رَبِحْتَ الْبَيْعَ أبا مُعتز

حميد رزق

 

جاء في كتب التاريخ والسير أن صهيب الرومي كان ذا مال وتجارة، وعندما هاجر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله إلى المدينة أراد صهيب اللحاق به فوقع في كمين لمجموعة من قُطَّاع الطرق ، فقرر عدم الاستسلام وخوض غمار المواجهة حتى النهاية، إلا انه اهتدى إلى طريقة ضمنت الإفلات من يد العصابة المسلحة ،قام بأخبار أفراد «النقطة الأمنية»» التابعة «لحكومة قريش» عن المكان الذي يخبئ فيه أمواله وثروته مقابل إفساح الطريق أمامه لمواصلة السير نحو المدينة، ولما وصل صهيب إلى رسول الله رحب به وقال: ربح البيع أبا يحيى ..

 

القصة السابقة ذكَّرتني بالراحل أحمد الحبيشي رحمه الله الذي لم ينهزم أمام المغريات والعروض المادية التي أسقطت الكثيرين فوقعوا في براثن الارتهان لدول العدوان .

 

من غير الخافي على الكثيرين أن الحبيشي رحمه الله كان شخصية مرموقة ومخضرمة وعواصم العدوان كانت سترحب به وتمنحه الامتيازات والمكافآت مقابل خدمات إعلامية وسياسية تبريراً للجرائم والترويج لشعارات التحالف الكاذبة ، غير أن الإعلامي المخضرم والسياسي المعتق لم يتردد أو يتوان لحظة واحدة في اتخاذ الموقف المبدئي منحازاً لوطنه وشعبه ومتحملا العناء والتعب كما بقية اليمنيين .

 

تميز الحبيشي رحمه الله طيلة مشواره الإعلامي خلال سنوات العدوان الخمس بالمواقف القوية وغير المهادنة أو الضعيفة والمترددة، تشهد بذلك وسائل الإعلام الوطنية والعربية التي كان ضيفاً دائماً فيها .. كما امتاز بخلفيته التاريخية وتجاربه الممتدة من فجر نضالات اليمنيين ضد الاستعمار البريطاني في ستينيات القرن الماضي إلى المواجهة الأخيرة مع العدوان السعودي الأمريكي، الأمر الذي جعله من أهم الشخصيات الضالعة والخبيرة بالأهداف الاستراتيجية للعدوان والأبعاد التاريخية للأطماع الأجنبية في اليمن.

 

في بدايات شبابه شارك الراحل -رحمه الله- في الأنشطة الطلابية المناهضة للاستعمار البريطاني بعدن قبل أن ينخرط في العمل النضالي ضمن التشكيلات الأولى للعمل التنظيمي بالجنوب ، وبعد الاستقلال كان شاهدا على مختلف المراحل التي مر بها الجنوب بما جرى من أحداث وصراعات وصولا إلى تحقيق الوحدة وانتقاله إلى صنعاء، وفي حرب صيف 94 كان من ضمن المهجرين إلى الخارج قبل أن يعود لاحقاً للعمل في الإعلام الرسمي وفي إعلام المؤتمر الشعبي العام .

 

بعدما شنت السعودية والولايات المتحدة الأمريكية العدوان على اليمن مطلع العام 2015 كان الحبيشي من أوائل الشخصيات الوطنية الهامة إعلامياً وسياسياً التي غادرت الصمت ولم تفضل البقاء في المنطقة الرمادية ، فبادر منذ اللحظة الأولى للعدوان لتوجيه سهام مداخلاته ومشاركاته الإعلامية بقوة وجرأة نحو السعودية والولايات المتحدة ومرتزقتهما ، لم تكن مواقفه كما ظن البعض بغرض التكتيك والمناورة أو ركوباً لسفينة عفاش آنذاك ، بدليل أحداث ديسمبر التي تساقط فيها الكثيرون، نظراً للتحول الكبير الذي سلكه صالح، وبما أن الحبيشي كان من الدائرة المقربة لعفاش فقد أدرك مبكراً مؤشرات الفتنة التي تحيكها الإمارات من خلال الارتباط والتنسيق مع دائرة ضيقة ترتبط برئيس المؤتمر يديرها نجل شقيقه طارق، ومنذ تلك اللحظة الحساسة والخطيرة أسهم الحبيشي -رحمه الله- في كشف المخطط ولم يتردد في توجيه النصح لعلي صالح وبعض عقلاء المؤتمر الأمر الذي جعله عرضة لحقد غرفة عمليات الفتنة .

 

موقف الحبيشي المنحاز للشعب والوطن لم يكن بلا ثمن، فقد أقصي من المؤتمر الشعبي العام وفُصِلَ من وظيفته في رئاسة المركز الإعلامي ، كما حُرِمَ من مستحقاته فضلا عن انقطاع المرتبات من الدولة جراء نقل البنك المركزي لكنه واجه الحرب المعنوية والحاجة المادية بموقفه الواضح والشجاع الذي لم يتبدل لا طمعاً في منصب ولا سعياً للحصول على مال ، ولو كان باحثاً عن ذلك لكانت الفرص تنتظره في الرياض أو أبو ظبي ..

 

وفي الأخير، صحيح أن الحبيشي تضرر من العدوان مادياً ومعنوياً كما غالبية أبناء اليمن ،صحيح أن الحبيشي لم يحصل على منصب ولم يكن يسعى إليه لكنه ربح الموقف وربح التاريخ المشرف والموقف النبيل الخالد الذي سيبقيه خالداً إلى أبد التاريخ، عكس خصومه وأعدائه أعداء الوطن ممن أصبحوا عبرة وعظة للناس أجمعين …

 

الحبيشي لم يخسر، ولكنه ربح البيع والصفقة ، نم قرير العين أبا معتز.. وهنيئاً لك الصفاء والصدق والتواضع في زمن الأدعياء والتافهين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى