غريمُنا أمريكا
|| مقالات || منير الشامي
حينما ألقى الشهيدُ القائدُ محاضرةَ “خطر دخول أمريكا اليمن” كان قد حدّد قبلَها بحوالي أسبوعين الخطوةَ الأولى في مواجهة النظام الأمريكي والمتمثلة في الصرخة، وهي خطوة عملية مثلت شعاراً وجسدت موقفاً عملياً لرفض سياسة الاستكبار الأمريكي ولها تأثير كبير ومرعب عليه سابقًا وحَـاليًّا وغداً.
لقد شخّص الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ- داءَ الأُمَّــة ومعضلتها الكبرى بخضوعها وارتهان أنظمتها وشعوبها للهيمنة الأمريكية ووصف الدواءَ الفعَّالَ لذلك الداء وهو دواء سهل وبسيط وفي متناول كُـلّ عربي وكل مسلم أن يستخدمه دون أن يكلفه شيئاً ودون أن يحمله جُهداً، ولو استخدمت الشعوبُ العربية أَو حتى الشعبُ اليمني فقط بجميع مكوناته ذلك الدواءَ كما بيّن لهم الشهيد القائد ضد الداء الأمريكي العضال، وصرخوا جميعاً في وجه النظام الأمريكي لنسفوا بصرختهم كُـلّ أحلامه وأطماعه في الشعب اليمني ولقطعوا عليه كُـلّ الخطوط التي مضى عليها منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وأغلقوا دونَه كُـلَّ الأبواب التي استغلها ضدنا ومرّر مؤامراته منذ عام 2002م وحتى يومنا هذا.
غير أن تدنيَّ وعي الشعب وجهله وانقسامه إلى مكونات متعددة تمسكت بولاءات حزبية وطائفية وعصبية ضيّقة وعميلة للأعداء ومتخلية عن ولائها لله ولرسوله وللمؤمنين جعل من تلك المكونات مُجَـرّدَ أدوات خاضعة لعدوها الحقيقي يحركها بواسطةِ أركان العمالة فيها وأزلام الخيانة في قيادتها لتحقيقِ أهدافه في تمزيق الشعب وتبديل هُــوِيَّته وَفي تحويله إلى فرق متنافرة ومتعادية يضرب بعضُها بعضاً ويُضعِفُ نفسَه بنفسه، فتنهار قوتُه ويتلاشى تماسكه ليصبح هشاً ضعيفاً فيتحكم بهم عدوُّهم كيفما شاء ويحركهم كقطع نرد يرجم بها في أي اتّجاه دون أن يخسر فلسا واحدا ويحول الوطن إلى ساحة يسرح ويمرح فيها ويجني ثروات الشعب ومقدراته في نفس الوقت، ودون أن يلتفت إليه المنشغلون في الصراع الذي أدخلهم فيه.
هذا الوضع بأخطاره الكارثية على الشعب هو ما أرَّقَ الشهيدَ القائدَ ودفعه لينطلقَ حاملاً أعظمَ وأخطر وأهمَّ مسؤولية تخلى عن حملها الجميعُ، وأبرزها في مشروعه القرآني ببصيرته الثاقبة ووفق قاعدته الأكيدة “عينٌ على القرآن وعين على الأحداث”.
هذه القاعدة هي ما أظهرت لنا اليوم قوى الشر والاستكبار بحقيقتها العارية، وتفاصيلها الخفية هي وكل من يدور في فلكها من أنظمة العالم ودوله ومنظماته والمنبطحين لها من المرتزِقة والعملاء والخونة.
تحدث -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ- عن أمريكا وفضح سياستَها وأساليبَها في خلق مبرّرات تدخلها في الشرق الأوسط كأحداث 11 سبتمبر وذريعة الإرهاب وبين لنا أَيْـضاً أن تدمير المدمّـرة كول الأمريكي مَن صنعها واستخدمها مبرّراً لدخول قواته ومخابراته إلى اليمن فكان صادقاً في تحذيره، ودقيقاً في تشخيصه، وهذا ما أصبح مكشوفاً أمام عيوننا في وَضَحِ النهار ونحن نرى نظام أمريكا يستخدم الجماعات الإرهابية في العدوان علينا ويحشدُهم من مختلف دول العالم ويرعاهم ويدعمهم بالمال والسلاح بطرق مباشرة وبطرق غير مباشرة عن طريق أدواته بالمنطقة كالنظام السابق أَو عميله السعودي أَو الأمريكي وطوال ست سنوات من العدوان أَيْـضاً، وأخيرًا في مأرب وفق ما كشف عنه تقرير جهاز الأمن والمخابرات الأسبوع الماضي وهو الأمر الذي أكّـده الدكتور اللواء عبدالقادر قاسم الشامي-نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات- في تصريحه لقناة المسيرة والذي كشف عن الكثير من الحقائق الأمنية حول مِلف الإرهاب وتاريخه ودور النظام السابق في تنفيذ التوجيهات الأمريكية وغَضِّ الطرف عن هذه العناصر بل ودعمهم وتسهيل تحَرّكاتهم وإطلاق عددٍ من قادتهم الذين تمكّنت أجهزة الأمن من القبض عليهم في عهد نظام عفاش المجرم أَو في السنوات الأولى لتولي الدنبوع.
وهذه الأمور كلها كان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ- قد بيّنها هي وأمور أُخرى لم تكن قد حدثت بعدُ وحذّر منها.
ومن الجدير بالذكر أن اللواء الشامي قد أكّـد حقيقةً هامةً جِـدًّا وهي أن ثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة نجحت بعد قيامها في القضاء على تواجد الجماعات الإرهابية، ما يعني ويؤكّـد أن هذه الحقيقة هي واحدة من أهم الأسباب التي دفعت النظام الأمريكي إلى تعجيل العدوان على اليمن وأجبرته على ذلك قبل أن ينتهيَ من خطوات الإعداد والشرعنة للعدوان بأُسلُـوبه المعتاد.
المقترحاتُ التي قدّمها مبعوثُ الرئيس الأمريكي، ليندر كينغ، لقيادتنا السياسية كرؤية أمريكية لوقف إطلاق النار هي أَيْـضاً دليل قاطع على حرص النظام الأمريكي وسعيه بكل طاقته لدوام العدوان واستمراره وعلى أن وعود بايدن وتصريحاته بخصوص وقف العدوان وإحلال السلام في اليمن ليست سوى فقاقيع إعلامية وتصريحات تخديرية الهدفُ منها تجميلُ وجه الإجرام الأمريكي الذي شوّهته جرائمه بحق الشعب اليمني طوال سنوات العدوان، ومحاولةٌ يائسةٌ لإظهار أمريكا كطرف محايد وراعي سلام أمام العالم عُمُـومًا وأمام الشعب اليمني خُصُوصاً وهو ما لم يتحقّق لها أبداً، فحتى ولو اقتنع العالم بذلك فالشعب اليمني يستحيل أن يتخيلَ مُجَـرّد تخيُّل عدواناً عليه بدون أمريكا؛ لأَنَّه لا يمكن أن يصدّق هرج النظام الأمريكي ويكذّب ما شاهده منه على واقعه من حقائقَ جلية كقرص الشمس في كبد السماء.
ولعل رد رئيس وفدنا المفاوض الأُستاذ محمد عبدالسلام على مقترحات كينغ هو في حقيقته رد كُـلّ أبناء الشعب اليمني الشرفاء، وموقفهم فما عجزوا عن الحصول عليه بالقوة العسكرية يستحيل أن يحصلوا عليه بأية وسيلة أُخرى، فأمريكا هي العدوان والعدوان هو إرادتُها وسنواجهها جيلاً بعد جيل، كما قال قائدُ ثورتنا ورائدُ مسيرتنا السيد العلّم عبدالملك يحفظُه الله ويرعاه، فأمريكا غريمُنا وغريمُنا أمريكا.