الوهابية .. كيف مهدت للتطاول على النبي محمد ..؟!
في سبتمبر من العام 2005م قامت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية. بنشر عدد من الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وآله، وفي يناير 2006 قامت صحيفة نرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية دي فيلت والصحيفة الفرنسية France Soir وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور الكاريكاتورية، واستمرت الإساءة لرسول الله محمد تتنقل بين الصحف الأمريكية والغربية.
وفي العام 2012 م صدر فيلم أمريكي أنتجه سياسي هولندي أكثر إساءة ووقاحة في الهجوم على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله.
وفي 2015م فتعرضت صحفة شارلي إيبدو الفرنسية إلى هجوم من أحد الغاضبين عقب نشرها رسوما مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه واله، وسارع قادة أكثر من 40 دولة، بينهم زعماء عرب، إلى مسيرة عار في العاصمة الفرنسية باريس، لتأكيد تضامنهم مع صحيفة شارلي إيبدو، وفي لائحة العار العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وقرينته، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء التونسي آنذاك مهدي جمعة.
كما تقدم المظاهرة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، ووزراء خارجية مصر، والمغرب، والجزائر، رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، ودول أخرى كالسعودية وقائمة طويلة كلفت سفراءها في باريس أو أصدرت بيانات تضامن مع صحيفة جندت ضمن حملة غربية وصهيونية تتعمد الإساءة إلى الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله.
والمفارقة هنا كما ورد من لائحة المشاركة العربية والإسلامية أنه بعد أقل من عشر سنوات كان قادة الأنظمة العربية وإعلامهم بما في ذلك الإعلام السعودي حيث تفاعلت قناة العربية بشكل كبير مع المسيرة وتضامنت مع الصحافي القتيل وأدانت منفذي الهجوم غضبا للمصطفى وهما أخوان من أبناء الجالية المغربية، يقف متضامنا مع من يسيء إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وآله ويتقدم مسيرة باريسية حملت عنوان ” أنا شارلي إيبدو”، وصمت إعلامهم وعلى رأس ذلك تجمع علماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ القرضاوي وشيوخ الوهابية في السعودية ودول الخليج، مقارنة بالإدانات للرسوم الكاريكاتورية التي أطلقتها صحيفة دانماركية قبل 10 سنوات، وشعبيا بعد عشر سنوات من الإساءة الممنهجة خفتت حدة التظاهرات عربيا وإسلاميا باستثناء بلدان معدودة ولم نشهد حملات المقاطعة الاقتصادية التي رأيناها في 2005م عقب نشر الدنمارك الرسوم الكارتونية المسيئة.
وذلك يطرح ثلاثة أسئلة جوهرية:
ما الذي تغير؟ ولماذا صمت المسلمون وقد بلغت الوقاحة ضد النبي مستوى أشد، وهم صرخوا في الأولى؟ وهل جرأ الشارع العربي والإسلامي علماء السعودية بخلاف ما يضمرون فأطلقوا البيانات المنددة في الأولى وصمتوا في الثانية بل تضامنوا مع صحيفة ” شارلي إيبدو؟.
وما الذي جرأ الغرب حتى تطاول على رسول الله محمد؟ وهو الذي كان يخشى ذلك، ويمتدح صفاته؟
بإجابة السؤال الأول والمحوري فيمكن الإشارة إلى أن الرسوم الدانماركية شكلت فقط صافرة البداية والتجربة لمرحلة جديدة دشنت في الإساءة الى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه واله، ولقياس ردات الفعل الشعبية الإسلامية وردات الأنظمة، حيث رأينا انطلاق الشعب العربي المسلم في التعبير عن غضبه تظاهرات ومقاطعة اقتصادية جرت معها مواقف للأنظمة التي تظهر موقفها الحقيقي بالوقوف بعد عشر سنوات إلى جانب من يسيئون إليه صلوات الله وسلامه عليه ويتقدمون التظاهرات المنددة.
وبنتيجة ذلك نظم علماء الوهابية عمليات ممنهجة عقب العام 2005م والوى الاساءات الشخصية لرسول الله، وتواصلت عقب كل إساءه، لتخدير الشعوب عبر نشر القصص والحكايات الزائفة عن مصائر سوداء كالإصابة بالأمراض الخطيرة والغرق والاحتراق أصيب بها المسيئون للرسول صلى الله عليه وآله وطاف علماء الوهابية بأموال النفط أقطار المسلمين، لتخدير الناس وامتصاص غضبهم، وغرس قناعات باطنية مفادها أن “الله سبحانه انتقم للرسول ولا داعي لأن تظهروا غضبا أو تقاطعوا منتجا” وعلى منوال للبيت رب يحميه وأنا رب إبلي.
وفي الشق المرادف فبعد سنوات من تكرار الإساءة للنبي محمد أظهرت الأنظمة صنيعة الغرب حقيقة موقفها وخيانتها لمحمد صلى الله عليه وآله واستعدادها للذهاب بعيدا في العمالة حفظا لكراسيها السلطوية من غضب أمريكا والغرب، وتضامنت مع المسيء في نهاية المطاف.
ولا غرو اليوم إن كشفت عن علاقتها وعمالتها لإسرائيل علنا متى ما طلب منها ذلك وتعين اليهود على قتل الشعوب المسلمة في اليمن وسوريا والعراق وأين ما اقتضت رغبة مولاها الصهيوني والأمريكي الذي يمعن كل يوم في إذلالها واستحقارها.
والسؤال الثاني وهو أكثر جوهرية من سابقه، كيف تجرأ الغرب واليهود بعد أكثر من 1400 عام على النيل من شخص رسول الله محمد صلى الله عليه وآله؟ وفي وقت قدمت فيه التكنولوجيا مشهدا جامعا لكل طرف عن الآخر وحجمه، وهل ثمة من مهد لهم الأرضية على مدى عقود؟
وبالإجابة عن هذا السؤال.. يمكن القول نعم
الإعلام الأمريكي كشف عن فحوى خطاب من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو إلى الرئيس الأمريكي ترامب الذي أظهر تململا إزاء ردة الشارع الإسلامي على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فجاء نتنياهو ليطمئنه بأن الشارع الذي يخافه ترامب مشغول بنفسه وجرى تحضيره لمثل هذه الخطوة، وعلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ألا يقلق – يخاطب نتياهو ترامب – ويبدو أنه محق فقد جرى تدجين وإلهاء الشارع الإسلامي عن أمور عديدة تمس بركائز الإسلام الأساسية والمشروع الإسلامي المتمثلة في أربعة أمور أساسية هي النبوة والقرآن والقبلة والأمة.
ومن هذا المنطلق فإن الوهابية السعودية التي يجري التخلص منها من قبل آل سعود اليوم، ونرى مشائخها يتسابقون لتحليل ما حرموه عقودا، قد مهدوا الطريق للغرب ليتجرأ على المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، وأتاحت أموال النفط الممزوجة بالسطوة الأمريكية في العالم وسيطرة العملاء على السلطة في الأقطار الإسلامية، البيئة المواتية لتعمل الوهابية التي أنشأها وأسس لها بدعم وتوجيه بريطاني محمد بن عبدالوهاب من الانتشار إلى دول العالم ونشر أفكارها الهدامة للإسلام والمسيئة للذات الإلهية والمسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وآله من جميع النواحي، مع تغليفها بقالب خداع تسللت من خلاله إلى عقول البسطاء والكتب والمناهج الدراسية رويدا رويدا، وأضحت مع الأيام حقائق يستشهد بها الجهال.
منذ سيطرة النظام السعودي على الحجاز عمدت الوهابية بتوجيه بريطاني مباشر عبر عميلها المشهور جون فليبي وهو يذكر ذلك صراحة في كتبه مذكرات همفر إلى تغييب كل ما يتصل بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، مكانا هي معالم إسلامية، فطال الهدم منزله وشواهده صلوات الله وسلامه عليه وآله في مكة ومنازل أسرته بني هاشم وحتى منزل زوجته خديجة سلام الله عليها الذي هدم وبني محله حمامات عامة.
وكاد الوهابيون في فترة التوسع السعودي لمؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود أن يهدموا بيته وقبره في المدينة المنورة بحجة محاربة الشرك، لولا أن تصدى لهم أهلها آنذاك في ابريل من العام 1925م وثارت ثائرة العالم الإسلامي فتراجع عبد العزيز ال سعود.
وتورد جريدة أم القرى الحجازية أنه عندما احتل أتباع ابن عبد الوهاب مكة، هدموا المعالم النبوية التاريخية فيها، وعملوا على تدمير كل القباب والأضرحة والمقامات وكل ما وجدوه من آثار قرون من التعمير الإسلامي حول المسجد الحرام، فدمّروا القبة المنصوبة فوق الدار التي ولد فيها النبي محمد، وأخرى فوق دار عليّ ابن أبي طالب، وقبة كانت تشير إلى ضريح زوجة النبي خديجة بنت خويلد.
وبعد أن استقرت سلطة آل سعود على الحجاز، شرع الوهابيون بالبحث عن وسيلة ومبرر لهدم قبر النبي وقبور الصحابة. وخوفاً من غضب المسلمين في البلاد الاسلامية خاصة أهالي الحجاز، وتبريراً لعملهم استفتوا علماء المدينة المنورة حول حرمة البناء على القبور، حمله قاضي قضاة الوهابيين آنذاك “سليمان بن بليهد”، وتحت التهديد والترهيب وقّع علماء المدينة المنورة على جواب يفتي بحرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الحركة الوهابية التي کتبت الاستفتاء.
ونشرت جريدة أُمّ القرى بعددها 69 في 17 / شوال 1344 هـ.ق نص الاستفتاء وجوابه ـ وکأن الجواب قد أُعدّ تأکيداً على تهديم القبور ـ وحددت تاريخ صدور الفتوى من علماء المدينة بتاريخ 25 / رمضان 1344 هـ، امتصاصا لنقمة المسلمين.
واستناداً لهذا الجواب اعتبرت سلطات آل سعود ذلك مبررا مشروعا لهدم قبور الصحابة والتابعين فهدّموا كل القبور ذات القباب في منطقة “البقيع” حتى سوّوها بالأرض، وتشير مصادر إلى خروج احتجاجات في المدنية المنورة ضد عصابات الوهابية التي شرعت بعدم البقيع قوبلت بالتنكيل لأهل المدينة.
وتشير العديد من الوثائق والقرائن التاريخية إلى أن الوهابيين حاولوا مرارا هدم قبر الرسول وقبته وبدأوا في محاولات للمساس بالقبر النبوي لکنهم تراجعوا عن فعلتهم على وقع الاحتجاجات التي كانت تشهدها العديد من المناطق الإسلامية وتصدي سكان المدينة المنورة لهم.
محاولة حديثة
وآخر محاولة استهداف لقبر الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، لم يمض عليها سنوات، وفضحتها للعالم الإسلامي صحف بريطانية “الاندبدنيت” و “ديلي ميل” و”الغارديان ”. وتحت عنوان “السعودية قد تخاطر بإحداث انشقاقات بين المسلمين بسبب خطط لنقل قبر الرسول”. كتب الصحافي البريطاني أندرو جونسون، أن المملكة العربية السعودية “تخطط لنقل قبر الرسول” ودفن رفاته في مقابر البقيع في “قبر غير معلوم”. وجاء في التقرير الذي تصدّر الصفحة الأولى للجريدة البريطانية عام 2014 أن هذا المخطط يأتي ضمن مخططات توسعة وتجديد الأماكن المقدسة في السعودية. وقال جونسون في تقريره إن هذا الأمر قد يؤدي إلى “إحداث فتنة في العالم الإسلامي”.
واستند تقرير “الاندبندنت” على دراسة سعودية صدرت عام 2013، أنجزها المدعو علي الشبل، الأكاديمي في “جامعة محمد بن سعود، وتوصي هذه الدراسة بنقل قبر الرسول وحجراته من حرم المسجد النبوي لخارج المسجد، وتطالب الدراسة التي نشرت في المجلة العلمية “المحكمة”، الصادرة عن “مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي”، التابع للرئاسة العامة لـ “شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي”، بهدم الجدار العثماني، وعدم تجديد اللون الأخضر على القبة، وطمس الأبيات الشعرية من قصائد المدح المكتوبة في محيط الحجرة، وذلك “درءًا لشر الشرك والتوسل والاستغاثة بالرسول صلى الله عليه واله وسلم في قبره وهو ميت”، حسب وصف الدراسة.
وقامت “الاندبندنت” بترجمة أجزاء من هذه الدراسة التي تقع في 61 صفحة، توصي بنقل قبر الرسول إلى مكان مجهول بعيدا عن المدينة وإعادة نشرها في تقارير عام 2014 وتدعو الدراسة إلى نقل بقايا رفات النبي بشكل سريّ إلى مكان مجهول بمقَبرة “البقيع” المجاورة، والتي تحوي على رفات أفراد من الأسرة النبوية، بما في ذلك والده، عبد الله، الذي نقل إلى نفس المقبرة في السبعينيات، مع إخفاء مكان القبر كما حدث في عام 1924، عندما تمت إزالة كلّ العلامات من على قبور أهل البيت، حتى لا يعرف الحجاج مَن دُفن فيها.
ومنذ السيطرة السعودية على المدنية النورة والمسجد النبوي يمنع دعاة الوهابية المسلمين من زيارة بيت الرسول الأكرم أو قبره ويجبر الناس على الاكتفاء بالمرور من جوار بيته صلى الله عليه وأله على ألا يتجاوز المرور ثوان معدودة.
الاستهداف لمقام وشخصية ودولة النبي
الاستهداف الوهابي تعدى تدمير وإخفاء ما يتصل بالرسول مكانيا إلى استهداف طال شخصيته صلى الله عليه وآله، وهو المنزه عن كل شائنة ونقص كما ورد بالقرآن ” وإنك لعلى خلق عظيم ” فطالت الوهابية بالتشويه شخصيته ونبوته وهو الذي لا ينطق عن الهوى والصلب الذي لم تلن له قناة أمام كفار قريش وإغراءاتهم، وأخلاقه وهو الذي وصفه القرآن بقوله ” وإنك لعلى خلق عظيم وحتى حسن مظهره لم يسلم من أكاذيبهم وهو الذي علم أمته أن النظافة شطر من الإيمان، والطهارة أساس للعبادة.
– فقدمت الوهابية الرسول صلى الله عليه وآله شخصية تتلاعب في الدين المرسل به تبعا لرغبات أصحابه، – ونورد مثالا كحادثة صلاة عمرو بن العاص دون أن يغتسل من الجنابة في يوم شتوي، حين انتقده النبي فرد عليه عمرو بن العاص: أتريدني أن أهلك يا رسول الله، فصمت حينها المصطفى وأجازه على فعله، وكونه يأتي إلى المسجد ورجليه الشريفتين مبللتين بالخمر، وبعض أسس دينه حلم بها الآخرون كالأذان لإقامة الصلوات.
– وفي أخلاقه وغيرته وحسن مظهره صلى الله عليه وآله بادعاء أنه كان يداعب نساءه أمام أصحابه، وفي نظافته مدعين خروجه إلى أصحابه والمذي على ثيابه، وتفركه إحدى زوجاته أمام أصحابه، وأنه صلى الله عليه وآله كان لا يستحي أن يكشف فخذه فيدخل عثمان، فيسترها قائلا ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة.
وكرجل دولة وهو الذي بنى المجتمع الإسلامي دولته من الصفر، قدم الدعاة الوهابيون النبي بشخصية مهزوزة لا تفقه في السياسة أو الحرب، يملي عليه أصحابه إرادتهم، يقبل حتى بما يرفضه أصحابه كحادثة صلح الحديبية، وفي الحرب لا يفقه في شئون القتال أو الدفاع عن بله ومجتمعه الذي أنشأه بنفسه كما تنقل سير الوهابية في وقائع غزة أحد، و” لصا” يسطو على القوافل كما تورد مؤلفاتهم في معرض تناول سبب غزوة بدر.
وفي الاقتصاد قائدا للدولة مات ودرعه مرهونة ليهودي، وفي الحكم ” أطع الأمير وإن جلد ظهرك… إلخ.
وقدمت الوهابية العديد من هذه الروايات للعامة وتقولت على الرسول بما لم يقله حتى عمت الجهالة الأمة وقصم ظهرها واستكانت لأعدائها ولم تختلف عن المسيحية المحرفة في مبدأ إذا ضربك خصمك فأدر له الوجه الآخر.
وانقل هنا مقتطفات من مقال للمفكر والباحث الإسلامي محسن الشامي ” أما عامل الرواية المكذوبة تحت عنوان السُّنة فقد انتجت لعصرية الحاكم والوالي زورًا وبهتانًا وتتكيف باتجاه (تحت وفوق) كرواية مطاطية تضيق وتتسع لرفد ديمقراطية الحاكم وتطويعها كمذهب يُعَدُّ التارك لها مخالِفًا للسُّنة. ولك أن تتذكر حديث الجار اليهودي وصبر الرسول – صلى الله عليه وعلى آله – على أذيته ومعاهدته وتفقد أحواله وزيارته وغيرها من الروايات التي مُلِئَت بها بطون الأسانيد والمناهج الدراسية، ها هي اليوم ترجمت تطبيعًا مع ألد خصوم الأمة وقتلة الأنبياء ودعاة الإنسانية. وهل يُعقَل أن يكون رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله – قد مات وفي ذمته قرض ليهودي ودرعه مرهونة بحوزة ذلك اليهودي؟! بمثل هذه المشطوفات من الأكاذيب تحولت بلاد المسلمين اليوم إلى سوق استهلاكية لكل من هب دب وهكذا تأسس نظامنا الاقتصادي بما يخدم أمريكا وإسرائيل ويهدم واقع المسلمين.
أما صحيح الرواية فقد جير نصه وبدل معناه وإن كانت رواية لما يخدم أركان الباطل ثم يساق هذا النص إلى محاريب ومنابر المساجد وصحف علماء البلاط كدين تدين به العامة والخاصة وما لبث أن تحول إلى معتقد لا يمكن التنازل عنه نعيش آثاره اليوم ضلالاً مركَّبًا تحت عناوين جذابة.
لن نرحم التاريخ ولا صانعيه وسنظل نسائلهم ونعاتبهم ونتهمهم ونحاكمهم عن تغييبهم لروح الرسالة وتعاطيهم مع كل ما هب ودب من أراجيز المتقولين وصناع الرواية وتقويلهم لرسول الله – صلى الله عليه وعلى آله – ما لم يقله وتقديمهم لشخصيته على النقيض تمامًا لما كان عليه في دولته ورسالته”.
– المناسبات النبوية والفارقة في الإسلام
على مر عقود عمد شيوخ الوهابية إلى استهداف كل ما يتصل زمنيا بالنبي أو بالإسلام المحمدي كالمولد النبوي الذي جرى إلصاقه بالبدعة، واختلق الأحاديث و حورت أخرى عن مجرى سياقها الحقيقي، ونجحوا في ذلك عن حتى غاب المولد النبوي الشريف عن العامة بفعل ذلك وعملاء السلطة، واقتصر على حلقات في المساجد كما في اليمن ودول عدة وحلوى تصنع بالمواسم كما في مصر، فغاب شاهد زمني يذكر الأمة بنبيها ويعيد ربط الأجيال به في مقابل أعياد يجري الاحتفال بها كاليوم الوطني في السعودية مثلا، وأخرى غربية لم تقف بوجه انتشارها الوهابية.
وطال الاستهداف الوهابي بالحرب مناسبات تتصل ببوابة الولوج إلى الدين المحمدي وأعلامه الواضحين، كمناسبة الغدير، لتقدم الوهابية الإسلام جولة يمكن أن يبلغه عبد حبشي رأسه زبيبة كما روج لذلك دعاة الوهابية طويلا، وذلك مما لا يستقيم له الحال، فالإسلام المحمدي الذي علم أتباعه تفاصيل و شئون حياتهم حتى البسيطة منها بما في ذلك مواعيد زيارة بعضهم بعضا، ومتى لا يلبس المخيط وما يتصل بين الزوجين من حياة خاصة، لا يمكن له قطعا أن يترك قضية أساسية كالحكم يتعلق بها استمرار الدولة الإسلامية والدين الإسلامي تتقاذفها الأهواء والرؤوس حتى رأس عبد حبشي تسخيف واستهزاء وليس “ديمقراطية ” كما ساقته الوهابية لخداع البسطاء وتمكين العملاء من دول الإسلام.
وسائل النفوذ والسيطرة
استخدمت الوهابية الأحاديث المختلقة وإرث ابن تيمية ممزوجة بلحن القول والتضليل، والمدعوم بمال النفط الوفير ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية لإدراج وترسيخ الافتراءات التي ينفيها العقل والتاريخ في المناهج الدراسية بالدول الإسلامية عبر شراء العملاء على كراسي السلطة واستمالة العلماء ممن باعوا أنفسهم بالمال أو صناعة علماء على أيديهم في تلك الدول، وتهديد من ثبت ووقف مناهضا لهم، وتشويه ومحاربة المذاهب الإسلامية السنية التي تلبست بجلبابها، وشيطنة الطرف الآخر شيعة علي بن أبي طالب ممن اتخذوا الموقف المضاد للوهابية، والمذاهب السنية التي لا تدور في فلك الوهابية.
أما سطوة ونفوذ ومال قدم للوهابيين مدى عقود، تراجعت قوة ومساحة الفكر المضاد للوهابية في الأقطار الإسلامية، بما في ذلك المذاهب السنية التي تلبست الوهابية عباءتها لكنها لا تدور في فلكها.
ومهدت للغرب والصهيونية الإقدام على خطوة عظيمة بخطورة استهداف مقام رسول الله وشخصيته، وبالتمعن في كل تلك الإساءات فهي اعتمدت على كل ما نشرته الوهابية وغرسته في وقت غفلة الشعوب الإسلامية واستضعافها بالفكر الإسلامي وعقول الأجيال، وفي رسالة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السعودية فيما عرف حينها برسالة إنهاء حالة العشق الأمريكي السعودي، تحدث فيها عما اقترفه المد الوهابي من فضائع وخلق من أفكار بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وضاربا بأمثال من بلدان آسيا الوسطى التي حولها الفكر الوهابي إلى ما سماه مجتمعات توحش، وأعلن فيها تخلي الولايات المتحدة عن مسئوليتها مما اقترفته الوهابية ليس على مستوى بلدان المسلمين وإنما جنايتها على العالم، وحمل النظام السعودي وزر ذلك.
ما حدث في 2005م من الإساءة لنبي الإسلام إنما هو تتويج لكراهية متأصلة لدى اليهودي ومن يدور في فلكهم، ويقينا أن وراء كل حراك يستهدف شخص الرسول محمد وراءه عصابة من أصول يهودية أو بخلفيات يهودية.
الإساءة إلى رسول الله لم يكن وليس أمرا عابرا، بل هي مؤامرة كبيرة تستهدف ركائز المشروع الإسلامي المتمثلة بالنبي الخاتم محمد، والقرآن، والقبلة، والأمة، وجميع هذه الركائز يستهدفها اليهود وجرى استهدافها من قبل الوهابية بأشكال متعددة، وتنقل مصادر تاريخيه وناصر آل السعيد في كتابهتاريخ آل سعود بأن عبد العزيز آل سعود وافق البريطانيين على هدم الكعبة القبلة التي يتوجه إليها المسلمون وتوحدهم حال سيطرته على مكة، وهو شرع بتدمير ما حولها، وتراجع عن هدمها خوفا من سقوط حكمه وغضبة المسلمين، وبعد أن رأى أنه يمكن الاستفادة بما تدره من أموال الزائرين لتدعيم حكمه وشرعنة حكمه الذي كانت ترفضه الدول الإسلامية آنذاك حتى الهند التي كان لوفودها مناظرات قيمة في إظهار ضلال الوهابية ورفض هيمنة آل سعود على الحج في بدايات مملكتهم.
وهدم الكعبة فكر صريح تحمله داعش بوصفها تجلي صريح للوهابية الأصيلة وليست تلك التي ألبست رتوشا للخداع، ومما يثير القلق أن تعمد الصهيونية وأمريكا إلى نشر داعش في الحجاز وتحقيق هذا الهدف الشيطاني، وذلك يفسر خوف قوى الطاغوت أيضا من قوة أنصار الله الأقرب لمكة والمدينة جغرافيا وقيادتها العدوان على اليمن بنفسها.
وبالعودة إلى سياق الموضوع فنخلص إلى الآتي:
– محمد ابن عبد الوهاب ليس سوى أحد إفرازات ثقافة الإسرائيليات التي عمد من خلالها اليهود منذ وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وآله إلى دسها في الإسلام عبر بوابة السنة وتأصيلها في الثقافة الإسلامية، ولاحقا أصبحت مذهبا وصار لها أتباع بتحالفهم مع سلطة المال والشيطان الأكبر والثعلب البريطاني قبلا، وأحدث هؤلاء شرخا وفجوة بين المسلمين والإسلام المحمدي الأصيل وبين الإسلام والعالم.
– تحولت المفاهيم التي انتجتها “الإسرائيليات” تحت عنوان “أحاديث ” إلى برامج عملية استند عليها منتجي الأفلام والرسومات المسيئة للرسول والإسلام في صنع صورة افتراضية تحاكي متن الرواية.
وبالنظر بزاوية أوسع، وعميقا في اتجاه التاريخ يمكن استنتاج التالي:
– مثل الفكر الوهابي محور ارتكاز بين بين مطامع المستعمرين وتدجين الأمة وتخديرها باسم الدين وفصلها عن رموزها، وشدها إلى رموز وهميين.
– مرحلة ال سعود كمرحلة وسلطة تنفيذية لمخرجات الفكر الوهابي وما صنعه من تفريغ مفهوم الحج وحجب الناس عن ضريح الرسول الأكرم محمد واستهداف شواهدهم أمام العامة شجع الآخر على استهداف الرسول والرسالة بمختلف الوسائل والأساليب.
– أثر الخروج الشعبي والتظاهرات في الأقطار الإسلامية أمام استهداف الوهابية لضريح الرسول عند سيطرة آل سعود على الحجاز، وتلك التي شهدناها في مواجهة الرسوم المسيئة، كان عاملا مهما أبقى على الحضور للنبي الأكرم في نفوس المسلمين وصعب مهمات الوهابية في تغييب النبي عن وجدان المسلمين، ومنع أو ساهم في تأخير وقوع الأسوأ بالنسبة إلى الأمة الإسلامية وصعوبة عودتها إلى الطريق القويم الذي تعمل لأجله حركات العداء للصهيونية واليهود شاهد تلك الرمزية.
– إن إحياء مولد النبي محمد هو استعادة للشاهد الزماني والوجداني للنبي الأكرم في تقويم المسلمين وقلوبهم، وفرصة لإعادة قراءة النبي محمدا بعيدا عن سطوة الوهابية وثقافة “الإسرائيليات، وبالنسبة إلى اليمنيين فهو أكثر من ذلك محطة تحكي أمجادهم وخصوصيتهم في الإسلام.
– وفي الختام إننا بحاجة إلى منع اليهود ودول الغرب من استنساخ الوهابية التي يجري تصفيتها اليوم من قبل صناعها، تحت مسمى آخر أو أشكال متعددة، وإعادة تقديم شخصية النبي محمد وفق ضوابط قرآنية توصف شخصية النبي محمد العالمية كما وردت في النص القرآني، كما قدمها السيد حسين بدر الدين الحوثي، في دفاعه عن الرسول والرسالة الإسلامية، وتظهير دور اليمنيين في الدفاع عن المقدسات، والتأصيل لمبدئية القرآن في معرفة من هو محمد وطبيعة دوره الرسالي.