أسبابُ الانحراف عن المسار الصحيح للأُمَّـة
مقالات | 7 ابريل | مأرب برس :
بقلم / محمد أمين الحميري
محاولاتٌ إصلاحية كثيرةٌ داخل الأُمَّـة الإسْــلَامية؛ بُغيةَ التغيير من واقعها نحو الأفضل والسعي لرقيها ونهضتها الحضارية، قام بذلك الدور العديدُ من المفكرين والمثقفين والمصلحين المسلمين، وكان من آخرهم الشيخ محمد عبده والأُستاذ حسن البناء مؤسّس جماعة الإخوان المسلمين، وأياً كانت الإيجابياتُ التي تحقّــقت في ظل الصحوة الإسْــلَامية عموماً، إلا أن المتأملَ بعين الوعي والبصيرة سيلحظُ أن الأُمَّـة لا تزالُ تعيشُ التخبُّطَ والتيه والتخلّف بكل مسمياته.
والمؤسفُ أن كَثيراً ممن ينتمون لتيارات هذه الصحوة -بمختلف مسمياتها- قد أسهموا الإسهامَ الخاطئَ في وصولها إلى واقع منحطٍّ، وعند البحث والتأمل سنجدُ أن ثمة خللاً كبيراً في المنهجية التي يسير عليها المتصدرون لإحداث التغيير والنهوض بالأمة، فإذا كانت العودةُ إلى القُــرْآن الكريم والاعتصام به هي السبيلَ لإنقاذها وإصلاح مسارها ووصولها إلى مرحلة التمكين، وما يشهده الواقع على العكس من ذلك رغم دعوة أولئك المصلحين إلى اعتبار القُــرْآن الكريم حجرَ الزاوية في ذلك الحراك وتلك المحاولة، إلا أن المشكلةَ لا تزال قائمة، وعند النظر سنلحظُ أنها في عدم العودة الواعية والراشدة للقُــرْآن الكريم وإشراك أشياءَ أُخْــرَى معه ساعدت في حَــرْف المسار عن المهمة الأساسية في إيجاد النموذج الذي يلتف حوله الناس ويعمل على توحيد صفهم وجمع كلمتهم على ما فيه الخير للأُمَّـة وكُلٌّ مِن موقعه، فهذا لم يكن، وكان التشظّي والتنازل حاضراً وتسلُّطُ الأعداء هو سيِّدَ الموقف، وفيما يبدو، فمن أبرز أسباب الانحراف عن المسار الصحيح الذي تنشده الأُمَّـة، هو الانطلاق في فهم القُــرْآن من خلال تصورات بشرية فيها ما فيها من الصحة والخطأ، وَأَيْـضاً حشر التراث الفكري للأُمَّـة بكل مذاهبها وتوجّـهاتها الفكرية في ذات الطريق واعتبار جزءٍ كبيرٍ فيه من الدين بعلم وبجهل في ذات الوقت، وهذا وغيره كان حجرةَ عثرة أمام أي نهوض منشود..
وبعيداً عن التفاصيل، فقد وصلت الأُمَّـةُ إلى المرحلة التي فقدت معها ذاتَها، وتعدّدت السُّبُـلُ في إطارها، وكُلٌّ يبحَثُ عن الحقيقة والرقي من خلال معطياته التي يقتنعُ بها، سواءٌ أكانت معطياتٍ دينيةً أَو علمانيةً أَو قومية أَو… إلخ؛ هروباً من الدين الذي اعتبره البعضُ من أصحاب هذا التوجّـه سبباً في ذلك التأرجح وهو ليس كذلك في الحقيقة، المهم أصبحت الأُمَّـةُ أمام إسْــلَامٍ مشوَّه، إسْــلَامٍ تتعدّدُ الفصائلُ الممثلةُ له، القاسمُ المشتركُ بينها هو الفُرقةُ والنزاعُ والانقسامات المتجددة، وكان العدوّ حاضراً في واقعنا الداخلي للأُمَّـة للعمل من خلال أدواتٍ ووسائلَ متعددة؛ لتصل الأُمَّـةُ إلى مرحلة القابلية والانهزامية أمام أية مُخَطّطات تدميرية يعتزمُ تنفيذَها دون أن تكونَ منها أيَّــةُ مقاومة.
من وسط هذا الواقع المزري، وخلال الفترة الوجيزة الماضية، ظهر في اليمن السيدُ الشهيدُ حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله، داعياً إلى العَودة إلى الله من خلال القُــرْآن، ولكن -وهنا مربطُ الفرس- بعيداً عن تلك التراكمات الفكرية التي تفقِدُه خاصيتَه ككتابِ هداية ونور ومصدر إلهام للأُمَّـة في معرفة أسباب تخلّفها وكيف يمكن التغييرُ من هذا الواقع على ضوء القُــرْآن الكريم.
وَحسب قراءتنا المتجرِّدة في ملازم السيد الحوثي، فقد وجدناه -كباحثين من خارج جماعة أنصار الله- واعياً في تشخيص وضع الأُمَّـة المنحطِّ وما وصلت إليه من تخلف، وأن الخَلاصَ من هذا الحال لا بُـدَّ أن يكونَ من خلال العودة إلى القُــرْآن الكريم.. عودة واعية شمولية في مسارِها النظري كاستيعاب وفهم وتدبر، وفي مسارها العملي في اتّخاذ كُــلّ التدابير التي من شأنها بناءُ أُمَّـة مستقلّة متحرّرة من الطواغيت، وفي ذات الوقت تأخُذُ بكل الأسباب المعنوية والمادية في سبيل التغيير نحو الأفضل وتحقيق النهوض بمسؤولية عالية، وهذا في نظري تشخيصٌ دقيقٌ، جميعُنا في إطارِ الأُمَّـةِ يؤمنُ به، ولكن ثمة عوائقُ متعددةٌ تمنعُ من إبراز مشروع عملي يقوم على هذا الأساس لأسباب سبقتِ الإشارةُ لبعضها، وبما أن هذا المشروعَ يؤتي ثمارَه اليانعةَ اليومَ على كُلِّ الأصعدة، فلا داعيَ للاستمرار في التشخيص والعمل القاصِر، فجديرٌ التعاطي معه بإيجابيةٍ والالتفافُ حولَه بجدية.
مختلفُ الحقائق الشرعية والواقعية والعقلية تدفعُنا للتعاطي المَرِن والصحيح مع هذا المشروع ليس في اليمن فحسب، وإنما في إطار الأُمَّـةِ كُلِّها، وحسب متابعتنا وقلتُه أَكثر من مرة: فالقراءةُ للمشروع والمشهد اليمني اليوم بعامة من منطلق طائفي أَو حزبي ضيِّق لن يصلَ أصحابُها إلى طريق وسيصل الجميع إلى طريق مسدود؛ لذا فنحن وخَاصَّـةً في إطار بعض الجماعات التي أولت النهوضَ بالأمة اهتمامَها الكبير، ولم تحدث أيُّ تقدم رائد، والحالُ هو الحالُ، والصولةُ والجولةُ هي للطغاة والمستبدين المتسلطين من أعداء الأُمَّـة من خارجها ومن داخلها على حَــدٍّ سواء، نحن معنيون باستيعاب أبعاد هذا المشروع والنظرة الثاقبة في أدبياته ومقرّراته التي أصبحت اليومَ في متناول عموم أبناء الشعب، ونتواجدُ بالشكل اللائق في واقع نحن جزءٌ منه، القضيةُ اليوم على مستوى الأُمَّـة كلِّها أصبحت واضحةً، وأصبحنا أمام فسطاطين حَـقّ وباطل، وفي الوقت الذي يعملُ فيه الباطلُ المتعددُ جنودُه على طمس هُويتنا كأُمّة والنيل من كرامتنا واستهداف مقدساتنا واستعمار شعوبنا، هناك مَن يقفُ في وجه هذا التوجّـه الأرعن، هناك مَن يعيدُ الأُمَّـةَ إلى وضعِها الطبيعي الذي ينبغي أن تكونَ عليه من خلال القُــرْآن، والقُــرْآنُ الكريمُ هو العاملُ الوحيدُ الذي سيجمعُنا إنْ كنا حقًّا نؤمنُ به كدستور ومهيمنٍ على غيره.
إني لأَستغرِبُ ممن لا يزال يدُسُّ رأسَه بين قدمَيه حينما يُدْعَى إلى القُــرْآن وتحكيمه في كُــلّ الأمور والقضايا محل خلاف، فهذا في الحقيقة من الإعراض والتهرّب اللا مسؤول، أنا هنا لا أريدُ أن أدخُلَ في التفاصيل حول المشروع الذي دعا له السيدُ حسين الحوثي واكتفيت بإبراز صوابية ما دعا إليه وسلامةِ توجّـهِ مَن جعل من القُــرْآن هادياً ومرشداً له في الطريق نحو النهوض.
الذي ألفت الانتباهَ إليه أَكثرَ، هو أننا بحاجة إلى الاقتراب من بعض وإنْ اختلفنا في بعض الجزئيات، بحاجة إلى الالتفاف حول ما فيه صلاحُ أحوالنا ورقينا كشعبٍ يمني وكأُمَّة لا بُـدَّ أن تكونَ قويةً متماسكةً، ولكُلٍّ وسائلُه وطرُقُه في التعبير عن آرائه، لكُلٍّ توجّـهُه، لكن لنلتفْ حول رؤية واعية ومنهجية قويمة ومحدّدات سليمة تضمنُ لنا كأُمَّة العودةَ إلى الرُّشد في طريقةِ تفكيرِنا وطريقةِ انطلاقنا وعملنا فيحصل التآلُفُ والتعاوُنُ والتكامل، لا يصحُّ بأي حال من الأحوال أن يسلكَ البعضُ مسلكَ التهم الداكنة والرغبة الجامحة في التخلص من مشروعٍ يدعو الناسَ إلى التمسُّك بكتاب الله وهو لم يكلف نفسَه القراءةَ الواعية له؛ أَو لأَنَّ مَن يأتي في رأس هذا المشروع شخصياتٌ من غير البيئة المعتادة أَو التوجّـهِ الذي ينتمي إليه، هذا خطأٌ، ومما يجعلنا كتياراتٍ يمنية بكل توجّـهاتِها الفكرية نلتفُّ حول هذا المشروع، هو أن هذا المشروع بات مشروعاً قوياً وفي تنامٍ مستمرّ، مشروعاً يتبنى تطلعاتِ اليمن السامية على كُــلّ الأصعدة داخليًّا وخارجيًّا، ومِن نقاط القُــوَّة التي ستضمَنُ لنا الإسهامَ الفاعلَ في إطاره هو أنه لم يكن ثورةً فكريةً على تراث فكري لجماعات معينة، وإنما ثورةٌ فكريةٌ حتى في الإطار الزيدي الذي كان ينتمي إليه السيدُ حسين الحوثي، وقد كان الرأيُ الذي استقر عليه هو في ضرورة العودة إلى القُــرْآن الكريم وفهمِه على النحو الذي ينسجمُ مع أحكامِه ومقرّراته، ويتوافقُ وربانيةَ المصدر الذي هو اللهُ الحكيمُ الخبير العالم بما يصلح لعباده المؤمنين المتقين.
كلي ثقة أن ثمة مَن سيغيِّرُ من قناعاته ويبدأُ في التصحيح والمراجعة، وفي الأخير نحن عندما نُفصِحُ بهذا الكلام نحن نتعبَّــدُ اللهَ به، دونما خوفٍ أَو إملاء من أحد، وليس نتيجة نظرة قاصرة أَو كما يقول بعض المهووسين “مغرّر بهم” لا، لا…!! هذا من المعروف الذي تجبُ علينا الدعوةُ إليه، نتعبَّدُ اللهَ به أَيْـضاً؛ لأَنَّه حراك يقودُنا نحوَه، ونحو التمسُّك بديننا الذي ارتضاه لنا وفيه عِزُّنا ونهضتُنا، كما أن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة ومِن أعظم الظلم التضليلُ والتزييفُ للحقائق رغم وضوحها وتجلِّيها المستمرّ.
واللهُ الموفِّــقُ وَالهادي إلى سواء السبيل