اليمن معقل نهوض تحرّري وتغيير كبير
مأرب نت || مقالات ||غالب قنديل*
جميعُ المؤشراتِ السياسيَّةِ والميدانيَّةِ تدفعُ إلى ترقُّبِ مفاجأةٍ وشيكةٍ في اليمن، بعد الشوط الكبير الذي قطعته حركة أنصار الله في السيطرة على الأرض، وتحرير مناطقَ واسعة جديدة. ولولا الدور المباشر الأمريكي والسعوديّ الخليجي عسكريًّا وماليًّا وسياسيًّا، لكانت الحركة تحتفل بالنصر النهائي، ولكان قائدها السيد عبد الملك الحوثي يقود المشورة الشعبيّة والسياسية الوطنية حول مستقبل مؤسّسات السلطة السياسية، وإعادة بناء الدولة الوطنية والاقتصاد الوطني بعد الحرب والعدوان الأمريكي السعوديّ. والواضح أن هذه الملحمة المجيدة باتت في فصولها الختامية.
أولاً: تحدى اليمنيون مسلّمات جغرافية وسياسية سادت في العقل السياسي العربي، وقلبوا المعادلة بمبادرة ثورية جريئة، نقلت الأضواء ومركَزَ الصراع والاهتمام السياسي والإعلامي إلى بلدهم، الذي افترضه الأمريكيون والغربيون وبعض العرب طرفًا مهمّشًا وساحةً خامدةً مباحةً للنهب اللصوصي. فتحول اليمن إلى مركز فعل حاسم وهجومي لحركة التحرّر، وبات حصنًا قويًّا فاعلًا، ينهض، وتتصاعد قدرته على دحر قوى العدوان والعمالة وتفكيك الحصار. وهو في آفاق نهوضه المقبل يثير القلقَ والاضطرابَ لدى مواقع التخطيط والقيادة الغربية الاستعمارية والرجعية من نذر مفاجآت يمنية قادمة، ستولد تداعيات ثورية نوعية وخطيرة في قلب الجزيرة العربية، حَيثُ مركز النهب الاستعماري الغربي للنفط، ومعقل الرجعية العربية الأول، ومرتكز الهيمنة الاستعمارية الغربية في الوطن العربي وبلدان عديدة من آسيا وأفريقيا في العالم الإسلامي، حَيثُ تنشر الرياض بالتوجيه الأمريكي شباكَ تمويل ومساندة مخابراتية لوسائل إعلام وحركات سياسية رجعية ولحكومات عميلة، وتتشعّب خيوط التمويل السعوديّ بناءً على أوامر واشنطن في عشرات الدول الإسلامية والأجنبية.
ثانياً: البنيان السياسي والاستراتيجي لخطاب حركة أنصار الله ومشروعها العام مركزه ومحوره فلسطين، وتصفية الهيمنة الاستعمارية، والشراكة مع حلف المقاومة والتحرّر في المنطقة.
وقائد الحركة السيد عبد الملك الحوثي يثير الاحترام والتقدير في حرارة التعبير عن هذا الالتزام والتوجّـه المنهجي. وهو لا يخفي تناغُمَه الحاسمَ مع السيد حسن نصر الله قائد المقاومة في الشرق العربي، ولا تضامنه مع سورية الأسد، لدرجة الإعلان في خطبه عن استعداد اليمنيين للقتال إلى جانب رفاق السلاح في محور المقاومة. وهي العبارات التي أثارت مشاعرَ القائد السيد نصر الله وثناءَه الكبيرَ على بسالة وإيثار إخوةٍ شجعان ورفاق سلاح في معركة التحرّر التاريخية، قدّموا مأثرةً تاريخيةً، ودقّةً في تظهير التناقُضِ الرئيسي، ومسك عتلة التحرّر الاقتصادي والسياسي في البلاد العربية، بإطاحة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية. بل كرّسوا أهازيجهم في جميع الاحتفالات والمناسبات، وبكل وضوح، لشعار تصفية الهيمنة الأمريكية الصهيونية الرجعية في الوطن العربي، من دون فذلكة أَو حذلقة. وهم تمرّدوا على القُطرية الضيَّقة، وتخطوها إلى عروبة مقاتلة ومشرقيّة تحرّرية.
ثالثاً: الأُفُقُ السياسيُّ والميدانيُّ للتحول اليمني، هو نقل كرة النار إلى قلب منظومة الهيمنة ومركز مصالحها المالية والسياسية وشبكاتها الاستخبارية في الوطن العربي والعالم الإسلامي. وتصاعد التفاعلات والتداعيات باندلاع تلك المعركة التاريخية في شبه الجزيرة العربية سيكون قابلة لانعطاف تاريخي كبير في المنطقة العربية والعالم الإسلامي. فما بعد اختفاء النظام السعوديّ عن المسرح غير ما قبله في المشرق والمغرب بسقوط حبل الصرّة، الذي ترتبط به شبكات وسلسلة عقد ومواقعَ رجعية وبؤر تحريض وتخريب وارتزاق من جميع الأصناف والأعراق. وانهيارُ هذه المنظومة سيعني تحوّلًا ثوريًّا نوعيًّا لصالح الشعوب وحركات التحرّر والاستقلال، بخسارة الاستعمار والصهيونية لأخطر قوة، أثبتت قدرة هائلة في تنفيذ مشيئة الغرب وخططه، لتأبيد الهيمنة اللصوصية، ولجم نزعة التحرّر، ورعاية القوى والأبواق العميلة، وتمويل الحروب والفتن.
ما بعد انتصار اليمن ستنطلقُ تداعياتٌ وتفاعلاتٌ حاسمة في قلب شبه الجزيرة العربية. واليمنُ الجديدُ مهيَّأٌ للمشاركة مع سورية والعراق ولبنان وإيران ببناءِ جبهة مقاومة، ونطاقِ أُخوَّةٍ وتعاون، سيكونُ المثال في توحيد القدرات والإمْكَانات لتحقيق الاستقلال والتنمية، وتخطّي الحدودِ بنسيج شراكات مصيرٍ تاريخية، عنوانُها مقاومةُ الاستعمار وتحرير فلسطين.
* كاتب لبناني