تصاعد وتيرة “الإعدامات السياسية” بالسعودية
متابعات | 30 مارس | مأرب برس :
دوما ما يحاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، استرضاء الدول الغربية ومحاولة تحسين صورة المملكة، تارة بالزيارات، وأخرى بالتصريحات التي يدّعي فيها إجراء إصلاحات بالمملكة، إلا أن خططه سريعا ما تفشل حين تصطدم بالواقع، لأنه يعطي وعودا لا يستطيع الوفاء بها، وهذا ما حدث تحديدا بشأن تنفيذ الإعدامات التي ارتفع معدل تنفيذها في المملكة وسط طوابير من المهددين بتطبيق تلك العقوبات عليهم، رغم إعلانه بأنه سيقلل من استخدامها.
ووصف مراقبون وحقوقيون أحكام الإعدام التي تصدرها المملكة السعودية بأنها عملية قتل مجردة، ولا يوجد بها اعتبار للقضاء أو للمحامين، في بلد هو الوحيد الذي يصدر حكما بالقتل بسبب تغريدة عبر “تويتر”، مشيرين إلى أن التنديدات شديدة اللهجة بعقوبة الإعدام التي يتمسك بها النظام السعودي لا تتوقف رغم أن النظام يصم الآذان عن المطالبات بإلغائها.
نقض الوعود
يبدو أن “بن سلمان” نقض وعوده التي أعلنها العام الماضي عبر مجلة “التايم” الأمريكية، التي تصدر بنسخة أوربية وآسيوية وكندية، بأنه سيتم التقليل من عقوبة الإعدام إلى حد كبير وفقا لمبادرة يتم العمل عليها، لتعلن مجلة “إنسايدر” بعدها، أن السعودية ستحطّم رقما قياسيا جديدا خلال العام 2019 في تنفيذ عقوبة الإعدام، استنادا إلى إحصاءات لمنظمات حقوقية.
وبحسب المجلة، فإن السعودية نفذت 43 حكما بالإعدام منذ الأول من يناير/كانون الثاني وحتى منتصف الشهر الجاري، وهو ما يعد ارتفاعا ملحوظا في تنفيذ أحكام الإعدام في المملكة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع المسؤولين خلال العام 2015 إلى فتح باب التوظيف أمام الراغبين في الالتحاق بفريق الجلادين.
ولم يشترط الإعلان استيفاء المترشحين أي مؤهلات أو مهارات، واكتفى بالقول إن من سيوظف “سينفذ أحكام الإعدام”.
عقوبة سياسية
وفي بيان مشترك قدمته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمتي “ADHRB” و”سلام”، في مجلس حقوق الإنسان، أكدوا أن الحكومة السعودية تستغل عقوبة الإعدام بشكل سياسي، مشيرة إلى أن المملكة تستغل مجلس حقوق الإنسان وعضويتها فيه لتبرير انتهاكاتها وتزوير الحقائق، فيما يشهد الواقع تدهورا غير مسبوق.
وقالت الباحثة في المنظمة الأوروبية السعودية دعاء دهيني، إنه منذ بداية 2019، أعدمت السعودية 44 شخصا، نصفهم لم يواجهوا تهما من التي تصنف ضمن الأشد خطورة في القانون الدولي، فيما لا يزال أكثر من 60 شخصا يواجهون خطر الإعدام على الرغم من إفتقار محاكمتهم لشروط العدالة، وبينهم 8 أطفال على الأقل.
وأفاد التقرير السنوي للمنظمة الأوربية بشأن عقوبة الإعدام، بأن السعودية استخدمت خلال السنوات الأخيرة أحكام الإعدام السياسية ضد نشطاء من المنطقة الشرقية في البلاد، وذلك من خلال تلفيق تهم بالعنف، ووسعت نطاق العقوبة حتى من دون تلفيق تهم عنف، لتجعل من الإعدام أداة ترهيب سياسي. وبالتالي، تم إستهداف قطاعات جديدة من المجتمع المدني من خلال عقوبة الإعدام، بمن في ذلك المدافعات عن حقوق الإنسان ورجال الدين والنقاد.
وتأتي هذه التقارير في وقت تشهد فيه المملكة اضطرابات داخلية حادة على خلفية حملات الاعتقالات التي تشنها السلطات السعودية ضد المعارضين والنشطاء لسياسة ولي العهد محمد بن سلمان، والتي أتبعها محاكمات صورية طالبت فيها النيابة العامة في المملكة بالإعدام لمعارضين ودعاة، والتي كانت محل انتقادات وتحذيرات حقوقية دولية.
حملة ترويجية
وعلى خليفية الأحكام التعسفية المتمثلة في التوظيف السياسي لعقوبة الإعدام ضد النشطاء والمفكرين في السعودية، عُقد مؤتمرا صحفيا في جنيف السويسرية منتصف الشهر الجاري، قالت دهيني، إن “هذه الأرقام تأتي على الرغم من وعود ولي العهد محمد بن سلمان في أبريل/نيسان 2018 بتقليصها إلى الحد الأدنى، ما يثبت أن تصريحه لم يكن سوى جزءا من حملته الترويجية لما أطلق عليه مسمى (إصلاحات)”، مشيرة إلى تزايد الإستخدام السياسي لعقوبة الإعدام.
ومن جانبه، فوّض عبد الله العودة، ابن الداعية السعودي سلمان العودة، المحامي الدولي “فرانسويز زيمراي” خلال المؤتمر، للعمل القانوني دفاعا عن والده، بعد أن كشف ما تعرض له والده في المعتقل وطلب النيابة العامة بإعدامه، من بعدما اعتقل في سبتمبر/أيلول 2017، وقارن بين ما حصل لصديقه الصحفي جمال خاشقجي وما تريد السلطات السعودية أن تقوم به ضد والده.
العودة وفي مداخلة مسجلة، انتقد الاتهامات التي يواجهها والده في السجن، مؤكدا أن كل ما قام به هو أنه طالب بالإصلاحات الحقيقية عبر “تويتر”، وأشاد بأهمية أن تشمل “المساعي الدولية حماية جميع المعتقلين والمعتقلات وبينهم لجين الهذلول وعزيزة اليوسف اللواتي حولن أخيراً إلى المحاكمة”.
وعقب حصوله على توكيل للدفاع عن العودة، أفصح المحامي الدولي “فرانسويز زيمراي”، عن توجهه لطلب زيارة لموكله سلمان العودة، للدفاع عنه بشكل قانوني ولضمان حصوله على كامل حقوقه، لافتا إلى أن ما يحدث في “السعودية ليست إنتهاكات عادية، وعليه يرى أهمية مواجهة النظام لا الدولة، لأن هذا النظام هو الذي يسمح لأفراد ليسوا مؤهلين حقا ليكونوا قضاة، ليحكموا على الناس بالقتل”.
اضطهاد قضائي
السلطات السعودية أوقفت العودة في 10 سبتمبر/أيلول 2017، ضمن حملة توقيفات شملت عددا من العلماء والكتاب، وذلك عقب وقت قصير من تدوينة دعا الله فيها أن “يؤلف القلوب”، على خلفية تقارير عن مصالحة محتملة بين دول الأزمة الخليجية.
وفي سبتمبر/أيلول 2018، انطلقت محاكمة العودة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، وطالبت النيابة السعودية باستصدار حكم بالإعدام ضده بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”، وفق ما ذكر نجله عبد الله وتقارير صحفية آنذاك.
وقد أصدر محامو العودة الفرنسيون بيانا سابقا في باريس، أكدوا فيه أن محاكمته “تندرج في إطار سياسة اضطهاد قضائي تقوم بها السعودية ضد مثقفين يمارسون حقهم في حرية التعبير والرأي”.
وفي 6 مارس/آذار الجاري، أعلن عبد الله نجل الداعية السعودي سلمان العودة أن الجلسة السرية التي كانت مقررة لمحاكمة والده -والتي تأجلت ثلاث مرات- انعقدت دون حضور والده.
وقال في تغريدة له على حسابه في “تويتر”، إن النائب العام أكد خلال الجلسة طلبه السابق بقتل والده تعزيرا، بناء على تهم وصفها بـ”الفضفاضة” تتعلق بتغريدات وبنشاط والده العلمي والثقافي.
القضاء أداة الحاكم
قال رئيس منظمة “القسط” لحقوق الإنسان الناشط الحقوقي يحيى عسيري، إن الإعدامات زادت في السعودية بشكل ملحوظ منذ وصول الملك سلمان إلى الحكم، وزاد الاستهتار في تنفيذ تلك العقوبة، مشيرا إلى أن السلطات السعودية تعتمد في كثير من الاعدامات على سياسة الإعدام تعزيزا، وهو ما يعني أنه لا يوجد حكم قضائي ولا شرعي ولا قانوني، لتنفيذ العقوبة، وإنما هو باجتهاد القاضي.
وأضاف في حديثه لـ”الاستقلال” أن “السعودية لا يوجد بها قضاة لديهم التأهيل والصلاحية ليحكموا في رقاب الناس، وحياتهم، ولذلك يستخدم القضاء سياسيا داخل السعودية، وتستخدمه السلطات كيفما تريد لأنه مجرد أداة سياسية تتلاعب بها السلطات”.
وتابع عسيري: “لذلك نحن نرفض عقوبة الإعدام في السعودية، ونريد إيقافها لأنها في يد من لا يؤتمن على رقاب الناس”، مستطردا: “أما الإعدام القصاص، فهناك تفريط أيضا في تطبيق هذه العقوبة، وكثير من الأشخاص لم يواجهوا محاكمة عادلة، رغم أن البعض قالوا إن الحكم شرعي، بينما لم يكن هناك محام أو مترجم في عدد من حالات العمالة الأجنبية وغيرها”.
وأكد أن السعودية يطبق فيها حكم الإعدام على الضعفاء، بينما أبناء القبائل الكبيرة تكون هناك حالة من الاستنفار في حال صدر حكم مثل هذا ويتم التوسط له لإخراجه بالأموال، متابعا: “الأسوأ من هذا كله أن لو ارتكب الجريمة أحد من أبناء الأسرة الحاكمة، فسوف ينجو ويطبق الإعدام بحق شخص آخر في عملية تلاعب بالقصاص، ولذلك لا يمكن القول إنها عقوبة شرعية”.
وأكد الناشط الحقوقي السعودي، أن “المشكلة في عقوبة الإعدام أنها الغلطة الحقوقية التي لا يمكن التراجع عنها، لأنه عندما يفقد الشخص حياته بسبب ظلم من القاضي أو تقارير كاذبة أو أقوال منتزعة تحت التهديد لا يمكن التراجع عنها”.
وأضاف: “إذا قال أحد إنه مع الإعدام لأنه أمر شرعي، فعليه أولا أن يطالب بإعدام من أصدروا أوامر بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”، مشيرا إلى أن “إبقاء الإعدام بيد سلطات غير مستأمنة على أموال الناس، فكيف تستأمن على دمائهم”.
حماية بن سلمان
وفيما يخص قضية خاشقجي، نشرت “الجارديان” موضوعا لمارتن شولوف – محرر شؤون الشرق الأوسط- في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عنوانه “السعوديون يسعون لحماية ولي العهد بالسعي لإصدار حكم الإعدام في قتل خاشقجي”.
وقال شولوف، إن الادعاء العام في السعودية أعلن نيته المطالبة بإعدام 5 من المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال خاشقجي، سواء عبر إصدار الأوامر أو التنفيذ، معتبرا أن هذه الخطوة هي الأحدث في مسلسل تسعى من خلاله السلطات السعودية إلى إبعاد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد والحاكم الفعلي للبلاد عن الجريمة البشعة.
وأضاف أن “المتحدث باسم المدعي العام السعودي، قال إن الأمير محمد بن سلمان ليس متورطا في الجريمة، مطالبا تركيا بتسليم الأشرطة والتسجيلات التي تمتلكها وتوثق عملية الاغتيال”.
نساء للإعدام
ولم تسلم نساء السعودية من تطبيق عقوبة الإعدام، فقد أكد قبل أيام حساب “معتقلي الرأي” المتخصص بنقل أخبار المعتقلين السعوديين، أن السلطات السعودية تستعد لإصدار حكم الإعدام على الناشطة السعودية إسراء الغمغام، المعتقلة مع زوجها موسى الهاشم بعد دهم منزلهما في القطيف ذات الغالبية الشيعية في المملكة.
وكانت النيابة العامة السعودية قد طالبت في أغسطس/آب الماضي، بإعدام “الغمام”، حيث تتعلق التهمة الموجهة لها بالتوثيق والمشاركة منذ عام 2011 في مظاهرات تطالب برفع “الإجحاف” عن المنطقة الشرقية التي تعتبر القطيف أكبر مدنها. وهذا مطلب تعتبره السلطات “خيانة”.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن “التهم الموجهة إليها هي: المشاركة في المسيرات والمظاهرات في منطقة القطيف، والتحريض على التظاهر، وترديد عبارات مناوئة للدولة، ومحاولة التأثير في الرأي العام وضد السلطة، وتصوير المسيرات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوفير الدعم المعنوي للمشاركين في التجمعات”.
شذزوى الصلاح
صحيفة الاستقلال