لماذا هذه الاستفاقة المتأخّرة على العروبة؟!
مقالات | 15 أبريل | مأرب برس :
الوقت التحليلي :
“العروبة” كلمة كنت تستطيع أن تدخل من خلال استخدامها إلى قلب كل مواطن عربي، حيث مثّلت هذه الكلمة منذ عدة عقود صمام الأمان ومفتاح أبواب الشعوب العربية برمّتها، ولم يدّخر الزعماء العرب أي جهد في استخدام هذه الكلمة في خطاباتهم وقممهم لمعرفتهم بمدى تأثيرها على المواطن العربي.
أما اليوم هل يمكن القول بأن كلمة “العروبة” ما زالت تملك نفس التأثير، في اعتقادي أن المواطن العربي سئم من تكرار هذه الكلمة دون تطبيق أي شيء من خصائلها، في السابق كان العرب يوجهون بوصلتهم نحو فلسطين التي كانت تمثل القضية المركزية بالنسبة لهم، ويمكن أن يقاس مدى عروبتك بمدى تمسكك بهذه القضية ودفاعك عنها، ولكن ومع الأسف ونظراً لتغيير المصالح تغيّر محور البوصلة وتعددت اتجاهات الأفرقاء العرب، ويمكن ملاحظة هذا الموضوع بشكل جلي بعد مضي عدة سنوات على بداية ما سُمّي “الربيع العربي”، حيث فضح هذا “الربيع” النوايا وكشف ما تضمر القلوب، ليثبت زيف القومية وتآمر الحكام على الشعوب وتآمر الحكام على بعضهم البعض وسعيهم لإسقاط بعضهم تحت حجج واهية، لدرجة وصلت فيها الأمور إلى شن حروب على دول جارة وصديقة مثلما فعلت السعودية والإمارات مع اليمن دون أن يكون لهذا العدوان أي مبرر واضح، وهذا ما يؤلم أكثر، أن تعتدي إحدى الدول العربية على دولة جارة وتقتل أطفالها ونساءها وتشرد مواطنيها تحت حجة “الشرعية”.
والأصعب من هذا كله أن دولاً عربية أخرى أرسلت إرهابيين إلى بعض الدول العربية ليعيثوا فيها فساداً ويرجعوها عشرات السنوات إلى الوراء ويدمروا اقتصادها وشعبها وهذا ما شاهدناه في سوريا والعراق، أما فلسطين فهذه حكاية أخرى أشبه بطعن الأخ من الخلف بعد أن كان واثقاً بأن ظهره محمي.
التعامل مع العدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه كان أشبه بارتكاب أكبر المعاصي، ولكن اليوم المفاهيم تغيّرت في هذا الاتجاه وأصبح قسم لا يستهان به من الزعماء العرب يلهث للتطبيع مع “إسرائيل” وتغيير مؤشر بوصلة العدو نحو إيران، وإذا فرضنا جدلاً أن لا عيب في ذلك، ما ذنب الشعب الفلسطيني إذا قرر الزعماء العرب مواجهة الإيرانيين، وهل مواجهة إيران تتم عن طريق التخلي عن القضية الفلسطينية وبيعها فقط للحفاظ على “الكرسي”، لا نعتقد بأن إيران هي من تشرّد الفلسطينيين من منازلهم أو تبني مستوطنات أو توّقع صفقات مشبوهة مثل “صفقة القرن” التي تعدّ تفريغاً واضحاً للقضية الفلسطينية من مضمونها وبيعها بأبخس الأثمان.
لبعض القادة العرب نقول: هل التهليل لضرب دول عربية يعتبر من مقومات “العروبة” بالنسبة لكم، وهل لجم الإعلام العربي ومنعه عن التحدث عن فلسطين وقضايا الأمة “عروبة” ؟!، في الأمس كتبت صحيفة واشنطن بوست تقريراً ذكرت فيه، أن القوات الإسرائيلية قتلت أكثر من 20 متظاهراً، وجرحت أكثر من 700 آخرين، خلال مسيرة العودة التي نظّمها سكان قطاع غزة يوم الجمعة الموافق لتاريخ 30 آذار/ مارس. وعلى الرغم من الاهتمام العالمي الذي حازت عليه هذه المواجهات، إلا أنها لم تتصدر عناوين الأخبار في وسائل الإعلام العربية، كما كان منتظراً. ويعزى ذلك إلى أن هذه الأحداث قد اندلعت وسط أجندات سياسية مزدحمة في الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أن المشهد الإعلامي العربي بات أكثر انقساماً واستقطاباً مما كان عليه قبل الربيع العربي، خاصة أن القنوات التلفزيونية باتت بشكل خاص أكثر عرضة للرقابة الحكومية. وفي الواقع، شهدت أزمة قطاع غزة منافسة مع أخبار أخرى، لعل أبرزها الحرب في اليمن وسوريا، وزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، والفوضى المحيطة بإدارة الرئيس دونالد ترامب، ناهيك عن احتمال إنهاء الاتفاق النووي مع إيران، وأضافت الصحيفة إن هذا الاهتمام الضعيف بقطاع غزة، يتماشى تماماً مع الأولويات السياسية التي تتبناها الرياض وأبوظبي، اللتان تسعيان للوقوف في صف إسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني، ومحاربة الحركات الإسلامية على غرار حركة حماس، ومواصلة حربهما في اليمن.
الاستفاقة من جديد
عاد بعض الساسة العرب من جديد لمحاولة دغدغة المشاعر العربية خلال الفترة الماضية عن طريق التأكيد على “العروبة” والسعي لتحقيقها بشكلها العملي والفعلي، ورأينا هذا الكلام يتكرر على لسان بعض الساسة اللبنانيين قبل بدء الانتخابات النيابية وكذلك الأمر في العراق، وحتى الإمارات كان لها نصيب من هذه الاستفاقة، حيث احتضنت مؤتمر “فكر” السادس عشر لمؤسسة الفكر العربي برعاية كريمة من الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء وحاكم دبي، ورحب ابن راشد بالمشاركين وتمنى لهم طيب الإقامة في دبي.
الاستفاقة المتأخرة، وبعد سبات عميق، تأتي بالتزامن مع تناغم خليجي غير مسبوق على المستوى السياسي لناحية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهنا نسأل أي عروبة يقصدون؟ فالعروبة التي نبت لحمنا عليها، بوصلتها فلسطين، ومواجهة الاحتلال؟ هل هي كذلك الآن؟ أم يريدون تفريغ هذا المحتوى من معناه تماماً كما فعلوا بالجامعة العربية؟!.
واليوم ستعقد القمة العربية في الرياض، البلد الذي أيّد العدوان على سوريا في ظل قيادة طائشة، فهل هذه هي العروبة التي يتحدثون عنها؟ لماذا التحف هؤلاء الصمت تجاه العدوان الثلاثي على بلد عربي؟!.