الانتصار في مأرب ضرورة يمنية حضارية
|| مقالات || د. حمود عبدالله الأهنومي
أخبث نبتة فكرية رعاها النظام السعودي الوهابي العميل لأمريكا في اليمن هي تلك الحركة الإخوانجية الوهابية المتمثلة اليوم في سلطة الإخوانجية في مارب، وقد بات لزاماً حضارياً وضرورة يمنية التخلص من هذه الجرثومة الغريبة وقد طال ما شكَّلَتْ في جسمه داءً عضالاً وسماً زعافاً تجرع وباءها وآفاتها وأضرارها عقوداً من الزمن.
تكتسب المعركة في مارب قيمة حضارية شاملة، وانتصار الأحرار اليمنيين فيها يعني تخلص اليمن من أكبر الكوابح المزمنة والإعاقات المستديمة التي أصابت جسده الطاهر طيلة عقود من الزمن، وسيربح اليمن بتخلصه منها ربحا عظيما وكبيرا في جميع المجالات والميادين الحضارية، فكرياً، وثقافياً، وقيمياً، وسياسياً، وعسكرياً، وأمنياً، ولعل أكبر ربح هو أن يغيب عن أنظار اليمنيين أولئك الذين ظلوا يجعلون التدين الوهابي بكل تشوهاته العقدية وانحرافاته الفكرية وازدواجيته السياسية وإفلاسه الأخلاقي والقيمي على أنه الدين الحق، وفي أقل الأحوال تزول أكبر شبهة عن كثير من الشباب عندما كرهوا الدين والإسلام وقد رأوا أولئك يصورون تَدَيُّنَهم على أنه الإسلام المحمدي، وأنهم الوكلاء الحصريون له.
من المعروف أنه من الناحية الدينية والفكرية شكَّل الإخوانجية فكراً هجيناً وخليطاً عجيباً من العقائد الوهابية والأساليب الحركية الإخوانية، وهم بهذا صاروا عبارة عن صندوق قمامة كبير، تجمّعت فيه أسوأ مقولات وعقائد الحركات القديمة والحديثة؛ فقد حملوا من المشبِّهة التشبيه، ومن المجبرة الجبْرَ، ومن المرجئة الإرجاء، وأخذوا التكفير من الخوارج، والعنف والدموية من العباسيين والأمويين، وآمنوا بعقائد لها أثر سلبي على الواقع العملي للناس، فهم يعلِّمون طلابهم أن الرسول سيشفع للقتلة والمجرمين المصرِّين على آثامهم وذنوبهم، ويضعون المرويات الحديثية على ما شابها من كذب وزور حاكمة ومسيطرة على النص القرآني، ويرون أن جميع المذاهب والأقوال الأخرى المخالفة لهم محض ضلال وبدعة وكفر، شأنهم شأن الحركات الوهابية المتطرفة، ثم خلطوا ذلك بالأساليب والقيم الوصولية التي اكتسبوها من الحركات الحديثة، بالإضافة إلى الارتباط العميق بمخابرات أنظمة الاستكبار العالمي، كما هو معروف للقاصي والداني.
تتجلى خطورتهم الدينية والفكرية أنهم كانوا ولا زالوا إحدى أدوات الاستعمار الحديث لا سيما في الشعب اليمني؛ بل صاروا يتحركون في تدجين الشعب ليكون ولياً من أولياء الأمريكان وسادتهم الصهاينة، وأخطر ما في ذلك أنهم يضفون على تلك التحركات التدجينية لباساً دينياً، ويعطونها عنواناً إسلامياً، ويقدمون مواقف لصالح أولئك المستعمرين باسم الإسلام، أو السنة، أو الصحابة، أو غيرها؛ ولهذا لا يجدنّ أحدٌ من اليمنيين يوما أبيض لحزب الإصلاح في مواجهة أمريكا في اليمن، بل كان حزب الإصلاح عرَّابَ تسليم اليمن للوصاية الدولية، وإدخالها تحت ما يسمى بالبند السابع، الذي يعني الاحتقار لليمن وأبنائه واعتبارهم قاصرين وبحاجة إلى وكلاء وأولياء.
في موضوع العمالة للمستعمرين الجدد السعوديين والإماراتيين ومن ورائهم الأمريكان والصهاينة فهؤلاء الإخوانجية الوهابيون يفوقون كل العملاء الآخرين من الأصناف الأخرى؛ لأنهم وهم يتحركون ضمن مشاريع المستعمرين ويقاتلون في صفوفهم وتحت راياتهم وبصواريخهم وطائراتهم يقدمون ذلك على أنه من دين الله، ويصدرون الفتاوى الدينية بجواز قتل 24 مليون يمني، ليبقى مليون وهابي متطرِّف وعميل، ويقدّمون العدوان على شعبنا اليمني وقتْلَ رجالِه ونسائه وأطفاله وتدمير بنيته التحتية وقصف منشآته وأسواقه ومساجده ومدارسه وحجره وشجره على أنه «أمر ديني إلهي»، وأن أمريكا والسعوديين إنما يقدّمون بذلك خدمة لله تعالى، وقد قال قائلهم مخاطبا أمريكا في التدخل بقصف ليبيا: «هل من وقفة لله يا أمريكا»؟، وهذا بخلاف العملاء الآخرين فهم يقدمون خدماتهم للمستعمرين ولكن تحت عناوين غير دينية، كـ”الشرعية”، و”الدولة”، وغير ذلك.
هذا ويقدمون خصومهم من أحرار هذا البلد وأحرار هذه الأمة الذين يتصدون للاستعمار داخلياً وخارجياً على أنهم هم الأعداء الحقيقيون، وأنهم أعداء الدين، وما ذنبهم إلا أنهم يتصدون لأمريكا وإسرائيل وأذنابهم، وفي هذا الصدد يستجرون «خبابيرهم» القديمة، وأكاذيبهم الملفقة، بالحديث عن المجوسية، والشيعة، وابن سبأ، وسب الصحابة، وإنكار السنة، وحشد أكبر كمية من سيول الأكاذيب التي اعتادوا على تردادها منذ وصولهم إلى اليمن، ورميها تجاه الأحرار من هذا البلد؛ لتشويههم دينياً، وفكرياً، وخوض المعركة ضد أحرار الأمة تحت هذه العناوين الخادعة والمزيفة؛ لكي يخفوا حقيقة الصراع وطبيعته التي تظهر لأقل متابع، وهي أن المعركة بين المستكبرين من اليهود والنصارى المعتدين على شعوبنا وأمتنا، وبين الأحرار من هذه الأمة على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم وتياراتهم وبلدانهم، كما هو الحال في محور المقاومة الذي يضم المسلمين من عدد من المذاهب والحركات الإسلامية.
لقد رأى شعبنا أن دفاع الوهابيين المستميت وحديثهم الكثير عن الصحابة وأمهات المؤمنين، وقد أصاخوا أسماع الأمة به دهراً، وملأوا الدنيا به ضجيجاً، وطبعوا الكتب الفاخرة والمجانية، وأصدروا الكاسيتات الزاعقة والناعقة، وإذا بنا نجد في نهاية الأمر أن الصحابي الجليل لديهم هو «ترامب»، وأن أم المؤمنين هي «إيفانكا».
إذن من الناحية الدينية والفكرية والثقافية يتبيّن أن اليمن واليمنيين سيربحون كثيرا بإسقاطهم آخر معاقل الإخوانجية الوهابية في اليمن، في مارب تحديداً، وبعد ذلك لن يسمع شعبنا حديثاً مفرقاً ومسيئاً عن الشيعة والسنة، ولن يروا تدجيناً دينياً للأمة يضعها في خندق أمريكا وعملائها في المنطقة والعالم وتحت عناوين دينية، ولن يروا انحرافاً فكرياً وثقافياً يصنع أعداء وهميين، هم أعداء الاستعمار الحديث، ويغيِّب عن الساحة الأعداء الحقيقيين، كإسرائيل وأمريكا، وستغيب عن الساحة تلك اللحى التي شكّلت إعاقة دينية وفكرية وثقافية مستديمة تعيق حركة الأمة نحو نهضتها وقوتها وعزتها، ولن يروا سدَنَة منابر ولا حَمَلة مباخر للحكام المنحرفين والعملاء لدول الاستكبار، ولن يروا ازدواجية في المواقف السياسية، ولا تشوهات أخلاقية وقيمية منسوبة إلى الدين، وسيغيب عنهم الفكر الذي يبدأ بالتغرير ثم التكفير ثم الاغتيال والتفجير، وستجد الأمة نفسها مسرعة في مشوارها الحضاري الشامل، وتعود إليها الثقة بدينها الإسلامي القرآني المحمدي الأصيل.
الانتصار في مارب يعني دفن هذه النبتة السرطانية بكل نتائجها ومآلاتها ومخاطرها الحضارية الشاملة وإلى الأبد بإذن الله، (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ).