خلافات سلمان- ابن سلمان: حقيقة أم خطّة مدروسة؟
مقالات | 20 مارس | مأرب برس :
بعد أسبوعين على نشرها مقالاً تطرّقت فيه إلى مؤشرات على توسع الصدع بين الملك سلمان وولي عهده، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً جديداً غذّى هذه الشائعات متحدّثةً عن تجريد الملك سلمان للصلاحيات الماليّة لولي عهده وإسنادها لمساعده العيبان، أحد كبار مستشاري الملك ومسؤول الأمن القومي.
الكلام الجديد لا يخرج عن أمرين، إما هذه التقارير صحيحة، وهناك خلافات حقيقية بين الملك سلمان ونجله محمّد، أو أنها مفتعلة من قبل ولي العهد نفسه الذي يمتلك باعاً طويلاً في مثل هذه الأمور، وهذا ما سنتطرّق إليه في ثنايا هذا المقال.
خلافات حقيقة
يمرّ حوالي الشهر على آخر ظهور لابن سلمان الذي كان بتاريخ 22 فبراير، إثر خبر أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس)، حول استقباله من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، في العاصمة بكين ضمن جولة آسيوية، فهل هناك خلافات حقيقية؟
يستند أصحاب هذا الرأي إلى الأزمة التي عصفت بالسعوديّة بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، والإعفاءات التي أصدرها الملك سلمان المرتبطة بالفريق المقرّب من ولي العهد، ولاحقاً غياب محمد بن سلمان عن استقبال والده لدى عودته إلى البلاد من زيارته الأخيرة إلى مصر، بعد تسريب الصحيفة البريطانية نفسها خطة لمحمد بن سلمان للإطاحة بوالده خلال سفره للمشاركة بالقمة العربية الأوروبية .
من غير المستبعد وجود خلافات بعد أن علم الملك سلمان بحقيقة الوضع السعودي إثر قضيّة خاشقجي، ولاسيّما أن الأمير ابن سلمان كان يمسك جيّداً بالفريق الذي يعيش مع الملك، وهم من رجالات ابن سلمان.
الملك المريض البالغ من العمر 82 سنة كان آخر من علم بقضيّة خاشقجي، وفق مراقبين، وممنوع على أيّ أمير أن يختلي بالملك دون وجود فريق الابن، ولكن بعد قضيّة خاشقجي، وتورّط الأمير ابن سلمان مع صهر ترامب كوشنير في تصفية القضيّة الفلسطينية وغيرها من القضايا الخلافية في اليمن وغيرها، امتعض الملك سلمان من تصرّفات نجله، كما أن تعنّت الرجل وإصراره على المضيّ قدماً بمشاريعه عزّز من هذه الخلافات.
أدرك ابن سلمان خطورة هذا الأمر، وقام بتعيين نجله خالد نائباً لوزير الدفاع، رغم أن الخطوة تحمل في شقّها الثاني، أي تعيين امرأة كسفيرة في واشنطن بصمات ابن سلمان.
لا شكّ أن هذه الخلافات ومهما علت لن تصل إلى حدّ عزل ابن سلمان أو تجريده من أيّ سلطة سياديّة، نظراً لأن إضعاف ابن سلمان سيؤدي إلى خروج كرسي العرش عن سلمانيّته، وبالتالي قد يُفهم من جلب الأمير خالد للداخل خطوةً لتعيينه لاحقاً ولياً لولي العهد، وبعدها ولي العهد، في حال احتراق أوراق الأمير محمد.
ولكن الأمير خالد حتّى الساعة لم يتمّ تعينه وزيراً للدفاع حتّى، فضلاً عن رئاسة أي من المجالس السياسية أو الاقتصادية، ناهيك عن ولاية العهد الثانيّة، فهل هذه الخلافات وهميّة؟ وهل يقف ابن سلمان نفسه خلف هذه المخططات؟
خلافات وهميّة
رغم أن هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى وجود خلافات وتباين في وجهات النظر بين الملك سلمان وولي العهد على أكثر من صعيد، إلا أنّه لا يمكن التغافل عن كون هذه المعلومات والخلافات وهمية ومصطنعة يسعى من خلالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتحقيق أهداف سياسيّة، فما هي الأهداف السياسيّة؟
بدا غريباً نوعاً ما أن تتوجّه صحيفة الغادريان البريطانيّة بالسؤال للسفارة السعوديّة في واشنطن، وما بدا أكثر غرابةً هو عدم الردّ من قبل السفارة، التي كان بإمكانها النفي حتى لو كان الأمر صحيحاً كما حصل في قضيّة خاشقجي وغيرها الكثير.
هذا الصمت يذكّرنا بسياسة ابن سلمان بعد الأنباء التي تحدّثت عن مقتله واختفائه الغامض والخروج بعدها بسيناريو الريتز، فما هي الغاية من هذا التصرّف اليوم؟
إن السؤال الموجّه إلى السفارة السعودية في واشنطن يشير إلى نيّة مبيّته لتضخيم هذا الأمر في الداخل الأمريكي.
وأما أن تكون الصحيفة بريطانية لا أمريكية، فربما لإضفاء نوع أكبر من المصداقية على الخبر في الداخل الأمريكي، لاسيّما في ظل الحديث عن تمويل ابن سلمان لمؤسسات ومراكز بحثية أمريكية لتلميع صورته.
هناك ضغط كبير من الكونغرس على الرئيس ترامب لمعاقبة ابن سلمان بعد حادثة خاشقجي، ومن خلال هذا السيناريو يسعى ابن سلمان للتخفيف من وطأة ضغط الكونغرس، والحدّ من المشاريع المقدّمة من قبل النواب لمعاقبته على حادثة خاشقجي.
لا نعتقد أن مثل هذه التسريبات، وحتى إن صحّت، ستحدّ من أيّ تحرّكات لمعاقبة ابن سلمان، بل على الأقل لا بدّ من صدور قرار رسمي من الملك يحدّ من سطوة ابن سلمان، لا أن يكون الأمر تسريبات أو أحاديث صحيفة، ولا أن تكون العقوبات هي إعفاء صلاحيات اقتصاديّة غير معلومة، فهل المقصود رئاسة مجلس الشؤون الاقتصاديّة، تمويل 2030 أم الأمور الإجرائية التي لا تؤثر في الواقع على سطوة ابن سلمان أو تحدّ منها.
لا ندري حقيقة الخلافات، ولكن حتى إن صحّت فهي مبالغ فيها، فالأمير محمد بن سلمان هو الملك الفعلي للبلاد، وقد دعمه الملك سلمان في أعقاب مقتل خاشقجي، ولم يقوّض أيّاً من سلطاته في رسالة قوية بأنه لا يزال يدعمه.