ترحيل المغتربين اليمنيين من السعودية: “إعادة الأمل” تعيد الألم
صحافة عربية ودولية | 10 فبراير | مأرب برس :
الوقت التحليلي :
يوماً بعد يوم تتضح الصورة أكثر، وتتسع رقعة الوعي لتشمل أفكار المغرر بهم ممن كانوا يرون في مملكة آل سعود محرابا للملائكة، قبل أن يدركوا أنها ليست أكثر من جحر للشياطين. حرب شعواء التهمت المواطن اليمني في الداخل، وحصار ثلاثي مطبق اثقل كاهله، لكن أولئك القاطنين في الخارج كانوا في معزل عن الأحداث، وكانوا معنا بأرواحهم ومواساتهم، وهاهم اليوم يكتوون بنار الحقد وسعير الظلم اللذين يستهدفان كل جميل داخل الوطن وخارجه، ولا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون لوطن يحمل نعت أصل العروبة، ولا أصل لأولئك الذين تاريخهم البعير وسلطانهم النفط.
إستجارة بالنار
كانت ولا زالت مملكة آل سعود سجنا مفتوحا وواسعا لكل اليمنيين الذين قدموا إليها سواء بطريقة رسمية أو سواها؛ فالهوة الإقتصادية الواسعة بين البلدين دفعت بأكثر من مليوني يمني إلى السفر إليها للعمل. ولم يكن السفر إليها يوما في سياق التكامل الإقتصادي، بل بدافع الحاجة إلى العمل وتحسين الدخل بعد أن فشلت حكومات النظام السابق المتعاقبة بإدارة الشأن اليمني وتوظيف القوة البشرية داخليا، أو إعدادها وتأهيلها للعمل في الخارج والإشراف على عملية السفر وتوقيع عقود العمل وتحديد الرواتب والأجور الشهرية لعدم ظهور مثل هذه التعسفات التي تنهش في جسد المغترب اليمني وتصادر حقه المالي والحقوقي والإنساني.
بداية اللعبة
وضعت الرسوم السعودية الجديدة العمالة اليمنية أمام خيارات مرة، فارضة عليها أعباء مالية جديدة تجعلهم الأكثر تضرراً قياسا برواتبهم المتواضعة، ما يهدد بعودة عشرات الآلاف منهم لبلدهم رغم نار الحرب، أو البقاء وتسليم كل أجورهم مقابل الرسوم الكثيرة التي تُفرض عليهم. وهذا يعني بكل تأكيد توقف تحويلاتهم المالية التي تعد أهم موارد الإقتصاد اليمني في ظل الحرب. ويعتبر المغتربون اليمنيون أن قرار فرض رسوم جديدة بمثابة قرار ترحيل مباشر، حيث يعمل أغلب اليمنيين في مهن بسيطة وبأجور متدنية تذهب معظمها لسداد الرسوم المفروضة عليهم والتي تصاعدت لتأخذ الراتب كله.
دلالات الترحيل
يؤمن تحالف العدوان أن لا قيمة تذكر لأي تقدم عسكري لمرتزقته هنا أو هناك، فالحرب لن تحسم بالسيطرة على ذلك المكان أو تلك المنطقة، ناهيك عن الدروس المؤلمة التي يتلقاها العدوان من الجيش اليمني ولجانه الشعبية في كافة الجبهات والمنافذ والثغور، وهذا مفتاح لاستمرار المعركة بشكل اكبر نظراً لتوسع الرقعة الجغرافية التي يتواجد فيها الجيش ولجانه، لذلك يغض العدوان الطرف بكل يأس عن الورقة العسكرية ويلجأ إلى تفعيل الورقة الإقتصادية. فإلى جانب سياسة الافقار والحصار ومنع الواردات ونقل البنك المركزي اليمني وانقطاع المرتبات والسيطرة على المناطق الايرادية والتلاعب باسعار العملة التي كان هدفها الضغط على الشعب للإنتفاضة الداخلية على حكومة الداخل، وهو ما افشله اليمنيون، وكشفوا تلك المخططات بوعي كبير، وواصلوا صمودهم لايمانهم بنوايا العدوان الخبيثة. اليوم تتعمد السعودية ترحيل المغتربين اليمنيين ليعودوا إلى أرض الوطن ليسوء حالهم وحال مئات الأسر اليمنية التي تعتمد على المغتربين في وسيلة دخلها، ويرى العدوان في ذلك وسيلة ضغط جديدة على الداخل اليمني.
تبرير مدفوع الأجر
بالرغم من تواجد حكومة ما يسميه العدوان شرعية يمنية في فنادق الرياض، إلا أنها بين الحين والآخر تأتي بمواقف سلبية تبرر للسعودية توجهها بطرد العمالة اليمنية وسجنهم وتعقب أماكن أعمالهم. فقبل أشهر ظهر المدعو “صعتر” على شاشات مرتزقة العدوان ليصرح بأن المغتربين اليمنيين في السعودية يمولون أنصار الله في الداخل؛ لتطال المغتربين بعد هذا التصريح حملات ومداهمات اعتقال بالجملة، وبالأمس القريب يطل وزير المغتربين في حكومة الرياض ليبرر للسعودية إجراءات الترحيل بقوله: “إن العمالة اليمنية غير مؤهلة وغير كفوءة، وأن جميعها تنحدر من مناطق يسيطر عليها الحوثيون”. هنا تظهر بوضوح دلالات الترحيل وأهدافه، وينكشف الوجه الحقيقي للعدوان السعودي في التعامل مع العمالة اليمنية التي بنت مدنه وأقامت أساس حضارته ونهضته، ليرميها أخيرا في المعتقلات والسجون.
حرب باردة
لم تكن هذه الإجراءات التعسفية ضد اليمنيين في مواطن الإغتراب بمعزل عن متابعة الداخل اليمني ممثلا بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ. ففي رسالة حصيفة وعميقة دعا رئيس اللجنة الثورية العليا محمد الحوثي المغتربين اليمنيين في تغريدة على صفحته في تويتر بأن يعودوا إلى أرض الوطن بكل ترحاب، وأن معسكرات الجيش اليمني ولجانه الشعبية جاهزون لإحتضانهم واستيعابهم لمعركة الدفاع عن الكرامة والحرية من هذا العدوان المتغطرس وفي مقدمته مملكة الشر التي تسببت في ترحيلهم وقطع ارزاقهم. هذه الرسالة تؤكد الفهم العميق لما وراء سياسة التضييق على اليمنيين وترحيلهم، وكيف أن ذلك سيجلب مزيدا من السخط والحقد والكراهية للنظام السعودي تمهيدا لموجات غضب ستدفع المظلومين والمرحلين للإنتقام من السياسة السعودية، وذلك لن يتأتى إلا بالانخراط في معركة اليمن المصيرية ورفد الجبهات بالرجال والمال والعتاد.
تضامن حقوقي
عبر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء قيام السلطات السعودية بترحيل آلاف اليمنيين المقيمين على أراضيها ممن دخلوا إلى الأراضي السعودية، إما هربًا من الحرب أو للبحث عن عمل، معتبرًا أن على السعودية «أن تأخذ بعين الاعتبار تدهور الأوضاع الإنسانية التي خلفتها الحرب المندلعة على اليمن منذ مطلع العام 2015 والتي تعد السعودية طرفًا رئيسًا فيها».
وقال المرصد إن اليمنيين، وبفعل ما يتعرضون له من الحرب والعدوان، يمكن أن ينطبق عليهم وصف اللاجئين، ما يجعلهم يندرجون تحت قاعدة «اللجوء وعدم الطرد»، التي نصت عليها الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تعد قاعدة عرفية في القانون الدولي، ما يجعل طردهم وترحيلهم بهذه الصورة الجماعية انتهاكًا لهذه القاعدة، وقد يعرض حياتهم للخطر.
ونوّه المرصد إلى أن ما يعرف بـ«اتفاق الطائف»، كانت وقعته الحكومة السعودية مع الحكومة اليمنية، يقضي بأن يعامل اليمني في السعودية معاملة السعودي في معظم ما يتعلق بالجوانب الخاصة بالإقامة والعمل، وهو ما يجعل ترحيل اليمنيين، حتى أولئك الذين لا ينطبق عليهم وصف اللاجئ، مخالفًا للاتفاقية بين اليمن والسعودية.
يذكر ان منظمة هيومن رايتس ووتش اتهمت السعودية والإمارات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، محذرة من أن تراجع الحكومات المدافعة عن حقوق الإنسان يخلف فظائع جماعية. وقالت المنظمة غير الحكومية – في تقريرها السنوي لعام 2018- إن الانتهاكات التي ارتكبتها السعودية والإمارات في اليمن يرقى بعضها إلى جرائم حرب.