الإمارات و(إسرائيل).. شراكة استراتيجية
تقارير | 12 نوفمبر | مأرب برس :
على الرغم من نجاح مدينة دبي الملحوظ في تحويل نفسها إلى مركز مالي عالمي على النمط الغربي، واجهت الإمارات العربية المتحدة أهم أزمة دبلوماسية لها حتى الآن عام 2006.
وبينما سعى المشرعون الأمريكيون إلى مناقشة أوراق اعتماد الأمن القومي في إدارة «بوش»، أشار زعماء مجلس النواب إلى أنهم سيعرقلون صفقة تجارية لمنع ميناء دبي العالمي، المملوك للدولة في الإمارات، من إدارة ستة موانئ أمريكية، بما في ذلك نيويورك ونيووارك وبالتيمور وميامي.
وعلى الرغم من أن الإمارات سحبت عطاءها في نهاية المطاف، إلا أن أبو ظبي قد فوجئت على ما يبدو بمعارضة الكونغرس، ثم أطلقت حملة واسعة للعلاقات العامة لإقناع صناع السياسة في واشنطن بأن الإمارات ليست حليفا موثوقا للولايات المتحدة فحسب، بل إنه تتشارك المصالح الاستراتيجية لواشنطن، والتي تشمل (إسرائيل).
وفي هذا السياق، أصبح إنشاء قناة دبلوماسية للتعامل مع الدولة اليهودية ومؤيديها في واشنطن مسألة ذات أولوية وطنية لدولة الإمارات.
وعقب الجدل الدائر حول موانئ دبي العالمية، بدت الإمارات خائفة من فقدان إمكانية الوصول إلى الأجهزة العسكرية الأمريكية، فضلا عن المشاركة في تبادل المعلومات الاستخباراتية المشتركة، ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بإيران. كما خشيت أبوظبي من أن يعوق هذا الجدل الاستثمارات الأمريكية، أو أن تؤثر الفضيحة على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع واشنطن.
وتحقيقا لهذه الغاية، سعت أبوظبي إلى إنهاء الجدل سريعا. وفي وقت لاحق، سعت للحصول على دعم سياسي ودبلوماسي أمريكي لمحاولتها استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) بشكل دائم.
ولضمان الدعم الدبلوماسي الأمريكي لهذه المبادرة، انخرط الإماراتيون في نفس الوقت في المجتمع الأمريكي اليهودي. وفعلت الإمارات ذلك جزئيا لضمان عدم وجود معارضة من الكونغرس، وشددوا على أنه من خلال استضافة أيرينا، فإن «جميع» أعضاء الأمم المتحدة، إشارة إلى (إسرائيل)، سيكونون موضع ترحيب للمشاركة الكاملة.
وبدعم إسرائيلي ضمني، دعمت الجماعات اليهودية الأمريكية المبادرة بقوة، بينما كانت تدافع عن الجهود الدبلوماسية الهادئة لضمان وصول منظمات الأعمال والمنظمات المهنية الإسرائيلية إلى المؤتمرات الدولية التي تعقد في مختلف أنحاء الإمارات.
ومنذ تأسست الوكالة رسميا في أبو ظبي عام 2008، سافر ممثلون دبلوماسيون ووزراء إسرائيليون إلى العاصمة الإماراتية لعقد اجتماعات تتعلق بوكالة الأمم المتحدة. وبالتالي، تسنى للمسؤولين الإسرائيليين استخدام المكان لعقد اجتماعات على الهامش مع نظرائهم الإماراتيين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع الحفاظ في نفس الوقت على قناة اتصال دبلوماسية.
وبالتوازي مع هذه المبادرة الدبلوماسية، وقعت أبوظبي وواشنطن على ما يسمى باتفاقية التعاون المدني في مجال الطاقة النووية السلمية رقم 123، في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2009. ويمكن الاتفاق الإمارات من الحصول على الخبرات النووية والمواد والمعدات من الولايات المتحدة كجزء من الاتفاقية، كما التزمت الإمارات بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم المحلي، وإعادة معالجة الوقود المستهلك. ووقعت أيضا على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يضع نظام تفتيش أكثر صرامة بشأن الأنشطة النووية على دولة الإمارات. وقد أصبح اتفاق الإمارات بالتخلي عن التخصيب وإعادة المعالجة يعرف باسم «المعيار الذهبي» لعدم الانتشار في اتفاقات التعاون النووي، لأنه يعني التخلي عن التكنولوجيا والقدرات الحساسة التي يمكن استخدامها لإنتاج سلاح نووي.
وقبل التوقيع على الاتفاق رقم 123، أكد المسؤولون الإماراتيون أيضا للمؤسسة الدفاعية الإسرائيلية أن برنامجهم النووي المدني سيكون ممتثلا تماما للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن برنامجها سيكون شفافا تماما.
وبدعم من الكونغرس الأمريكي، لم تتلق الاتفاقية الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات حول التعاون النووي السلمي أي اعتراض من المنظمات اليهودية الأمريكية ذات النفوذ، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، واللجنة اليهودية الأمريكية، وعصبة مكافحة التشهير.
ومن المتوقع أن يكتمل برنامج الطاقة النووية في دولة الإمارات، وهو مشروع مشترك بين شركة الإمارات للطاقة النووية المملوكة للدولة وشركة الكهرباء الكورية، بين عامي 2017 و2020، ويتكلف 30 مليار دولار أمريكي.
تقارب أكبر
وفي الوقت نفسه، من الممكن أن تقوم (إسرائيل) والإمارات بإنشاء قناة اتصال خاصة بالأزمات، قد تتضمن التعاون الاستخباراتي بشأن «التهديدات الخطيرة». ويعتقد المراقبون ومسؤولو مجلس التعاون الخليجي أن الحسابات الإيرانية الخاطئة في الخليج العربي قد تشعل المنطقة بأسرها، الأمر الذي سيقارب بشكل أكبر بين (إسرائيل) والإمارات.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت خطوط الاتصالات الرسمية للأزمات ستشمل خطا ساخنا عسكريا مباشرا بين وزارة الدفاع في تل أبيب ونظيراتها في الخليج. ونظرا لأن (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي ينظرون إلى إيران على أنها تهديد خطير بشكل متزايد، فقد بدأت تل أبيب والإمارات، على وجه الخصوص، تعميق التعاون في المجال الأمني منذ عام 2006. ولهذه الغاية، منحت (إسرائيل) الإمارات إمكانية الوصول إلى القمر الصناعي إيروس بي وصوره عالية الدقة، بالإضافة إلى الخدمات التي تلقتها بالفعل من القمر إيروس إيه، كما ورد في «ديفنس نيوز» عام 2009.
وفي الوقت الذي نفت فيه الإمارات سريعا تقرير «ديفينس نيوز» في ذلك الوقت، فمن المعروف على نطاق واسع أن (إسرائيل) تواصل تصدير الاتصالات ومعدات الأمن الداخلي والتكنولوجيا المدنية ضد الإرهاب إلى العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك دولة الإمارات.
وعلى الجبهة الدبلوماسية، بعد فترة وجيزة من انسحاب (إسرائيل) من قطاع غزة، عام 2005، قادت دبي سلسلة من مبادرات حسن النوايا الخليجية، التي عرضت إلغاء البحرين والكويت وعمان وقطر رسميا مقاطعة السلع الإسرائيلية، مقابل التقدم نحو عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
وكجزء من هذا الجهد، أنشأت (إسرائيل) مكاتب تجارية في عمان والكويت وقطر ودبي. ويبدو أن العلاقات الدبلوماسية بين (إسرائيل) ودول مجلس التعاون الخليجي كانت في ذلك الوقت على مسار التطبيع. غير أن حرب غزة، عام 2008، وضعت نهاية رسمية لذلك، وأجبرت المكاتب التجارية الإسرائيلية في مسقط ومدينة الكويت والدوحة على الإغلاق.
أما في حالة دبي، فقد ظلت المكاتب التجارية الإسرائيلية مفتوحة حتى اغتيال الموساد المزعوم للقيادي بحماس، «محمود المبحوح»، في يناير/كانون الثاني عام 2010. وتمشيا مع السياسة الإسرائيلية التقليدية، لم تؤكد (إسرائيل) ولم تنف كذلك مسؤوليتها عن العملية. حيث تفضل أن تظل مراوغة بشأن سياساتها الإقليمية، ولاسيما عملياتها الاستخباراتية.
وقبل عملية الموساد عام 2010، يعتقد أن التجارة الثنائية بين (إسرائيل) والإمارات تجاوزت مليار دولار أمريكي بين عامي 2006 و2009. ومع ذلك، يعتقد على نطاق واسع أن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية قد انهارت في نهاية المطاف بعد اغتيال دبي. ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود علاقات تجارية رسمية، تواصل الشركات الإسرائيلية تصدير مجموعة من تكنولوجيات الأمن الوطني المدنية، وكذلك تقنيات المياه والري، إلى دول المجلس، من خلال شركات تعمل من وراء ستار أنشئت في أوروبا. ويشارك الإسرائيليون أيضا في سوق الماس في دبي، من بين صناعات أخرى، والاستثمار في العقارات باستخدام جوازات سفرهم الثانية.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن العلاقات بين (إسرائيل) والإمارات ستكون على الأرجح أكبر بكثير من مجرد العلاقات التجارية. وحتى لو أعاق غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية احتمالات تحسين العلاقات في بعض المجالات بين البلدين، إلا أن العلاقات الثنائية ستزداد. وفي الواقع، تعد الإمارات هي العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي شارك في مناورات عسكرية دولية شاركت فيها القوات الجوية الإسرائيلية، في اليونان والولايات المتحدة.
وفي هذا المنعطف الحالي، تثير القوات المدعومة من إيران، من بلاد الشام إلى اليمن، مخاوف في (إسرائيل) ودول المجلس، خاصة وأن تنظيم الدولة الإسلامية قد فقد قبضته على معاقله الكبرى، ويبدو أن الميليشيات الشيعية، مثل وحدات الحشد الشعبي، تملأ الآن مساحة كبيرة في العراق. ويبدو أن المسؤولين في أبوظبي وتل أبيب يرون أن الشراكة الاستراتيجية الإماراتية الإسرائيلية، وإن كانت منخفضة، ليست قابلة للبقاء فحسب، بل هي أيضا ذات قيمة كبيرة لكل منهما، نظرا لنظرتهما إلى التهديدات في الشرق الأوسط المضطرب من خلال نفس العدسة.