استراتيجية الكرميلن النفطية؛ هل هي بداية لحرب نفطية أم أنها إنتصار بدون خسائر؟
تراجعت أسعار النفط بشكل حاد وكبير خلال الشهر الماضي، حيث انخفضت الأسعار بنسبة 30 في المائة منذ أوائل يناير الماضي واليوم وبعد انتشار أنباء حول نشوب خلافات بين الدول الرئيسية المنتجة للنفط، شهدت أسعار هذه السلعة الاستراتيجية مرة أخرى إنخفاض بنسبة 9 في المائة وهذا المستوى في أسعار النفط هو الأدنى لها منذ 20 عامًا. لقد أدى الطلب على النفط في أعقاب تفشي فيروس كورونا إلى قيام المصافي الصينية بتقليل قدرتها على تكرير النفط وفي سياق متصل، ذكرت العديد من التقارير إلى أن العديد من مصافي التكرير الآسيوية سوف تدخل في عطلة في شهر أبريل القادم وذلك من أجل القيام بعمليات إصلاح وترميم لبعض الاجزاء التي تعاني من مشاكل فنية، وهذا الامر سيقلل من الطلب على النفط. وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذا الانخفاض في أسعار النفط هو ثاني أكبر انخفاض في يوم واحد خلال العقود الماضية.
وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية أن وزراء “أوبك” ومصدري النفط من خارج “أوبك” عقدوا يوم الخميس الماضي أجتماع خاص في مدينة “فيينا” وذلك من أجل الاتفاق على خطة عملية لمنع إنخفاض أسعار النفط بسبب انتشار فيروس “كورونا” ولكن ذلك الاجتماع انتهى بدون الخروج بأي نتائج ملموسة، ويرجع ذلك إلى نشوب بعض الخلافات بين المملكة العربية السعودية كأكبر منتج للنفط في منظمة “أوبك” وروسيا كأكبر منتج للنفط من خارج منظمة “أوبك”. يذكر أن المملكة العربية السعودية طلبت خفض الإنتاج وطلبت أيضا أن تتحمل الدول غير الاعضاء جزء من هذا العملية، لكن روسيا عارضت بشدة تخفيض حصتها.
وفي أعقاب نشوف هذه الخلافات بين الرياض وموسكو، أعلنت المملكة العربية السعودية أنها تعتزم زيادة إنتاجها من النفط إلى مليوني برميل يوميًا وهذا الامر قد يوصف بأنه انهيار لمعاهدة “أوبك بلس” بين روسيا والسعودية. ومن ناحية أخرى، يبدو أن الرياض سوف تكون مجبرة على خفض أسعار مبيعاتها الشهرية النفطية وذلك من أجل المحافظة على عملائها في آسيا. وهنا يتبادر هذا السؤال إلى أذهاننا، ما هو السبب الجذري لنشوف مثل هذه الخلافات وهل ستستمر هذا العملية في هذا الاتجاه ؟
المقاومة الشرسة لروسيا
كان إصرار موسكو على رفض خفض إنتاجها من النفط هو السبب الرئيسي لفشل محادثات “جنيف” النفطية ولكن ما هو سبب هذه الاصرار القوي، خاصتا وأن موسكو قد تتأثر إلى حد كبير بانخفاض أسعار النفط ؟
لقد ارتفع إنتاج النفط الخام الروسي من 10836 ألف برميل يوميًا في نوفمبر 2019 إلى 10853 ألف برميل يوميًا في مارس 2020 الحالي، مما يشير إلى حدوث زيادة في إنتاج البلاد من النفط ولقد انخفض النمو الاقتصادي للبلاد في يناير 2020 حوالي 1.6 في المئة عن 2.3 في المئة في الشهر السابق ويرجع انخفاض معدل النمو منذ أغسطس 2019 بشكل رئيسي إلى انخفاض الإنتاج الصناعي (1.1 بالمائة مقابل 1.7 بالمائة في ديسمبر). وفي ظل مثل هذه الظروف، يمكن أن تؤكد الفرضية حول مقاومة موسكو لخفض إنتاجها من النفط على أهمية الحفاظ على عائدات النفط التي يحتاجها الكرملين لموازنة الميزانية العامة للبلاد. وبالطبع، إذا كان هذا الافتراض صحيحًا، فإن موسكو لم تكن قد توقعت المحاولة الانتحارية التي سوف تقوم بها الحكومة السعودية والتي تنوي زيادة إنتاجها من النفط، وبالتالي قد تبدأ موسكو والرياض مفاوضات في الأيام المقبلة حول اتفاق بشأن إنتاج النفط. في الواقع، إن الفرضية هي أن الروس يريدون تحقيق مكاسب دون تكلفة ولهذا فإنهم يبذلون الكثير من الجهود للحيلولة دون انخفاض أسعار النفط والمضي قدما في الحفاظ على مستوى إنتاجهم من النفط.
ولكن هناك فرضية أخرى حول السلوك المعرفي بالنفط وفي هذا السياق، تقول روسيا إنها قادرة على مواجهة انخفاض أسعار النفط خلال ست إلى عشر سنوات وقالت وزارة المالية الروسية إن احتياطيات الصندوق الوطني للرفاه مستعد للوفاء بالالتزامات الاجتماعية للحكومة وتعويض عجز ميزانيتها خلال ست إلى عشر سنوات القادمة، حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى أقل من دولارين للبرميل. وفي هذا الفرضية قيل أن روسيا تسعى إلى زيادة حصتها في السوق العالمية، عقب تراجعه خلال الفترة الماضية بعد دخول عدد من المنافسين الجدد والاقوياء، ولا سيما الولايات المتحدة إلى الاسواق العالمية وهنا تجدر الاشارة إلى أنه بفضل التقدم التكنولوجي، تمكنت الولايات المتحدة من إنتاج النفط الصخري بكميات كبيرة وأصبحت أكبر منتج للنفط الصخري في العالم، وقامت واشنطن خلال الفترة الماضية باستخدام جميع أدواتها لكسب المنافسين، بما في ذلك الضغط على المشترين الأوروبيين من خلال فرض الرسوم التجارية، ومن ناحية أخرى فرض العقوبات الاقتصادية على الدول الرئيسية المنتجة للنفط مثل روسيا وإيران وفنزويلا. ولقد فرض البيت الأبيض مؤخراً عقوبات وضغوط على روسيا وألمانيا لإيقاف خطة روسيا لبناء خط أنابيب غاز “شمال ستريم” الذي سوف يمتد من روسيا إلى بحر البلطيق، مما تسبب في فقد شركة “غازبروم” الروسية مكانتها في السوق الأوروبية.
تعرف روسيا أن هزيمة صناعة النفط الصخري والانتقام من حرب النفط الأمريكية لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت أسعار النفط منخفضة وفي هذا السياق، قال محلل “بنك جازبروم” الخبير “كيريل كونونوف”/ إنه مع وجود أقل من دولارين للبرميل، فإن أكثر من نصف احتياطي النفط القاري الأمريكي سوف يتعرض للكثير من الاضرار وسيضع الشركات الأمريكية على شفا الإفلاس ومع حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط سوف تواجه صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة هجومًا من ثلاثة جوانب تتمثل في قلة الإنتاج، ورغبة المستثمرين في تصفية أسهم شركات الوقود الأحفوري، وعبء الديون الثقيل على مالكيها.
على الرغم من أن فرضية الضغط على الولايات المتحدة تبدو خطيرة جداً، إلا أن نجاحها سيستغرق وقتًا طويلًا وسيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد الروسي، ومع ذلك فإن مؤيدي الفرضية الاولى لا يزال يمكنهم استخدام هذه التصريحات التي أطلقتها السلطات الروسية كأداة للدعاية على طاولة المفاوضات مع “أوبك”. وفي سياق متصل، قالت وزارة المالية الروسية في بيان إنها ستكون قادرة على السيطرة على الموقف ومنع حدوث انخفاض حاد في قيمة الروبل وقال البيان إن رصيد الصندوق الوطني الروسي يضمن الوفاء بالتزامات الحكومة الروسية ويحافظ على الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد، وموسكو مستعدة لدخول سوق العملات إذا أمر الرئيس وذلك لكي لا تنخفض قيمة الروبل.