بين الإمام زيد وعمرَ بن العزيز

د. حمود الأهنومي

 

أورد الإمامُ المرشد بالله الشجري (ت479هـ) في الأمالي الإثنينية، روايةً رائعةً، ومهمة، وذاتَ قيمةٍ تاريخية عالية، تقول الرواية: إنَّ الإمام “زَيْدَ بْنِ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيْزِ: إِنَّ زَيْدَ بْنِ عَلِيٍّ لَمِنَ الْفَاضِلِيْنَ فِيْ قيْلِهِ وَدِيْنِهِ، وَكَانَ عُمَرُ يَلْطُفُ بِزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَيُكَاتِبُهُ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: كَتَبَ زَيْدُ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيْزِ فِيْ كِتَابٍ كَتَبَهُ إِلَيْهِ: وَإِنَّ الدُّنْيَا إِذَا شَغَلَتْ عَنِ الآخِرَةِ فَلاَ خَيْرَ فِيْهَا لِمَنْ نَالَهَا، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلْتَعْظُمْ رَغْبَتُكَ فِيْ الآخِرَةِ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ الآخِرَةِ يَزِيْدُهُ اللَّهُ تَوْفِيْقاً، وَمَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ الدُّنْيَا فَلا نَصِيْبَ لَهُ فِيْ الآخِرَةِ”.

 

إنَّ هذه الروايةَ تشيرُ إلى أن الإمامَ زيداً تحرَّكَ للتغيير سِلْماً حتى بمخاطبة فئة الحكام الأمويين أنفسِهم لما رأى أملاً يلوح بالتغيير، بل حتى والحضور إلى بلاطهم، وأنه كان يُكْثِرُ القولَ بالنصح لهذا الحاكم، وكان هذا الحاكمُ المصلح يأخُذُ نصائحَ الإمام زيد على محمل الجد والاهتمام، وهو ما يثبتُه التاريخُ لنا من خلال الإصلاحات الجيِّدة التي اضطلع بها الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز.

 

وكما تشير الرواية أنه كان يكاتبُه متلطِّفاً به، بمعنى أنه ربما كان يستشيره وأنه كان يحترمُه ويجله، وجاء في الرواية مثالٌ لما كان يتم بين الإمام زيد والحاكم الأموي المصلح عمر بن عبدالعزيز، من قيل، ومراسلاتٍ، تبيِّن كيفية تحرُّك الإمام زيد في التغيير على مستوى قمة السلطة الأموية، بربطهم بالله تعالى، وبإضفاء الحقيقةِ الكاملة والناصعة على أي تحرُّك يصدر من الخليفة الأموي باتجاه التغيير، وهي حقيقة الآخرة، والتحرك في سبيل الله، ومن أجل رضوانه تعالى.

 

إن هذا نوعٌ من التحرك السلمي التغييري الذي يقوده أعلامُ الهدى، ينبغي التركيز عليه وتطويره، وتوظيف الإمكانات المتاحة لتنفيذه.

 

إن أعلامَ الهدى ليسوا طالبي سلطةٍ، ولا جاهٍ، ولا ثروةٍ، بل يدلُّون العبادَ على ما يهديهم إلى الله، ويرشُدُهم إلى رضوانه، فإذا وجدوا مَنْ يقوم بهذا مُصْلِحاً أمورَ العباد، عادلاً في الحُكم بينهم أعانوه، ونصحوه، ويسَّروا أمرَه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى