [نيويورك] أو إلى إسرائيل أو إلى [لندن] أو [باريس] أو نحوها، من هنا, العمل يأتي في مواجهتهم من هنا من الداخل؛ لأنهم هم – وهم في مجال أن يضربوا الأمة – يتغلغلون إلى داخلها بمختلف وسائلهم الخبيثة، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية33) فساداً ثقافياً، فساداً أخلاقياً، فساداً اقتصادياً، فساداً في البيئة، فساداً في كل مجالات الحياة.
إذاً فلا بد, لا بد للأمة – وهي في طريقها إلى أن تؤهل نفسها لتكون بمستوى مواجهة أهل الكتاب، وفي مجال أن تحصّن نفسها من خبث أهل الكتاب حتى لا تتحول إلى أمة كافرة، إلى أمة مرتدة بعد إيمانها – سواء الأمة على مستوى الأمة أو أي مجتمع داخل هذه الأمة لا بد, لا بد أن تتحرك في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والدعوة إلى الخير، وإلا فماذا؟. قد تكون أنت تفكر بأنك تجهز قطعاً عسكرية لتضرب [واشنطن]، وهم يضربونك في داخل كل بيت من بيوت مجتمعك، هذا لا يتأتى، وهذا هو ما حصل، أليس هذا هو الحاصل؟.
صفقات أسلحة للسعودية, لليمن, لمصر, لهذه الدولة, لهذه.. صفقات أسلحة: طائرات دبابات، كل مرة نسمع بصفقة أسلحة، لكن من الذي سيحرك هذه الأسلحة؟ بدءأً من الكبير, من الملك أو الرئيس إلى آخر شخص في المجتمع من هو؟. لقد ضُربت الأمة من الداخل.
وعندما غاب الأمر بالمعروف.. الأمر بالمعروف لا يعني فقط أن تقول لفلان: يغطي ركبته فقط!، بكل ما هو معروف، بكل ما الأمة بحاجة إليه أن تهتدي به، أن تتحلى به أن تسلكه، أن تعمل به, في مجال السياسة في مجال الاقتصاد، في مجال الأخلاق، في كل مجالات الحياة، في كل مجالات الدين, المعروف باب واسع جداً.
إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟. ليس المعروف فقط هو فيما نتصور، حتى أصبح هذا المبدأ العظيم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني فيما يتعلق بأشياء بسيطة، بسيطة جداً [غلِّق المسجلة، غَطّ ركبتك]. ما هي هكذا؟، تقريباً تنتهي إلى هذه.
المعروف.. ولهذا نحتاج إلى أن تكون هناك أمة، أن يؤهل الناس أنفسهم إلى أن يصبحوا أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير تحت عنوان (الخير) الواسع، وأن تكون أمة تأمر بالمعروف تحت هذا العنوان الواسع، وتنهى عن المنكر بعنوانه الواسع، ثلاثة عناوين واسعة جداً، ثلاثة عناوين مهمة هي تشمل كل مجالات الحياة، سواء ما كان من وجهة نظرنا لا نراه متعلقاً إلا بالدنيا، وما كان منها متعلقاً بالدين.
أليست هذه هي هداية حقيقية إذا أحد تأمل فعلاً، تجعلك تثق بالله، يجعل الإنسان يثق بأنه يضع الخطط الحكيمة للأمة لتمشي عليها. وهو يعلم ما سيعمل أهل الكتاب، وكيف ستكون أساليبهم، وأنهم سيغزون الأمة من الداخل فيجعلوا الأمة تقف مستسلمة أمامهم، طائعة لهم، متولية لهم، كبارها جنود لهم، وصغارها ضحية لفسادهم، فتتجمد وتتعطل كل وسائل القوة الأخرى.
البترول في الأرض يصبح لا يمثل ما يمكن أن يمثله من آلة ضغط عليهم، هذه الخيرات المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية كذلك لم تعد تمثل وسيلة للضغط على دول الغرب: اليهود والنصارى، هذه الأسلحة المتطورة التي يمتلكها هذا الشعب وهذه الدولة وهذه الدولة وتلك الدولة هي أصبحت قطعاً متجمدة لا معنى لها لا قيمة لها، بل ستصبح قطعاً تتحرك بفاعلية في خدمة أمريكا وإسرائيل لضرب الشعوب نفسها! أليس هذا من الدهاء اليهودي؟. أليس هذا من الخبث اليهودي الشديد؟.
وفعلاً كم وجدنا أن الأسلحة العربية والجيوش العربية تحركت لخدمة إسرائيل وأمريكا – سواءًً من حيث تشعر أو لا تشعر – عندما تحركت جميعاً في مواجهة [الثورة الإسلامية] في إيران ومواجهة [الإمام الخميني]، الذي برز كأعظم قائد يحمل أفضل نظرة منبثقة من القرآن الكريم في مواجهة اليهود والنصارى، تتحرك جيوش من مختلف الدول العربية، وقطع عسكرية من مختلف دول العالم، قطع أسلحة تتحرك في مواجهة هذه الدولة المسلمة وهذه الثورة الإسلامية! فتكون النتيجة في الأخير هي أنهم حموا إسرائيل من أخطر جهة كان يمكن أن تواجهها في هذا العصر، كان يمكن أن تقضي عليها فعلاً، كان يمكن أن تقضي على إسرائيل.
وكان [الإمام الخميني] رحمة الله عليه يرفع شعار: ((أن إسرائيل غُدّة سرطانية يجب أن تُسْتَأصَل))، وكان فعلاً جاداً في أن يستأصل هذه الغُدّة، لكن العرب الذين يصرخون الآن من إسرائيل، العرب الذين تحولوا إلى جنود لإسرائيل هم الذين وقفوا في وجه ذلك القائد العظيم، وذلك الشعب العظيم، والثورة العظيمة؛ لتقف إسرائيل محميّة دون أن تخسر شيئاً. ومتى ما انتهى خطر ذلك الشبح المخيف تستمر إسرائيل في عملها، لا تقدر – على أقل تقدير – لا ترعى جميلاً: أن هؤلاء خدموها فتتعامل معهم بوداعة وسلام،لم يحصل هذا.
{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119) مهما عملتم لهم لن يقدروا لكم جهودكم، لن يرعوا لكم جميلاً، لن يكافئوكم بإحسان، وهذا ما حصل، وهذا الذي نشاهد الآن، أما كان من المفترض أن إسرائيل ترعى ذلك الجميل لهذه الدول العربية التي انطلقت لتقف بدلاً عنها في مواجهة [الثورة الإسلامية] و[الإمام الخميني] فتزيح ذلك الخطر عن وجهها، أما كان من المفترض أن إسرائيل تتحول إلى دولة مسالمة؟ دولة تهتم بأمر العرب وشأنهم.
[لاحظ العرب] كانوا يقولون: لا بد من تحرير فلسطين حتى آخر ذرة من تراب أرض فلسطين؟ أصبحت المسألة بالعكس سيخدمون إسرائيل حتى آخر ذرة، وآخر جندي من أبناء أوطانهم، لكن تحت عناوين أخرى، اليهود هم يعرفون كيف يرسمونها، وكيف يشغّلون الأمة ويشغّلون الشباب في التحرك تحتها.
إذاً فإذا غاب العمل على تصحيح الوضع من الداخل تحت العمل في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تقف الأمة على قدميها أبداً, أبداً مهما امتلكت من أسلحة في مواجهة اليهود والنصارى؛ لأن هذا الأمر أتى في إطار وضع الخطة الحكيمة, الخطة المستمرة التي تؤهل الأمة لمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى، سواء في حماية أنفسهم منهم كي لا يتحولوا إلى كافرين مرتدين بعد إيمانهم أوفي رفع ظلمهم عنهم، وفي قطع أيديهم عن بلدانهم، لا بد من تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
ولكن ما الذي حصل؟.
من جَنى على هذا المبدأ هم الفقهاء أنفسهم، من جنى على هذا المبدأ نفسه هم أصحاب [أصول الفقه]، وأصحاب كتب [علم الكلام] والفقهاء أنفسهم، الذين حولوا المسألة إلى مسألة فردية: [أنت يجب عليك شخصياً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر], متى؟ قال: [متى ما امتلكت القدرة أو ظنيت التأثير! ما لم فما عليك].
فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى في الأخير نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً هو، فيقول: إذاً ارتفع الوجوب عني، إذاً أنا لا أستطيع، والثاني مثلي، والثالث مثلي، والرابع مثلي، وهكذا.
ناسين أن القرآن, أن الله سبحانه وتعالى يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى – وهو الشيء الطبيعي والغالب – إلا بأن يكون الناس يتحركون بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة قادرة حينئذٍ عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحداً، عندما يكون منهجهم قائماً على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف, وتنهى عن المنكر.
لكن وتعال فيما بعد طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد تقول له: واجب عليك إذا استطعت، ما تستطيع أنت شخصياً ما عليك.. فعزلت أنت هذا ثم تعزل الثاني بعده والثالث بعده حتى تخرج من آخر الصف وما أحد يستطيع ستجد كل واحد يقول: والله أنا ما أستطيع أنا خلاص ارتفع الوجوب عني ولي عذري عند الله!. هكذا انطلق فقهُنا, انطلقت القواعد التي تسمى [أصول فقه] لتوجه كل الخطاب الذي هو في القرآن خطاب جماعي للأمة من خلال الفرد أنه يجب عليه أن يتحرك في إطار أمة في تأهيل نفسه والآخرين ليكوِّنوا صرحاً شامخاً بأمة.
انطلقت الأشياء لتخاطب الأفراد كأفراد، وكل شخص يرجع إلى نفسه سيرى نفسه عاجزاً فيقول لله: [أنا لا أملك شيئاً، أنا لي عذري عندك ومع السلامة]!
سورة ال عمران الدرس الثالث صـ 3 ــ 4.