بريطانيا تواجه تبعات تحالفها مع السعودية
مقالات | 10 يوليو | مأرب برس :
بقلم / د .سعيد الشهابي :
من المؤكد ان القطريين بدأوا يشعرون بالآثار الضارة للحصار الذي فرضه التحالف الهش الذي تقوده السعودية ضدهم، ولكن أزمة كبرى غير معلنة تدور رحاها في العالم، خصوصا في اوروبا. وبرغم معاناة القطريين، فان السعوديين لا يقلون احساسا بالحصار الناجم عن سياسات الرياض ازاء العديد من القضايا المحلية والاقليمية والدولية.
وما شهدته مدينة هامبورغ الالمانية قبل يومين من احتجاجات صاخبة ضد قمة الدول العشرين التي عقدت هناك، يؤكد ان العالم يعيش ارهاصات كبرى مرتبطة بتصدع النظام السياسي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية.
واذا كان الغربيون قد شعروا بنشوة غير مسبوقة قبل ربع قرن وهم يرون الامبراطورية السوفياتية تتصدع امام اعينهم، فانهم اليوم يشاهدون تصدع المشروع الغربي من داخله. فالاحتجاجات التي تصاحب انعقاد قمم الدول الصناعية لا تزداد توسعا فحسب، بل انها تؤكد حتمية حدوث تغيرات جوهرية في الهيكل السياسي الغربي لاسباب عديدة من بينها الضعف البنيوي الذي تعاني منه الولايات المتحدة، ذلك التصدع الذي سمح لصعود شخص مثل دونالد ترامب إلى الرئاسة.
ومع أن اوروبا تعيش حالة من القلق منذ صدور القرار البريطاني بالخروج من الاتحاد الاوروبي، الا ان بريطانيا هي التي تعيش الهاجس الاكبر، وتشعر انها محاصرة هي الاخرى. فقبل الاستفتاء كانت حكومة المحافظين تراهن على امور ثلاثة:
– تعميق «العلاقة الخاصة» مع أمريكا،
– وتوسيع دورها الاستراتيجي في الشرق الاوسط،
– وتمتين التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي كمصدر مهم للمال الذي يساهم في خفض العجز في الموازنات وتصاعد الديون.
لكن في غضون اقل من عام اتضح ان الرهان البريطاني لم يكن في محله، وان ثمة تحديات كبرى تنتظرها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ويمكن القول ان العام 2017 يعتبر نقطة تحول في التاريخ البريطاني الحديث. فبالاضافة لقرار الخروج من الاتحاد الاوروبي بعد استفتاء مثير للغط، تعاني بريطانيا من اعادة ترتيب موازين القوى السياسية داخل البيت البريطاني نفسه. فاذا كان قرار الاستفتاء مفاجئا للمؤسسة البريطانية، ومن ضمنها حزب المحافظين، فان صعود التوجه الاشتراكي الذي يمثله حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين، كان مفاجأة غير محسوبة النتائج.
وكما أخطأ ديفيد كاميرون حساباته عندما اجرى الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي فجاءت بعكس ما كان يأمل، فقد أخطأت السيدة تيريزا ماي حساباتها هي الاخرى، فدعت لانتخابات كانت تتوقع ان تثبت حكومتها بشكل اقوى، ولكن لم يحدث ذلك، بل جاءت النتيجة معاكسة لما كانت تأمل به. ويوما بعد آخر يزداد حزب العمال برئاسة جيريمي كوربين قوة وشعبية.
وقبل يومين فحسب اكدت الاستطلاعات ان شعبية حزب العمال بلغت 46 في المائة مقارنة بـ 38 بالمائة لحزب المحافظين الحاكم. وقد لا تكون هذه مشكلة في الاوضاع العادية، ولكنها تمثل ازمة كبرى للمؤسسة البريطانية حين يتزعم المعارضة شخص مثل جيريمي كوربين، ذي الاتجاه اليساري الثوري، الذي لا يخفي آراءه ومواقفه بل يدعو لاعادة هيكلة السياسة الخارجية البريطانية.
ويمكن اعتبار تراجع شعبية حزب المحافظين الحاكم نتيجة عملية لعجز المؤسسة الحاكمة عن استيعاب تغير المزاج العام في المجتمع البريطاني وبداية تمرده على النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي اصبح عاجزا عن خدمة الطبقات الاجتماعية الضعيفة، حتى توسعت الهوة بين الاغنياء والفقراء بمعدلات غير مسبوقة. انها جانب من الازمة الداخلية الناجمة عن تغول النظام المصرفي والشركات الكبرى وهيمنة رأس المال على مفاصل الحياة.
أما على الصعيد الخارجي، فان بريطانيا تواجه ازمات ذات ابعاد متعددة. فبالاضافة لاشكالات العلاقة مع اوروبا، خصوصا بعد قرار الانسحاب من الاتحاد الاوروبي وصعوبة مفاوضات ذلك الخروج، فهناك ابعاد جديدة ناجمة عن العلاقات التي سعى حزب المحافظين لتعميقها مع الشرق الاوسط، والتي اصبحت اليوم عبئا ثقيلا على السياسة البريطانية. وتجدر الاشارة إلى عدد من هذه القضايا:
الاولى تردد بريطانيا في اتخاذ موقف ازاء الازمة التي ابتدأتها السعودية في الخليج مؤخرا، والتي استهدفت فيها قطر وحشدت كل ما لديها من امكانات دبلوماسية ومالية لجر الآخرين لخوض حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل. ويمكن اعتبار هذه الازمة من اكبر التحديات للدبلوماسية البريطانية. ولوحظ حتى الآن عجز تلك الدبلوماسية عن اتخاذ موقف واضح، بل تسعى حكومة المحافظين لامساك العصا من الوسط ومحاولة الاحتفاظ بالعلاقات بين الطرفين. هذه السياسة اضعفت المصداقية البريطانيةخصوصا بعد اعلان فيليب هاموند قبل اقل من ثلاثة اعوام، عندما كان وزيرا للخارجية
ان هناك ضغوطا مستمرة على الحكومة لوقف امداد السعودية بالسلاح في حرب اليمن، ووقف التعاون اللوجستي والمعلوماتي والعملياتي في ما يتعلق بتلك الحرب الفاشلة التي مضى عليها عامان بدون وجود مؤشرات لوقفها في المستقبل المنظور. وهنا تواجه الحكومة معارضة شديدة من المعارضة التي تصر على وقف السلاح عن الاطراف المشاركة في الحرب خصوصا السعودية.
وسيظل هذا البعد عنصرا ضاغطا على حكومة المحافظين التي سعت دائما لاسترضاء السعوديين وغضت الطرف عن قضايا حقوق الانسان والاصلاح السياسي. كانت بريطانيا تعد العالم انها ستعود لمنطقة الخليج مجددا بسبب عزم أمريكا على نقل ثقلها العسكري إلى المحيط الهادئ وبحر الصين، ولكن هذه العودة تفتقد القيادة الدبلوماسية والسياسية الفاعلة. ولم يضف بناء قاعدة عسكرية بريطانية في البحرين للقدرات البريطانية التي اثبتت عجزها عن القيام بدور عملي لاحتواء الازمة التي فجرتها السعودية مع قطر.
الثانية: حرب اليمن وتداعياتها على مدى قرابة الثلاثين شهرا ستبقى شهادة مفتوحة على تواطؤ أمريكا وبريطانيا مع السعودية والامارات. وبرغم تصاعد الضغوط على بريطانيا لوقف دعمها العملياتي والاستخباراتي، يرفض حزب المحافظين وقف الدعم عن السعودية.
الثالثة: ساهم اصرار حزب المحافظين على تزويد السعودية بالسلاح والمعلومات فتح علاقة السعودية بدعم الارهاب، وهي التهمة نفسها التي وجهتها السعودية لدولة قطر. الفرق ان الغربيين اصبحوا اكثر اهتماما بظاهرة الارهاب التي ضربت عواصم غربية مثل بروكسل وباريس ولندن، والبحث في اسبابها. واهتمت وزارة الداخلية البريطانية بهذا الموضوع فقامت بشكيل لجنة خاصة للبحث في مصادر تمويل المساجد البريطانية التي يلعب بعضها دورا في دفع الشباب نحو التطرف والارهاب. وترفض السيدة تيريزا ماي الكشف عن التقرير ومحتوياته خشية تأثير ذلك على العلاقات مع السعودية.
وأكد التقرير ان السعودية هي المروج الاجنبي الاكبر للتطرف الاسلامي في بريطانيا، واشار ايضا إلى دور دبي كمركز لتبيض الاموال التي يستفيد منها الارهابيون، الامر الذي احرج المؤسسة الحاكمة ومن شأنه التأثير على العلاقات التاريخية بين بريطانيا وكل من السعودية والامارات. وهكذا اصبحت المؤسسة البريطانية مطالبة من قبل الرأي العام بكشف الحقائق حول هذه الظاهرة التي ادت إلى ثلاثة اعتداءات ارهابية في غضون ثلاثة شهور وادت لقتل قرابة الاربعين شخصا.
التحالف البريطاني — السعودي مرشح للتصدع في الوقت الذي تحتاج السعودية فيه للدعم البريطاني في نزاعها المفتعل مع قطر. ويمكن القول بان هذا النزاع فقد ديناميكيته تماما وسيتحول إلى تراشق سياسي واعلامي فحسب. فقد سقط الخيار العسكري الذي كان الورقة الاقوى بايدي التحالف السعودي ـ الاماراتي، فلا احد سيوافق على استهداف قطر عسكريا.
على الجانب العملي تتمتع قطر بمنافذ للعالم عبر الحدود المشتركة مع ايران، هو الامر الذي لم يتوفر لليمن. وجاء رفض قطر للشروط الثلاثة عشر ليصيب الخطة السعودية في مقتل لأن ذلك الرفض حاصر تلك الخطة وجعلها في موقع الدفاع بعد ان كانت هجومية بشراسة.
لقد استعجلت السعودية هذه المرة في امرها (معتمدة على التقديرات الاسرائيلية بشكل اساس) واكتشف ان هناك حدودا للمال النفطي وان الارادة الانسانية اقوى من المال والسلاح.
المصدر | القدس العربي .