خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي بعد شراكة دامت 47 عامًا

بعد مفاوضات مكثفة حول العلاقات فيما بينها والاتحاد الأوروبي لما بعد “بريكست” وخاصة فيما يتعلق بالتجارة، خرجت بريطانيا اليوم الجمعة، رسمياً من الاتحاد مع بزوغ عام جديد، وبعد عضوية وشراكة دامت نحو 47 عاماً.

وتعود بدايات العضوية البريطانية بالاتحاد الأوروبي إلى العام 1973، ورُغم خروجها من الاتحاد في 31 يناير من العام المنصرم 2020، إلا أنها استمرت في الخضوع لقواعد بروكسل طيلة العام نفسه، على خلفية عدم اكتمال عملية الانتقال.

ويأتي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد 3 أعوام ونصف العام من تصويت الشعب البريطاني وبنسبة 52 في المائة لصالح الخروج في استفتاء أجري عام 2016، في حين عارضه 48 في المائة، وبعد نصف قرن من الاندماج فيه.

واعتبارا من اليوم 1 يناير 2021، ستتوقف بريطانيا عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي وتنتهي حرية التنقل لأكثر من 500 مليون شخص بين أراضيها و26 دولة في الاتحاد.

ومنذ استفتاء 23 يونيو 2016 الذي فاز به مؤيدو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بنسبة 51,9 في المائة، تعاقب على حكم المملكة المتحدة 3 رؤساء وزراء وسجلت نقاشات برلمانية عاصفة وطويلة فيما تم تأجيل موعد الانسحاب 3 مرات.

وبسبب هذه العملية الشاقة، لم تنجز المفاوضات الصعبة للتوصل إلى اتفاق للتبادل الحر بين لندن وبروكسل إلا عشية عيد الميلاد.

ومع اكتمال الخروج الرسمي اليوم، سيفقد البريطانيون حق الإقامة الدائمة وتصاريح العمل في دول الاتحاد الأوروبي.. وبدورهم، لن يستطيع مواطنو الاتحاد العيش في بريطانيا إلا إذا استوفوا شروط الهجرة اللازمة.

وبعد توقيعه الاتفاق بالأحرف الأولى يوم الأربعاء الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مهندس خروج بلاده من المؤسسات الأوروبية، في رسالة له بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة: إن “هذه ليست النهاية بل بداية علاقة رائعة بين المملكة المتحدة وأصدقائنا وشركائنا في الاتحاد الأوروبي”.. مضيفاً “بات مصير هذا البلد العظيم بين أيدينا”.

وتابع قائلاً: “هذه لحظة عظيمة للبلاد.. لقد نلنا حريتنا والأمر متروك لنا لتحقيق أقصى استفادة منه”.. مؤكداً أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ليس النهاية بل بداية فصل جديد من مسيرة بلادي الكبرى.

كما أكد جونسون على أن “بريكست” سيشكل “نجاحا باهرا”، وذلك في وقت تستعد فيه بلاده لبدء مفاوضات صعبة مع الاتحاد الأوروبي بشأن علاقتهما التجارية المستقبلية.

وتابع رئيس الوزراء البريطاني قائلاً: “نريد أن تكون هذه بداية عهد جديد من التعاون الودي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا المفعمة بالطاقة”.. ووعد بكثير من التغييرات في مجالات عديدة، وبتوخي القرارات اللازمة والإجراءات المناسبة في مجال الصيد والتجارة والهجرة وغيرها.

وأكد جونسون على أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يتماشى مع أحلام البريطانيين الذين عبروا عن ذلك، وكان لابد من الانفصال.. واعتبر أن مستقبل بريطانيا سيكون أفضل.. قائلاً: “سننجح مهما كانت العقبات” بعد بريكسيت.

من جهته كتب كبير المفاوضين البريطانيين خلال المحادثات التجارية مع بروكسل، ديفيد فروست على “تويتر”: “أصبحت المملكة المتحدة مجددا دولة مستقلة تماما”.

فيما اعترف نظيره الأوروبي ميشيل بارنييه بوجود “بعض المرارة”، قائلا: “لم يستطع أحد أن يُظهر لي يوما القيمة المضافة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.

بدوره اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته إلى الفرنسيين الليلة الماضية بمناسبة حلول السنة الجديدة، أن المملكة المتحدة تبقى “صديقتنا وحليفتنا” رغم خروجها من الاتحاد.

وقال إن “بريكسيت هذا كان ثمرة التململ الأوروبي والكثير من الأكاذيب والوعود الزائفة”.. مؤكدا فيما يتعلق بفرنسا أن “مصيرنا هو أوروبي أولا”.

إلى ذلك كتبت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن العازمة على إجراء استفتاء آخَر على الاستقلال على “تويتر” قائلة: “إسكتلندا ستعود قريبا يا أوروبا”.

هذا وفي الأسبوع الأخير من المفاوضات، وقع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على الاتفاق التجاري الخاص بمرحلة ما بعد “بريكست”، لينهي بذلك شهورا من الخلافات بشأن حقوق الصيد وقواعد العمل في المستقبل.

ويعتبر هذا الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منظما لمرحلة ما بعد بريكست بين التكتل الأوروبي والمملكة المتحدة، ودخل حيز التنفيذ ليل الخميس عند الساعة (23:00) بتوقيت غرينتش.

ويشمل الاتفاق استمرار التجارة عبر الحدود البريطانية مع التكتل دون أي رسوم جمركية أو حصص، ما يعني استمرار التجارة بحوالي 950 مليار دولار، وهو حجم التجارة بين بريطانيا والدول الـ26 المتبقية في التكتل.

وتعتبر بريطانيا المستفيد الأكبر من الاتفاق بين الجانبين بالتجارة دون رسوم أو حصص، حيث سيتمكن المنتجون البريطانيون من الاحتفاظ بسوق غني وضخم يبلغ حوالي 400 مليون مستهلك.

وجاء الاتفاق بين الجانبين قبل أسبوع واحد فقط من انتهاء الفترة المؤقتة لخروج بريطانيا “بريكست” نهائيا من التكتل الأوروبي في 31 ديسمبر 2020.

وكان البرلمان الأوروبي قد صادق الأربعاء، على اتفاق الخروج البريطاني بأغلبية الأصوات.. وشغلت قضية “بريكست” جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، لنحو 3 سنوات ونصف السنة.

وستبدأ في وقت لاحق يوم غد السبت مرحلة انتقالية مدتها 11 شهرا لتخفيف تبعات هذا القرار، تنتهي بنهاية العام الجاري تبقى بريطانيا خلالها ملتزمة بالقوانين الأوروبية، ومن بينها حرية حركة التجارة والأفراد.. ولن يتغير الكثير في الممارسة العملية خلال الفترة الانتقالية، حيث سيسعى الجانبان إلى التفاوض حول علاقة مستقبلية تشمل التعاون التجاري والأمني والسياسي.

وفي الوقت الذي استعد فيه أنصار بريكسيت للاحتفال باللحظة التاريخية، كان الباقون يتطلعون فيه إلى اليوم الذي تنضم فيه بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي مجددا.

وانقسم البريطانيون بين مؤيد ومعارض للبريكسيت.. وتجمع المناصرون أمام مقر البرلمان للاحتفال بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أزمة سياسية عميقة استغرقت 3 سنوات، لكن بالنسبة لمعارضي الخروج من التكتل فلم يكن هناك سوى الدموع.

فيما هنالك آخرون كانوا يرتدون قبعات الاتحاد وحاملين لافتات تقول “سنعود” و”لقد حطمتم مستقبلي المهني وأحلامي”.

وفي وقت سابق تم إنزال علم بريطانيا من مقر المجلس الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل ومقر البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية إيذانا بقرب خروجها من الاتحاد.

ويرى مراقبون أن هذا الوضع يعكس الجدل المتواصل في البلاد منذ أكثر من عامين بعد تصويت بريطانيا عام 2016 في استفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي.

ورغم إقرار النواب البريطانيين وثيقة الخروج الأربعاء، إلا إن النواب الأوروبيين لن يقروه إلا في الربع الأول من 2021.

وشهد تاريخ العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا عدة محطات رئيسية كان من أبرزها:

–      تم وضع حجر الأساس لما يعرف بالاتحاد الأوروبي اليوم بين عامي 1950 و1957 ضمن سوق مشتركة قائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء.. وجاء ذلك عقب الحرب العالمية الثانية بهدف إعادة بناء أوروبا ومن أجل القضاء على احتمال وقوع حرب شاملة أخرى.

–      وفي عام 1961 تقدم رئيس الوزراء البريطاني المحافظ هارولد ماكميلان بأول طلب ترشيح لبلده للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، التي سبقت الاتحاد الأوروبي.

–      قوبل طلب بريطانيا الدخول إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي بالرفض في 14 يناير 1963م، من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك الجنرال شارل ديغول، وفي 27 نوفمبر 1967، عاود استخدام الفيتو من جديد ضدها.

–      في عام 1973 تمكنت المملكة المتحدة من دخول الاتحاد لتبدأ بذلك مسيرة 48 سنة من علاقة عاصفة بين الطرفين، تنتهي بـ”الطلاق” رسميا يوم 31 ديسمبر المنصرم.

–      وفي 1 يناير 1973م، انضمت المملكة المتحدة بالتزامن مع الدانمارك وإيرلندا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995).

–      أما في 5 يونيو 1975، فأجرت المملكة المتحدة استفتاء صوت فيه 67 في المائة من البريطانيين من أجل بقاء بلادهم في المجموعة الاقتصادية الأوروبية.

–      وفي 3 نوفمبر 1979 شهدت العلاقة بين بريطانيا والمجموعة الاقتصادية الأوروبية منحى جديد في عهد رئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر.. واشتهرت تاتشر بعبارة “أريد استعادة أموالي”، حيث طالبت بتخفيض مشاركة بلادها في الموازنة الأوروبية.. ولبى الأوروبيون طلبها في 1984.

–      في 7 فبراير 1992 تم توقيع ما يعرف بمعاهدة ماستريخت، وهي المحطة الأساسية الثانية في البناء الأوروبي بعد معاهدة روما التي وقعت في 1957.. والتي منحت بريطانيا بندا استثنائيا (أوبت آوت بالإنجليزية) يسمح لها بعدم الانضمام إلى العملة الواحدة.

–      وفي 23 يوليو 1993 انتزع رئيس الوزراء البريطاني المحافظ جون ميجور من البرلمان مصادقة على معاهدة ماستريخت بعدما هدد بالاستقالة.

–      وفي مرحلة سميت بالتاريخية يوم 23 يونيو 2016، صوت الناخبون البريطانيون من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي.. حيث أيد الخروج من الاتحاد نحو 52 في المائة من الناخبين في استفتاء نظم بعد فوز المحافظين في الانتخابات التشريعية عام 2015م، وبعد هذا الفوز لمعسكر الخروج، استقال رئيس الوزراء المؤيد للبقاء ديفيد كاميرون من منصبه.

–      بتاريخ 29 مارس 2017 تسلم رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك رسالة من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تفعّل المادة 50 من اتفاقية لشبونة لتبدأ بذلك عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد (بريكسيت).. ويفترض أن تستمر هذه العملية سنتين وتنجز نظريا في 29 مارس 2019م.

–      أما في 22 نوفمبر 2018 فتوصل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى اتفاق مؤقت حول العلاقات بينهما بعد بريكسيت، بعد أسبوع على تفاهمهما على “اتفاق انسحاب” بريطانيا.. وأقر مشروع الاتفاق في 25 نوفمبر خلال قمة استثنائية في بروكسل.

–      وفي لندن يوم 15 يناير 2019 صوت النواب البريطانيون ضد اتفاق الخروج الذي رفضوه بعد ذلك مرتين.. وفي مارس ثم في أبريل، وافق الاتحاد الأوروبي على إرجاء بريكسيت وحدد موعد الخروج في 31 أكتوبر.

–      في 24 يوليو 2019 تولى بوريس جونسون المحافظ المؤيد لتنفيذ بريكسيت في موعده مع أو دون اتفاق، رئاسة الحكومة خلفا لتيريزا ماي بعد استقالتها.

–      وفي 17 أكتوبر 2019  أعلن جونسون ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر توصلهما لاتفاق جديد.. لكن النواب البريطانيين صوتوا على النص الذي ينظم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ملزمين رئيس الوزراء بأن يطلب من بروكسل إرجاء جديدا لبريكسيت الذي حدد هذه المرة في 31 يناير 2020.. وتقرر تنظيم انتخابات مبكرة في 12 ديسمبر تلك السنة.

–       وفاز بوريس جونسون بغالبية ساحقة في البرلمان بعد هذه الانتخابات (365 نائبا من أصل 650)، ما مكنه في 9 يناير من إقرار اتفاق الخروج الذي تفاوض عليه مع بروكسل.

–      في 24 ديسمبر 2020 بعد تمديد المحادثات التجارية مرات عدة، أعلن بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التوصل لاتفاق قبل أسبوع فقط من نهاية الفترة الانتقالية.

–      وفي 30 ديسمبر 2020 عشية الانفصال الكامل، صادقت بريطانيا والاتحاد الأوروبي على الاتفاق.. حيث وقعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الاتفاق، كما صادق مجلس العموم البريطاني على الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء بوريس جونسون لاحقا.

–      وأخيراً في 31 ديسمبر المنصرم عند الساعة 23,00 بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينتش (منتصف الليل في بروكسل)، أصبح بريكسيت واقعا بمفعول كامل بعد خروج لندن رسميا من الاتحاد الأوروبي، لكنها اعتمدت مرحلة انتقالية لتخفيف تبعات هذا القرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى