أسباب التغيرات السياسية في حكومة الإمارات في ظلّ مغامرات أبو ظبي العسكريّة

خلال الأسبوع الماضي، تعدّدت الأنباء والأخبار في وسائل الإعلام العالمية حول التغييرات السياسية وتشكيل حكومة جديدة في دولة الإمارات. وستشمل مجموعة التغييرات التي اقترحتها عائلة آل مكتوم وحاكم دبي ، محمد بن راشد، دمج عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، والاتجاه نحو الحكومة الإلكترونية والتقنيات الجديدة خلال رؤية لمدة عامين.

الهيكل العام للسلطة في الإمارات

منذ تشكيل دولة الإمارات عام 1971، المكونة من الإمارات السبع، وهي أبو ظبي ودبي والشارقة والفجيرة وعجمان ورأس الخيمة وأم القوين، تم انتخاب أمير البلاد من أسرة آل نهيان واختيار أبو ظبي عاصمة للبلاد.
في الوقت الحالي، يعد خليفة بن زايد هو حاكم أبو ظبي وأمير الإمارات جمعاء، لكنه بسبب مرضه الشديد وابتعاده بضع سنوات عن الرأي العام الإماراتي، يتولى شقيقه ولي العهد محمد بن زايد مسؤولية قيادة البلاد. ووفقًا لصيغة تقاسم السلطة، فإن حاكم دبي، محمد بن راشد من عائلة آل مكتوم، هو رئيس الوزراء ومسؤول تشكيل الكابينة الوزارية، وسيكون لكل من الإمارات السبع عدد من الوزراء، اعتماداً على سلطتهم ونفوذهم.

عموميات خطة الكابينة الجديدة

بحسب رئيس الوزراء محمد بن راشد، وبعد التشاور مع حاكم أبوظبي محمد بن زايد، فإنه سيجري تغييرات على مجلس الوزراء حسب الرؤية التي أمَدُها عامين، والتي ستشمل ما يلي:”.
في غضون هذين العامين، سيتم إلغاء 50 بالمئة من مراكز الخدمة الحكومية وستصبح بشكل إلكتروني، وسيتم دمج ما يقرب من 50 بالمئة من المؤسسات مع بعضها البعض أو مع الوزارات، وستتم الموافقة على استحداث وزارات جديدة، كما سيتم استحداث مناصب إدارية تنفيذية في القطاع الخاص.
وضمن إصلاحاتها الجديدة، عينت حكومة الإمارات حمد المنصوري رئيساً لـ “الحكومة الإلكترونية” في حكومة الإمارات واصفة إياها بأنها نافذة إلكترونية جديدة، وأعلنت أن التغييرات الأخيرة جعلت هذا الخيار حتمياً وأن الأمن الاقتصادي هو من الأولويات التي يجب أن تبقى مستمرة في جميع الظروف.
وتنقسم وزارة الاقتصاد إلى ثلاث وزارات، تم خلالها تعيين “عبد الله بن طوق المري” وزيراً للاقتصاد، وتعيين “أحمد بالهول” وزيراً للعمل والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة الى تسلّم “ثاني الزيوي” منصب وزير التجارة الخارجية.
كما تم دمج وزارة الطاقة الإماراتية مع وزارة البنية التحتية، والتي أعيدت تسميتها بوزارة الطاقة والبنية التحتية، وتم دمج برنامج إضافي للإسكان والاتصالات البرية والبحرية مع هذه الوزارة الجديدة، وتعيين سهيل المزروعي وزيرًا لهذه الوزارة. وسيتم دمج مجلس الاستثمار مع مجلس الأوراق المالية والسلع برئاسة وزير الاقتصاد، وسيكون “سلطان جابر” رئيساً لبنك التنمية الإماراتي. وذكرت دولة الإمارات أن الغرض من هذه التغييرات هو تسريع الشؤون الحكومية واتخاذ إجراءات سريعة في ضوء التغيرات التاريخية العالمية والاستفادة المثلى من الفرص القادمة بالإضافة إلى مرونتها.

دور حاكم دبي في تطبيق التغيرات الفورية في هيكل السلطة.. التشاور أو الضغط؟

على الرغم من أن حاكم دبي محمد بن راشد، أعلن في خطابه الرسمي عن التشاور مع ولي العهد محمد بن زايد واستحصاله موافقاته فيما يتعلق بالتغييرات في مجلس الوزراء، ولكن يبدو أن هذه التغييرات ترجع غالباً إلى استياء وانزعاج حاكم دبي وحكام المدن الأخرى، من إجراءات حاكم أبوظبي المضرة خلال السنوات الأخيرة.
حيث كانت الخطوة الأولى في هذا السياق، هي أزمة العلاقات الدبلوماسية مع قطر، التي أثارتها السعودية في عام 2017، والتي أدت إلى قطع العلاقات السياسية والتجارية بشكل كامل بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين مع الحكومة القطرية. هذه الأزمة، وصلت حتى إلى حافة الصراع العسكري مع الجارة قطر، ما أدى إلى تلقي دبي، الضرر الأكبر من بين الإمارات الإماراتية. وأدى قطع العلاقات التجارية وحجم التبادل التجاري الكبير بين دبي وقطر، بناء على أوامر حاكم أبو ظبي، من أجل إرضاء الحكام السعوديين وتماشياً مع رغباتهم، إلى استياء حاكم دبي حتى هذا اليوم.
أما العامل الثاني هو الدخول غير المبرر وغير المثمر في حرب اليمن وتحملها الضغط الدولي الشديد والخسائر المالية والبشرية الشديدة خلال سنوات الحرب الخمس في مستنقع اليمن. ومن الجدير بالذكر، أن لكل إمارة من الإمارات السبع، جيش منفصل وقوات أمنية خاصة بها، منذ تشكيلها عام 1971 ، ولكن الأجزاء الحيوية من هذه القوات تخضع لقيادة موحدة، حيث إن أهم جزء من هذا الجيش الصغير، أي القوة الجوية التي لعبت دور كبير في الحرب اليمنية، تخضع ايضا لقيادة ميدانية موحدة.
ورغم أننا في السنوات الأولى من العدوان على اليمن، شهدنا صمت وحيادية حكام مدن الإمارات، في مقابل محمد بن زايد وحاكم أبو ظبي، ولكن في العام الماضي، بعد التهديد الرسمي الذي وجهته قوات أنصار الله اليمنية باستهداف دبي في حال استمرت الإمارات في قصف اليمن، اُجبر بن راشد، حاكم أبوظبي أخيرًا على الاستسلام، تحت ضغط شديد من حاكم دبي، ووَضَع بن راشد جدولاً زمنيّاً للانسحاب من الحرب اليمنية، وخلال المفاوضات مع ممثلي أنصار الله، ضمنت الإمارات تجنّب قصف المدن الخاضعة لسيطرة أنصار الله، في مقابل عدم شنّ هجمات مباشرة على البلاد.
أما المغامرة العسكرية الثالثة والجديدة التي دخلتها الإمارات في المنطقة، والتي كانت في الواقع الأكثر ضررا وسوءا على البلاد، تتعلق بالنزاع على الأراضي الليبية. حيث كان هذا التدخل العسكري، الذي شارك فيه جيش إمارة أبو ظبي بناءً على طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يهدف إلى سيطرة قوات الخليفة حفتر على جميع الأراضي الليبية ومنع الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة (كتهديد دائم لمصر والإمارات ).

إذن كانت الإمارات قد نجحت في السيطرة على العديد من الموانئ الجنوبية في الحرب اليمنية، على الرغم من التكاليف التي تحملتها بمليارات الدولارات ومئات القتلى والجرحى، فقد عانت من هزيمة كارثية في ساحة المعركة في ليبيا، خاصة بعد تدخل الجيش التركي لدعم قوات حكومة الوفاق الوطني. وعلى العكس من حرب اليمن، كان هدف محمد بن زايد بالدخول العسكري إلى ليبيا هو فرض الهيمنة الكاملة لقوات حفتر على البلاد وإنهاء الإخوان المسلمين من خلال احتلال طرابلس، ولكن في الأشهر الأخيرة تحوّل حلم احتلال طرابلس إلى تراجع قوات حفتر والقوات الإمارتية مئات الكيلومترات عنها، بالإضافة إلى التهديد الذي تتعرّض له المناطق الغنية بالنفط في هذا البلد، وتهديد وجود الخليفة حفتر.

“الوقت التحليلي”
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى