ناشيونال إنترست: السعودية تحت الحصار.. هل المملكة في طريقها للانهيار؟
هناك العديد من الأمور التي تتغير نحو الأسوأ في المملكة العربية السعودية. فقد كان ولي العهد؛ الأمير “محمد بن سلمان”، ذات يوم الوجه الشبابي الواعد للملكية العربية. لكنه الآن منهزم في السياسة الخارجية، ويواجه مشاعر مزعجة في الداخل.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قام الحوثيون بهزيمة رتل سعودي مدرع على طول الحدود مع اليمن، وأسروا مئات الجنود. ثم أدى القتل الغامض للحارس الشخصي للعاهل السعودي؛ الملك “سلمان بن عبدالعزيز” إلى إطلاق أجراس الإنذار داخل المملكة.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لمعهد “كوينسي”، “تريتا بارسي”: “يتحدث العديد من السعوديين الذين تكلمت معهم حول الاحتمالات المرتفعة لأن يكون ما يحدث جاء بتسهيل من عناصر داخل الحكومة السعودية، تريد إحراج بن سلمان، لأنهم يرون أنه يوجه المملكة إلى طريق مسدود. فإذا كنت سعوديا، وكنت قلقا بشأن مستقبل بلدك، فلا أعتقد أنه من الصعب استنتاج أن بن سلمان هو العقبة الأولى”.
- هزائم مذلة
وكان “بن سلمان” قد بدأ حكمه مع سياسة خارجية طموحة. فدفع ولي العهد السعودي الرئيس “دونالد ترامب” للتصعيد ضد إيران، وشن حربا دموية في اليمن، وأطلق حصارا دراماتيكيا ضد قطر. والآن، تتفجر سياساته في وجهه.
وفي 14 سبتمبر/أيلول، دمرت الطائرات بدون طيار، والصواريخ، مصنع إزالة الكبريت من النفط في “بقيق”، ما أدى إلى توقف نصف صادرات النفط السعودية. لكن في نهاية الأسبوع الماضي، ظهر أن الأسوأ ربما لم يأت بعد.
فقد بدأ الأسبوع الجديد للسعودية بكارثة جديدة، حين أعلن القائد العسكري الحوثي؛ “يحيى سعيد”، نجاح الجماعة المتمرد في هزيمة 3 ألوية سعودية، في غارة عبر الحدود، بالقرب من مدينة نجران.
ومن المستحيل التحقق مما إذا كانت 3 ألوية، وهو ما يساوي الآلاف من الجنود، قد تم أسرهم فعليا، خاصة أن معظم الأسرى الذين ظهروا في الصور كانوا يرتدون ملابس مدنية.
وتقول بعض التقارير إن معظم الأسرى هم مرتزقة باكستانيون، استأجرهم السعوديون. وقال آخرون إن معظمهم من الجنود اليمنيين الذين كانوا يحاربون تحت راية التحالف.
لكن اللقطات التي نشرها الحوثيون أظهرت صورا لإذلال سعودي واضح؛ حيث مئات الجنود يلقون أسلحتهم في استسلام، بينما يهلل مقاتلو الحوثي فوق سيارات مصفحة أمريكية الصنع، ومعدات عسكرية باهظة الثمن مشتعلة في الخلفية. وقام أحد الجنود بتسليم دبابته للجنود الحوثيين المسلحين بالبنادق فقط.
وبعد يوم من الهجوم، أطلق الحوثيون 290 سجينا إلى المملكة العربية السعودية. وتفاوض البلدان لوقف إطلاق النار، وعرضت المملكة هدنة محدودة في 4 محافظات في اليمن، قبل يوم من الغارة.
وأوضح الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات؛ “بهنام بن طالب لو”: “يتبع الحوثيون نموذجا للتفاوض من موقع قوة، وهو أمر ليس بالفريد بالنسبة لإيران وحلفائها، لكن إيران تمارسه بشكل أفضل من أي ممثل آخر في الشرق الأوسط، حيث تضع شروطا غير مناسبة لخصومها، لكنك تحفزهم لقبولها عبر خلق ظروف عسكرية غير مواتية تؤثر على حسابات الخصم”.
- تطورات مقلقة
وظلت السلطات السعودية صامتة بشأن مزاعم الحوثيين، لكن التقارير المثيرة للقلق تتسرب من البلاد.
ويوم الأحد، لقي الحارس الشخصي للملك، “عبد العزيز الفغم”، حتفه مضروبا بالرصاص في جدة. وألقت وسائل الإعلام التي تديرها السعودية باللوم على “نزاع شخصي”، مع صديق يدعى “ممدوح آل علي”. وطبقا لمتحدث باسم الشرطة، فقد قتل “آل علي” الجنرال خلال “مناقشة ساخنة”، قبل أن يتم قتله هو الآخر في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة المحلية.
وأثارت عدة تقارير على الفور شكوكا حول الرواية الرسمية. وفي وقت قريب من القتل، كان المسؤولون السعوديون يسألون “أجهزة الاستخبارات الإقليمية” حول معلومات عن “عدد من المواطنين السعوديين”، وفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
وأبلغ المعارض السعودي المقيم في الخارج، “غانم الدوسري”، صحيفة “العربي الجديد”، أن “آل علي” كان جزءا من فريق من العملاء تبعه إلى لندن.
وألقى مروجو الشائعات الوقود على النار، ونشروا حديثا مثيرا حول معركة داخل القصر. وادعى “مجتهد”، وهو حساب على “تويتر” معروف على نطاق واسع برواية أخبار حضرية ومثيرة للجدل حول العائلة المالكة، أن “الفغم كان في القصر وقت وقوع الحادث، وليس مع صديق”، وأن “بن سلمان” يعتبر “الفغم” جزءا من “الحرس القديم” الذي كان مواليا لآل سعود، وليس لولي العهد نفسه.
وسواء كانت ادعاءات “مجتهد” صحيحة أم لا، فهي تثير قدرا من الشكوك داخل المملكة. ويملك الحساب 2.2 مليون متابع، وقد أخذ أفراد العائلة المالكة والمؤسسة الدينية الحساب بجدية كافية للرد على ادعاءاته السابقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي فأل سيء آخر، اندلعت النيران فجأة في محطة قطار جديدة بقيمة 7.3 مليار دولار في جدة، بعد ظهر يوم الأحد. وغطى الدخان الأسود الكثيف السماء. وقال “بارسي” إن هناك تكهنات حول “عملية داخلية” من قبل عناصر مناهضة لـ “بن سلمان”.
- البحث عن نصر سياسي
وبحلول نهاية نهاية الأسبوع، كان الدبلوماسيون السعوديون قد بدأوا في العمل، من أجل تحقيق نصر سياسي لـ “بن سلمان” على الجبهة الإيرانية.
ويوم الاثنين، ادعى مكتب الرئيس الإيراني تلقي “رسالة” من السعودية. وفي اليوم التالي، أعلن المسؤولون العراقيون أنهم يتوسطون لعقد لقاء سعودي إيراني وجها لوجه.
ومن الواضح أن رئيس الوزراء العراقي “عادل عبدالمهدي”، يسعى لعقد اجتماع في بغداد بين طهران والسعودية. وهناك عدد من المبادرات في الوقت الحالي، لكن على عكس المرات السابقة، يبدو أن كلا الطرفين على استعداد للتعامل معها بجدية.
وكان تقدم دبلوماسي كبير آخر قد حدث في أغسطس/آب، عندما التقى مسؤولون من الإمارات العربية المتحدة علنا بنظرائهم في إيران، تزامنا مع بدء أبوظبي سحب قواتها من اليمن.
وقالت “راندا سليم”: “كان إعلان الإمارات عن هذه التحركات بمثابة رسالة واضحة إلى السعوديين، وإلى الجميع، مفادها أن الوقت قد حان لإعادة التفكير في استراتيجية الاعتماد على الحماية الأمريكية من إيران”.
وأضافت: “أعتقد أن السعودية كانت غير راغبة في البداية في الانضمام إلى الإمارات في عملية إعادة النظر هذه. لقد كان من الصعب على السعوديين استيعاب قرار الإمارات بشأن اليمن. لكن بعد هجوم بقيق، رأيت نفس النوع من إعادة التفكير في السعودية، بعد اهتزاز الثقة في قدرة إدارة ترامب على توفير الأمن للمملكة في حالة وقوع هجوم آخر في المستقبل”.
ورغم ادعاء القيادة الحوثية المسؤولية عن هجمات “بقيق”، أشارت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة كلها بأصابع الاتهام إلى إيران. وقام الجيش السعودي بالتحوط في رهاناته، مدعيا أن الهجوم كان “مدعوما دون أدنى شك” من قبل إيران، لكنه رفض الإجابة عما إذا كانت إيران نفسها قد نفذت الهجوم.
وحذر “ترامب” في البداية من أنه “جاهز” للرد. لكن بعد عدة أيام، قال إن عدم التصعيد يعد “علامة على القوة”.
وسرعان ما أصبح من الواضح أن هذا الانتقام العسكري المنتظر لن يأتي، سواء من الولايات المتحدة أو السعودية.
وبعد مرور عام على اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” على أيدي عملاء سعوديين، تستمر المملكة في فقدان أصدقائها في واشنطن العاصمة. وأثار هجوم “بقيق” رد فعل واسع النطاق ضد فكرة خوض الحرب من أجل مصالح المملكة. ويكثف أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الضغوط على السعودية بسبب الحرب في اليمن، التي تقول الأمم المتحدة إنها أسفرت عن مقتل 7290 مدنيا، وتركت 24 مليونا في حاجة إلى المساعدات الإنسانية.
وأكدت “راندا” على أن هناك عددا من العوامل قد تسرع المفاوضات السعودية مع إيران. ولكن هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن “بن سلمان” لن يتمكن من الاعتماد على خطة إنقاذ من الولايات المتحدة إذا فشلت المفاوضات.
وقال “بارسي”: “مع تبني الولايات المتحدة لموقف عسكري أكثر تقييدا في المنطقة، وإرسال إشارات إلى أنها لن تخوض حروبا لصالح بعض حلفائها، يعيد هؤلاء الحلفاء اكتشاف فائدة الدبلوماسية. لقد كان هذا الخيار متاحا للمملكة العربية السعودية دائما، ولكن طالما ظن السعوديون أنهم يستطيعون حمل الولايات المتحدة على خوض الحروب من أجلهم، لذا لم يكن لديهم مصلحة في ممارسة الدبلوماسية”.