عن الشهداء العظام فلتكتب الأقلام
|| مقالات || نوال أحمد
عندما تكونُ الكتابةُ عن الشهداء الأبرار والأطهار فَــإنَّ الأقلام تتواضع خجلاً أمام هيبتهم وعظمتهم، وإن الأحرف والكلمات لتنحني إجلالاً أمام جودهم وكثرة عطاياهم، فالشهداء هم عبق العشق، هم صناع الحياة، وهم نجوم الليل وشموع الدرب، ومهما تحدثنا أَو كتبنا عنهم فلن نستطيع أن نجازيَ تضحياتِهم ولا أن نفيهم حقهم، وعندما نكتب عن الشهداء الأبرار فَــإنَّما لنكشف للعالمين عن صدق إيمانهم وعن تضحياتهم الكبيرة، ولنبرز سماتهم المنيرة، ونبيّن حقائقهم الصافية الطاهرة النقية، ولنُظهر عطاءاتهم السخية والعظيمة.
وإن إحياءَنا لذكرى الشهادة والشهداء والإبراز لقيمتهم ومكانتهم والتعظيم لمقامهم في هذه المناسبة لا يضيف إلى الشهداء منزلة إلى منزلتهم؛ لأَنَّهم في أعظم وأعلى المنازل عند الله سبحانه وتعالى وتقاس بمقاييس ربانية تختلف تماماً عن مقاييسنا وقد تفوق وصفنا وتخيلاتنا.
في ذكرى الشهداء كان من حقهم علينا هو احترامنا لهم واستذكار مواقفهم وبطولاتهم، وأن نبادلهم الوفاء بالوفاء، والرفع من شأنهم ومكانتهم، والكشف عن دورهم النضالي في الحفاظ على ديننا وكرامتنا وعلى مستقبل أجيالنا، فالاحتفال بذكرى الشهداء معناه تجديد العهد من الأُمَّــة لهم بالمضي على خُطاهم وتأكيد الوفاء لهم بأن دماؤهم الغالية والزكية لن تذهب هدرا، فذكرى الشهيد هي مناسبة تبين للأعداء عن عظمة وقيم ومبادئ هذه الأُمَّــة التي ينتمي إليها الشهيد،. الذي يجعل كُـلّ فرد من هذه الأُمَّــة يفتخر ويعتز بهؤلاء الشهداء العظماء، الذين كتبوا تاريخ الحرية بالدماء، وأثبتوا للعالم أنهم من شهادتهم من صنعوا مجد الأُمَّــة وَرسموا طريق الحرية والانتصار.
الشهداء هم مؤشر الوعي في داخل الأُمَّــة، وبمقدار ما نبحث عن مؤشر لوعي هذه الأُمَّــة تجاه الأحداث، وما تمرّ به من أوضاع قاسية فَــإنَّنا نجد كُـلّ ذلك عند الشهداء الأبرار، صحيح أنه قد يكون لدى بعض المثقفين والمفكرين وعي نظري، ولكن الشهداء بمفردهم هم من امتلكوا الوعي القرآني الحركي والعملي، وهذا الوعي القرآني الإيماني هو بمثابة السلاح المحرّر في داخل الأُمَّــة الإسلامية، إذ أن كُـلّ شهيد حقٍّ من شهداء الأُمَّــة عُمُـومًا، ومن شهداء مسيرتنا القرآنية خُصُوصاً هو ذاك الشهيد البطل الذي كان يتطلّع إلى رسم واقع أفضل لهذه الأُمَّــة، لذلك رأيناه كيف أنه قدّم نفسه قرباناً لله تعالى؛ مِن أجلِ إحقاق الحق، وإقامة العدل، ومن أجل الحفاظ على كرامة الأُمَّــة، وإنقاذ مستقبل أبناءها من السقوط في الهاوية.
الشهداء هم أُولئك المؤمنون الواعون الذين تساموا بمفاهيمهم القرآنية، وبمسؤولياتهم الدينية فتميزوا على سائر الناس من ذوي المسؤوليات المحدودة، والأفكار الضيقة، فلا يستوي من يعيش محدود الأفق لا يرى إلا ما بين يديه ورجليه مع من يبصر وينظر للواقع من جميع جهاته بعين على الأحداث والأُخرى على القرآن، ويمشي على بصيرة من أمره، هكذا هم الشهداء وهكذا كانوا مؤمنين مجاهدين واعين يرون أنه لا معنى لحياة بلا مسؤولية وجهاد، لا معنى للحياة إلا إذَا كانت لله ومبادئ وقِيَم ومواقف إيمانية ثابتة، الشهداء هم من ثاروا بوجه الظلم والظالمين، وواجهوا الباطل بكافة ألوانه وأشكاله، واستشعروا مسؤوليتهم تجاه دينهم وقضايا أمتهم.
إنهم الشهداء الأبرار العظماء، الذين ساروا على نهج الرسل والأنبياء وعلى خطِّ أعلام الهدى الأتقياء، وكانوا هم نعم الأسوة الحسنة لأبناء هذه الأُمَّــة، الشهداء هم من حملوا القرآن وعياً وهدياً وثقافة ونوراً، وجسًدوه في واقع الحياة عملاً وحركةً وسلوكاً، الشهداء الأبرار هم من سطّروا أعظم الملاحم وسجلوا أروع المواقف الإيمانية في الشجاعة والبسالة وَالدفاع عن دين الله والمستضعفين، الشهداء هم من رسموا لنا لوحة جمالية نورانية تبيَّن وتعبّر عن لذة التضحية والبذل والعطاء عندما يكون في سبيل الله، الشهداء هم أكرم الناس فقد جادوا بأرواحهم ودمائهم فكانوا نعم الوقاء والحِمى للدين وللأُمَّـة والوطن والمقدسات.
إن الشهداء الأبرار هم الذين يهبون لأبناءِ هذه الأُمَّــة الحياة، هم من يثبتون أصالتها المبدئية، ويقوّمون أسسها الأخلاقية، ويرفعون قيمتها الاجتماعية، ويعبرون عن مواقفها العملية، الشهداء هم من يوضحوّن للعالم قدرة الأُمَّــة المستضعفة ويُظهرون مهاراتها القتالية، ويكشفون عن هيبتها الشخصية، وبفضل تضحيات الشهداء الأبرار والعظماء الصادقين من هذه الأُمَّــة وبفضل تلك الدماء الزكية والطاهرة التي روت الأرض نرى ويرى العالم أن أصالة هذه الأُمَّــة تمتد إلى أعماق الأرض وتتأصل ثقافتها القرآنية وتترسخ في النفوس وتعتلي بقيمها العظيمة في عنان السماء..
لذلك فإن أعداءنا المستكبرين يعلمون بأن إحياءنا لذكرى الشهيد واحتفالنا بهذه المناسبة هو مِن أجلِ إحياء ثقافة الجهاد وَالاستشهاد في سبيل الله؛ لأَنَّها مناسبة مقدسة بقداسة أهلها، إنها مناسبة لإحياء الروحية الجهادية وَالاستشهادية بين أبناء الأُمَّــة، وأن أعداء الله ورسوله وأعداء الدين والإنسانية من قوى الكفر والإجرام الصهيوأمريكية، قد سعوّ وأرادوا أن يقلموا ويقطعوا الشهداء من هذه الأُمَّــة، ظنوا وتوهموا أنه بإمْكَانهم أن ينفوهم من الوجود، أَو أنهم سيستطيعون أن يستأصلوا شهداءنا من الحياة، إنهم حقاً لفي ضلال مبين؛ لأَنَّهم يجهلون قيمةَ شهدائنا، ويجهلون مقام شهداءنا العالي والرفيع عند الله العلي الأعلى.
إن الأعداء لا يريدون لنا أن نحيا، يريدون منا أن ننسى شهداءنا، إن قوى الشر والطاغوت لا يريدون أن نخلّد شهداءنا ولا أن نحيي لهم ذكرى في واقعنا؛ لأَنَّ أعداءَنا أغبياءٌ وحمقى لم يعلموا أن مَثَلَ الشهداء في سبيل الله في أمتهم كمَثَلِ الشجرة القوية والطيبة والراسخة في الأرض، التي لا يزيدها التقليم في أغصانها إلا ثباتا وتأصيلا، وما تزداد إلا تفرعاً وقوة وشموخاً.