«نيويورك تايمز»: لماذا لا تستطيع السعودية هزيمة إيران؟
تقارير | 18 نوفمبر | مأرب برس :
لن تجد سوى القليل من الأشياء القابلة لإشعال الأوضاع مثل مزيج القوة والطموح والقلق، وهناك الكثير من هذا المزيج في الرياض هذه الأيام.
وبعد أن كانت تتسم بكونها قوة إقليمية حذرة وسلبية، وجدت المملكة العربية السعودية هدفا جديدا في الأعوام الأخيرة. ويستعرض ولي العهد، الأمير «محمد بن سلمان»، صاحب الطموح الذي لا يهدأ، قوته وسلطته في الداخل عبر حملة قمع ضد عدد كبير من رجال الأعمال وأعضاء العائلة المالكة. فضلا عن استعراض قوته عبر الشرق الأوسط، مدفوعا بالحاجة الملحة لمواجهة النفوذ الإيراني. ولدى الأمير «محمد» منطق في هذا. فقد أًصبحت إيران القوة المهيمنة من العراق إلى لبنان.
وقد تبالغ المملكة في النوايا والقوة الإيرانية، لكن الدول الغربية والآسيوية عادة ما تقلل من شأنها. وقد تفاخر «حسن روحاني»، الرئيس الإيراني، بقوة إيران الشهر الماضي، قائلا: «لا يمكن اتخاذ إجراءات حاسمة في العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج دون موافقة إيران». وقد لا تكون طهران تمتلك السيطرة الكاملة في بغداد ودمشق وبيروت، ولكن بفضل وكلائها وحلفائها، يمكن لها تشكيل ساحات القتال والسياسة في تلك البلدان بشكل كبير.
وفي ظل هذه الظروف، فإن لدى «بن سلمان» سببا وجيها للتشكيك في سياسة أسلافه الخارجية. وتحت قيادة الملوك السابقين، كانت الرياض حريصة فعلا على التواصل مع طهران، على الرغم من الإجراءات الاستفزازية الإيرانية، بما في ذلك برنامجها النووي، واتهام الملك «عبد الله» الرئيسين «أكبر رفسنجاني» و«محمد خاتمي» بالتآمر لاغتيال سفير سعودي في الولايات المتحدة.
والآن، أصبحت السياسة الخارجية والأمنية السعودية مندفعة أكثر من اللازم. وبدلا من مواجهة إيران بحرص، وتكثيف دعم واسع النطاق لهذا الجهد، كان النهج هذه المرة عشوائيا ومثيرا للقلق، وأتى بنتائج عكسية، ولا تزال إيران تسبق بخطوة.
وكان تدخل السعودية في اليمن، نيابة عن القوات الحكومية التي تقاتل ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، حربا مكلفة وغير حاسمة، حتى بعد أكثر من عامين ونصف العام. وفي الواقع، قد تؤدي إلى نتيجة عكسية لما أرادته الرياض، فقد حاولت الرياض منع تحول حركة الحوثيين إلى شيء مماثل لحزب الله اللبناني، باستثناء أنها ستكون أقرب بكثير إلى الحدود السعودية. وفي الواقع، ما لم تنته الحرب في اليمن قريبا، فإن المسلحين المدججين بالسلاح، والمدعومين من إيران، سيجلسون قريبا فوق أطلال دولة محطمة ومجتمع جائع.
وكان الحصار الذي تقوده السعودية في قطر أكثر نجاحا. وقد نجحت، إلى حد ما، الجهود الرامية إلى ترويض السياسات الإقليمية المستقلة لهذا البلد، وقد وضعت الأزمة الآن على جدول أعمال الدبلوماسية الدولية. ومع ذلك، فإن تكلفته كانت عالية على سمعة الجميع، وكذا فإن النزاع المؤطر من قبل السعوديين كصراع من أجل مستقبل الشرق الأوسط ينظر إليه في العديد من العواصم باعتباره صراع متهور لا لزوم له.
وكان آخر مشروع سعودي، المتمثل في الاستقالة القسرية التي قدمها «سعد الحريري» كرئيس لوزراء لبنان، واحتمال احتجازه قسرا في الرياض، وهو الحليف المفضل للرياض، أمرا محيرا للكثيرين في لبنان وأماكن أخرى. ومن المرجح أيضا أن يؤدي إلى نتائج عكسية. ويأتي هذا التحرك لإحراج إيران وحزب الله، اللذين يعملان على تقويض الدولة اللبنانية على مدى عقود، عبر اغتيال المنافسين، وإغراق البلاد في حروب خارجية، وتصدير المقاتلين إلى جميع أنحاء المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، كانت السعودية تدعم مؤسسات الدولة وتعمل من خلال السياسيين الراسخين مثل «الحريري». لكن نوايا الرياض الآن بالنسبة للبنان غير واضحة.
ساحات خاطئة
وفي الواقع، إذا كان هدفها هو مواجهة إيران، فإن الرياض قد دخلت ساحات خاطئة للقتال.
وتعد لبنان واليمن من بين البلدان الهامشية، حيث تكون الحروب مكلفة ومعقدة، مع نتائج غامضة وعائدات منخفضة. وفي الشرق الأوسط، يتم تحديد ميزان القوى في سوريا والعراق. ولكن في هذه البلدان، تكون التكاليف مرتفعة والمخاطر أعلى. وفي كلتا المنطقتين، تمضي إيران قدما.
وفي عام 2011، اعتبرت الرياض أن رعاية المعارضة السورية سيساعد على تعويض الهيمنة الإيرانية على العراق. لكن لم يعمل الأمر بهذه الطريقة. ولا يمكن الآن إحياء المعارضة السورية المتعثرة، وقد غسلت الولايات المتحدة أيديها من الحرب الأهلية السورية، ويتم تحديد مستقبل البلاد في موسكو وأنقرة وطهران.
وربما يكون هناك أخبار أفضل للسعوديين في العراق، حيث يعودون الآن عودة متأخرة، بعد إنكار الحقائق السياسية الجديدة منذ عام 2003. وتحولت مغازلة «مقتدى الصدر»، رجل الدين ذي الشعبية الهائلة، واحتضان رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي»، إلى انتقاد شعبي لدور إيران في العراق، في تحركات مبدئية ولكن مذهلة لتحقيق التوازن مع نفوذ طهران.
وقد تعلمت الرياض، بالطريقة الصعبة، أن التحالفات الإقليمية، ذات التكلفة الكبيرة، لا تحقق بالضرورة الفوائد السياسية والعسكرية المتوقعة. وقد دعم السعوديون حكومة الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في مصر بمليارات الدولارات، لكن السيسي يستأنف الآن العلاقات مع الرئيس «بشار الأسد» في سوريا، ويرفض الضغوط السعودية لتصعيد التوترات مع إيران. كما رفض «السيسي» طلبات السعودية بإرسال قوات إلى اليمن لمحاربة الحوثيين.
وكان النجاح الملحوظ للسعودية هو العودة لتلطيف الأجواء السعودية الأمريكية، وهذا هو سبب الترحيب الكبير بالرئيس «ترامب»، من الناحية النظرية، في المملكة. وكانت العلاقات السعودية الأمريكية قد تعرضت لصدمات خلال وجود إدارة «أوباما»، وبصفة خاصة بعدما حرص الرئيس «أوباما» على إصلاح العلاقات مع طهران، وتوجيهه الدعوة إلى إيران والسعودية لـ«تعلم المشاركة» في الشرق الأوسط.
ولا شك في أن الرياض وواشنطن تتقاسمان وجهة النظر الآن فيما يتعلق بإيران، لكن ذلك لا يشكل استراتيجية مشتركة. وفي الواقع، يبدو أن الرئيس «ترامب» و«جاريد كوشنر» و«بن سلمان» لم يصلوا حتى الآن إلى اتفاق متبادل قابل للتنفيذ.
فروقات في الكفاءة
وفي الأساس، من يستكشف التنافس بين طهران والرياض يجد فروقات في القدرة والكفاءة. فإيران لديها الشبكات والخبرة والصبر الاستراتيجي المطلوب للقتال وكسب الحروب بالوكالة، ما يمنحها قدرة على التخفي والتنصل من المسؤولية بتكلفة منخفضة. ولا يملك السعوديون ذلك ببساطة، وهذا هو السبب في أن سعيهم للتغلب على الإيرانيين في هذه اللعبة أمر خطير ومكلف.
ولدى إيران قوة أخرى، فقد أثبتت أنها ستقف إلى جوار أصدقائها وحلفائها في الأوقات الجيدة والسيئة سواء بسواء. لكن السعودية ليس لديها نفس الثبات. ويمكننا في ذلك سؤال المعارضين السوريين وزعماء القبائل العراقية والسياسيين اللبنانيين.
وقد نكون على حق تماما إذا ما اعتبرنا أن التهديد الإيراني ليس كما يصور. بل إن استعادة إيران ودمجها في المجتمع الدولي يعد هدفا جديا وعاجلا، يتطلب إجماعا دوليا واسعا ومملكة أقل عدوانية. وبغير ذلك، تتشتت الطموحات الأجنبية وتبتعد عن مهمة الإصلاح الداخلي الأكثر إلحاحا وأهمية.