هذه خيارات الشعب اليمني ..
|| مقالات || أحمد الديلمي
بالأمس أعلنت الخزانة الأمريكية التراجع عن قرار اتخذه وزير الخارجية الأمريكية السابق «بومبيو» باعتبار حركة أنصار الله جماعة إرهابية وكان قرار التراجع صائباً يُحمد للقيادة الأمريكية الجديدة، لكن الخارجية الأمريكية لم تدع القرار يأخذ مجراه فبادرت إلى إصدار بيان آخر طالبت فيه أنصار الله بإيقاف القتال في مارب واتهمت الحركة بعدم التجانس مع خيار السلام، والسؤال الهام الذي يطرح نفسه على الأمريكان هو: ما معيار التجانس لدى الأمريكان؟! هل التجانس يعني الصمت على قتل الأطفال والنساء وهدم المنازل فوق رؤوس الساكنين؟ أم أن التجانس هو هدم البنية التحتية وتعطيل آليات التنمية في كل جوانب الحياة؟ أم القضاء على شعب بأكمله بمزاعم وهمية تدَّعي وجود شرعية مقابل انقلاب وتدَّعي وجود إيران في جبهات القتال، لو أن أمريكا استفادت من القرار الأوروبي الذي أصاب كبد الحقيقة عندما دعا إلى سحب القوات الأجنبية من اليمن كأساس لتهيئة الأجواء المطلوبة للحل والحوار بين أطراف النزاع في اليمن – أحد المحللين قال بأن أوروبا لم تهتد إلى مثل هذا القرار إلا بعد أن غادرت بريطانيا موقعها من الاتحاد الأوروبي، فهي التي كانت تحرِّض وتضع المحاذير من أي قرار يتخذه هذا الاتحاد لصالح اليمن واليمنيين، وهذا يكشف لنا مدى التآمر البريطاني المدعوم برؤية أمريكية موازية والذي لا تزال أمريكا مخدوعة به .
كما يقول المثل « ما همني ما كل الذيب إلا شمات الرواعي» المضحك المبكي أن أنصاف الكُتاب المشبوهين من المرتزقة وسدنة السياسة الأمريكية ومحللي الدفع المسبق تحدثوا عن صوابية القرار الأمريكي على مدى الأسابيع الماضية بأسلوب استفزازي سمج وصفه كاتب غربي بالدعارة السياسية، وهو وصف دقيق إذ وصلت الوقاحة بأمثال هؤلاء إلى الاستجداء وإعلان الولاء المطلق لأمريكا ووصفها بحامية حمى العرب في تحد واضح لمشاعر كل إنسان عربي شريف، حيث قال أحد هؤلاء إننا ممتنون لأمريكا لأنها اتخذت القرار الصائب في الوقت المناسب، وتعرى الكثيرون ظناً منهم بأنهم يحرضون أمريكا ويساعدونها على رسم معالم سياستها تجاه اليمن، فأسهبوا في الحديث عن الوجود الإيراني المزعوم بأسلوب ممقوت، وحاولوا تلطيخ اسم أنصار الله بجرائم لا علاقة للحركة بها مثل حادثة مطار عدن، وهي مواقف تنم عن جهل مطبق لسياسة أمريكا الخارجية، غير مدركين أن هذه الدولة تحرص على تلقين الإعلاميين حقائق الأمور وأبعاد المواقف والأزمات لمنع التخبط والانفلات في متاهات السياسة الدولية، بل إن البيت الأبيض والخارجية الأمريكية يحرصان على تقديم التلقين الإعلامي يومياً حتى لا تشذ الآلة الإعلامية للدولة عن الخطوط العريضة لتوجهاتها الاستراتيجية المعدة سلفاً، وكلها معلومات تنم – كما قلنا – عن غباء لدى هؤلاء الناس، لأنهم لم يدركوا أن دولة عظمى مثل أمريكا لا تتخذ مواقفها بناءً على تحريضات وأباطيل زائفة وإنما تعتمد على تقارير استخباراتية تصدر من مراكز متخصصة تتولى رسم ملامح الآتي من الزمن وتحدَّد أين تكمن مصلحة أمريكا، وهي ذات التقارير التي أكدت وجود مجاميع من القاعدة وداعش يحاربون في صفوف المعتدين.
وهذه الأحكام والآراء موجودة لدى الشارع الأمريكي لأنها تتحوَّل إلى رأي عام بسرعة لتدحض الرغبات المجنونة للساسة الأمريكان كما حدث مع ترامب وبامبيو، فالأخير اضطر إلى مجاملة دول العدوان في آخر لحظة من وجوده بالخارجية الأمريكية وأصدر قرار اتهام أنصار الله بأسلوب انتهازي حقير تصادم مع الحقيقة ومع الأهداف القومية للدولة الفيدرالية، وهذا ما لم يستوعبه الكُتاب والمحللون التابعون لماكنة العدو الإعلامية وهو الأمر الذي يدعو إلى الشفقة على أمثال هؤلاء الذين تاهوا عن الحقيقة وأصبحوا يتسكعون في مزابل الدول التي نزحوا إليها من أجل الحصول على المال، غير مدركين أن قضية الشعب اليمني المظلوم باتت تؤرق صانع السياسة الأمريكية، رغم أن هذا الصانع هو من أعلن العدوان على اليمن من أول وهلة وشاركته في ذلك بريطانيا التي مثلت حصان رهان ركب عليه الصهاينة للتأثير على مواقف أنصار الله والشرفاء من أبناء هذا الوطن المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
أعتقد أنهم راهنوا على ازدحام جدول أعمال الساسة الأمريكيين الجدد وأنهم غير قادرين على اتخاذ أي قرار استراتيجي، كون الرئيس الأمريكي الجديد سيأخذ وقتاً غير قصير لتحديد مواقف واضحة للسياسة الأمريكية تجاه الكثير من دول المنطقة وفي المقدمة اليمن، ولم يستشعروا الحالة التي وصل بها «بايدن» إلى البيت الأبيض وهو مثقل بهموم كثيرة، منها مواقف الدول التي أيدت ترامب إلى آخر لحظة وراهنت عليه وسخَّرت الماكنة الإعلامية لخدمة ذلك الرهان بعيداً عن المصالح وطبيعة العلاقات التي تربطهم بأمريكا .
في كل الأحوال «بايدن » بشرٌ يتأثر بمثل هذه المواقف السلبية ولا بد أنه سيضع في الحسبان الكثير من علامات الاستفهام حول علاقته المباشرة بمثل هذه الدول وفي المقدمة السعودية والإمارات، مصر ودولة الكيان الصهيوني التي انحازت كلياً لترامب وراهنت عليه وهذا لا يعني أن موقف أمريكا تجاه أنصار الله جاء من هذا المنطلق لكنه أتى من خلال تقييم السياسة الأمريكية الخارجية ودورها الذي سينظف وجه أمريكا من الأوساخ والقذارات التي تراكمت بفعل أعمال ترامب الجنونية .
في ضوء ما سبق لا بد أن قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية ستظل في طريقها للقيام بمعجزات خارقة بكل المقاييس العسكرية وتتصدى بحسم وقوة لجنون وغطرسة الآلة العسكرية السعوصهيونية، ومهما تمادى العدوان في ضرباته الجوية أو قصفه المباشر للأحياء المدنية ومهما تعاظم الاحتشاد الدولي غير المسبوق ضد اليمن واليمنيين، فإن الشعب اليمني حدَّد خياراته التي لن تتحوَّل ولن تتبدَّل، وتتمثل في :
* إيقاف العدوان .
* رفع الحصار الاقتصادي الجائر .
* انسحاب القوات الأجنبية الغازية .
هذه الخيارات ستظل كما هي وعلى العالم أن يقرأها بشكل واضح، وإلا فالانتصارات ستتوالى مقابل هزائم الغزاة المحتلين ومرتزقتهم، فالشعب اليمني يعرف ما معنى هذه الخيارات وسيظل مخلصاً لاستكمال مشواره الوطني الكبير حتى تحرير آخر شبر من الأراضي اليمنية.. والله من وراء القصد ..