كيف وضع السيّد نصر الله إصبعه على الجُرح عندما كشف مُؤامرة منع عودة النّازحين السوريين والذين يقِفون خلفها؟
مقالات | 26 مايو | مأرب برس :
خطابات السيّد حسن نصر الله تأتي دائمًا حافلةً بالمعلومات والتّحليلات التي تتناول تطوّرات الأوضاع في المنطقة العربيّة، وخاصة تلك المتعلّقة بالصراع العربي الإسرائيلي، ونذر الحرب الأمريكيّة الإيرانيّة التي يقرع مسؤولون أمريكيّون طُبولها بقوة هذه الأيّام.
الخِطاب الأخير الذي ألقاه السيّد حسن نصر الله يوم أمس السبت بمُناسبة ذكرى انتصار المُقاومة التي يتزعّمها على دولة الاحتلال الإسرائيلي في مِثل هذا التاريخ قبل 19 عامًا (25 أيار 2000) لم يكُن استثناء وتضمّن العديد من النّقاط الجوهريّة، في هذا الإطار، ولكنّنا سنتوقّف في هذه الصحيفة “رأي اليوم” عند نُقطتين أساسيتين لا بُد من تسليط الأضواء عليهما:
الأولى: تأكيده، أي السيد نصر الله، على أهميّة قوّة الردع اللبنانيّة التي تُشكّل الضّمانة الحقيقيّة للبنان في هذا العالم الذي لم تعد فيه مكانة للقانون الدولي، فلولا قوّة الردع هذه لكان دونالد ترامب وهَب أجزاء من جنوب لبنان إلى العدو الإسرائيلي، كما فعل في القدس والجولان المحتلّين.
الثانية: إشارته إلى أن هُناك إصرارًا أمريكيًّا غربيًّا خليجيًّا على عدم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم قبل الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة المُتوقّعة، حيث أكّد له الرئيس بشار الأسد في مكالمةٍ بينهما أنّه مُستعدٌّ لتسهيل هذه العودة.
ما أراد السيد نصر الله قوله بالنسبة إلى النقطة الأولى، أن الطريقة المُثلى للتعاطي مع أيّ احتلال إسرائيلي ليس الذهاب إلى الأمم المتحدة، أو الانخراط في مفاوضات سلام، وإنّما السير على درب المُقاومة لأنها اللّغة الوحيدة التي تفهمها دولة الاحتلال الإسرائيلي وقادتها.
التّضحيات الكبرى التي قدّمها رجال المقاومة في جنوب لبنان هي التي غيّرت كُل المُعادلات، وأجبرت إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في حينها، على الانسحاب من طرف واحد، ودون شروط تقليصًا للخسائر، ولهذا فإنّ ما ينطبق على “الحزام الأمني” في جنوب لبنان يجب أن ينطبق على هضبة الجولان والقدس ومزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا، وكُل الأراضي العربيّة الأخرى المحتلة.
أمّا إذا انتقلنا إلى النقطة الثانية وهي عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، فإنّ أمريكا وحُلفاءها العرب والغربيين، لا يُريدون، بل ويُخطّطون لعدم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ولأطول فترة ممكنة لأنّهم يُريدون استخدام ورقتهم في إملاء إرادتهم وتغيير النظام في سورية، أيّ تحقيق ما فشِلوا فيه في الحرب من خِلال هذه الورقة الانتخابيّة.
فليس من قبيل الصّدفة أن تزداد شدّة الحِصار الخانق المفروض على سورية هذه الأيّام لزعزعة استقرار البلاد خاصّةً بعد نجاح الجيش العربي السوري في استعادة سيطرة الدولة على مُعظم الأراضي السوريّة، وبسط الأمن فيها.
ففي ذروة الأزمة السوريّة، وقبل بضعة سنوات كانت المحروقات متوفّرة، وكل البضائع الضروريّة، وبأسعار معقولة، لكن الآن الوضع اختلف كُلِّيًّا، وباتت طوابير السيارات تمتد لعدّة كيلومترات أمام محطّات الوقود، وشاهدنا الملحق التجاري في السفارة الأمريكيّة في العاصمة الأردنيّة يستدعي رجال الأعمال ويُهدّدهم بالعُقوبات إذا ما صدّروا برميلًا واحدًا من البنزين إلى سورية، وكُل هذا من أجل تقديم صورة معيشيّة سيّئة للنّازحين تدفعهم إلى التردّد في العودة طوعًا.
وربما يُفيد في الإطار نفسه الإشارة إلى أنّ هُناك ألفيّ جندي أمريكي يدعمون سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) على احتياطات النفط والغاز السوريين في شرق الفرات لمنع عودتها إلى السيادة السوريّة حتى تستمر أزمة المحروقات وتتفاقم.
النازحون السوريُون الذين تقطّعت بهم السُبل في الدول المُضيفة يريدون العودة إلى بلادهم لأنّهم باتوا يُواجهون ظروفًا وضغوطًا معيشيّةً صعبةً خاصّةً في تركيا التي يتواجد فيها حواليّ أربعة ملايين منهم، يًواجهون سياسات عنصريّة تمييزيّة مُتصاعدة من قبل أحزاب اليمين والوسط التي تُطالب بطردهم، وانعكست هذه العنصريّة بجلاء أثناء الانتخابات البلديّة الأخيرة، وكان مُفاجئًا أن الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) من بين هذه الأحزاب التي استخدمت هذه الورقة تماشيًا مع رغبات المُقترعين.
زميل عاد للتّو من لبنان أبلغنا أنّ هُناك جُنودًا أمريكيين مُتخفّين يُراقبون الحُدود اللبنانيّة السوريّة ويفتّشون السيارات ويُصادرون أيّ غالونات بنزين يُمكن أن يتم تهريبها إلى سورية، ولا نعلم مدى دقّة هذه المعلومة، ولكنّنا لا نشُك بصدقيّة هذا الزميل خاصّةً أنّه ليس من المُوالين للنّظام مُطلقًا.
المُؤامرة على سورية وفِلسطين واحدة، ومن يمنع عودة النازحين السوريين هو الذي “يُهدي” القدس والجولان المحتلّين لبنيامين نِتنياهو، وهو الذي يقف خلف مؤتمر تصفية القضيّة الفِلسطينيّة في المنامة تحت عُنوان الشّق الاقتصادي من صفقة القرن، ولهذا السّبب تتزايد شعبيّة محور المُقاومة والسيّد حسن نصر الله في الشارع العربي لأنّه بات الوحيد تقريبًا الذي يُعلّق الجرس، ويقول الحقيقة بشجاعةٍ وجُرأةٍ في وقتٍ يُحاول طمسها الكثيرون.