حروب اميركا وبريطانيا وفرنسا من فيتنام الى سوريا واليمن (1)

مقالات | 20 يناير | مأرب برس :

بقلم / أحمد الحبيشي :

فقدت فيتنام استقلالها تدريجيا عندما أقدمت فرنسا على سلسلة من الغزوات العسكرية منذ عام 1859 حتى عام 1885 حيث أصبحت البلاد كلها جزءا من مستعمرات الهند الصينية الفرنسية. وفرضت الإدارة الفرنسية تغييرات سياسية وثقافية واقتصادية هامة في المجتمع الفيتنامي على النمط الأوروبي الحديث في الدول الغربية. وظلت فرنسا مهيمنة على تلك المستعمرات حتى الحرب العالمية الثانية ، عندما سعت اليابان في الحرب العالمية الثانية للسيطرة على المحيط الهادي وغزو الهند الصينية الفرنسية سنة 1941.
من نافل القول ان الإمبراطورية اليابانية قامت باستغلال الموارد الطبيعية في فيتنام ، وتوظيفها لخدمة جيوشها في الحملات العسكرية على المستعمرات البريطانية في الهند الصينية ، من بورما الى شبه جزيرة الملايو والهند.
بعد استسلام الإمبراطورية اليابانية ، وانتهاء الحرب العالمية الثانية قررت فرنسا استعادة مستعمرات الهند الصينية الفرنسية التي كانت تابعةً لها في السابق قبل أنْ تنتزعها اليابان منها ، فحاولت السيطرة على فيتنام ، لكنها جوبهت بمقاومة شعبية قادتها أقلية عقائدية منظمة من الشيوعيين تحت شعارات تحررية وطنية دفاعا عن السيادة والاستقلال.
وخلال حقبة الخمسينيات تداخلت الحرب الهندو صينية الأولى مع الحرب الباردة، فقدمت جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي الدعم لجمهورية فيتنام الديمقراطية التي أسسها هو تشي منه في شمال فيتنام بعد الحرب العالمية الثانية وتقع عاصمتها في هانوي ولم تكن عضوا في الأمم المتحدة ، فيما قدمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ، الدعم لما كانت تسمى (حكومة فيتنام الشرعية) التي تقع عاصمتها في سايغون والمعترف بها دوليا !!.
في هذا السياق أدى اندلاع الحرب الكورية في يونيو 1950، إلى إقناع العديد من صانعي القرار في الولايات المتحدة بأن الحرب في الهند الصينية هي مثال للتوسع الشيوعي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي بهدف تعزيز نفوذه في المنطقة.
في يوليو 1950، أرسلت جمهورية الصين الشعبية بعض الأسلحة والخبرات والمعارف العسكرية لمساعدة المقاومين الفيتناميين الذين تحولوا بعد ذلك من مقاومة شعبية تقودها الجبهة الوطنية لتحرير فيتنام ، إلى جيش منظم يجمع بين التكتيكات النظامية وأساليب الجيل الثالث من الحروب الشعبية غير التماثلية ، تحت مسمى جيش التحرير الشعبي الفيتنامي بقيادة الجنرال الأسطوري نجوين جياب.
وفي سبتمبر 1950 ، أنشأت الولايات المتحدة مجموعة مساعدة وإرشاد لفحص طلبات المساعدة الفرنسية ، وتقديم المشورة الاستراتيجية للفرنسيين، وتدريب الجنود الفيتناميين الجنوبيين تحت مُسمّى (الجيش الوطني).. وبحلول عام 1954، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار أمريكي ، لدعم الجهود العسكرية الفرنسية حيث بلغت 80% من تكلفة الحرب.
كانت هناك محادثات بين الفرنسيين والأمريكيين حول إمكانية استخدام ثلاثة أسلحة نووية تكتيكية ، على الرغم من التعارض في التقارير حول مدى جدية استخدام الأسلحة النووية التكتيكية.
وفقا لنائب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ، تضمنت الخطة التي وضعها رؤساء الأركان المشتركة استخدام ثلاثة أسلحة نووية تكتيكية صغيرة دعما للفرنسيين.. كما اقترح ريتشارد نيكسون إرسال جنود من الجيش الأمريكي إلى فيتنام.
أما الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور فجعل المشاركة الأمريكية في فيتنام متوقفة على الدعم البريطاني ، إلا أن البريطانيين كانوا معارضين للتدخل الواسع في فيتنام.. ولذلك قرر آيزنهاور معارضة التدخل العسكري الأمريكي بسبب خوفه من توريط الولايات المتحدة في حرب برية وسط آسيا . وطوال فترة الصراع ظلت تقديرات الاستخبارات الأمريكية تشكك في فرص النجاح الفرنسية.
أثناء معركة ديان بيان فو الشهيرة أجرت الولايات المتحدة العديد من الرحلات الاستطلاعية لمساعدة الفرنسيين.. وفي 7 مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في معركة ديان بيان فو. وشكلت هذه الهزيمة نهاية التدخل العسكري الفرنسي في الهند الصينية.
في مؤتمر جنيف عام 1954، تفاوض الفرنسيون بعد وصول الجنرال ديجول الى السلطة في الانتخابات الرئاسيه ، على اتفاق لوقف إطلاق النار مع الفيتناميين وتم منح الاستقلال لكمبوديا ولاوس وفيتنام.
وخلال مؤتمر جنيف عام 1954 ، تم تقسيم فيتنام مؤقتًا إلى شطرين يفصل بينهما خط العرض 17 حتى تجرى الانتخابات العامة في 1956 لإنشاء حكومة موحدة وتوحيد فيتنام.
كان هو تشي منه يرغب في مواصلة الحرب في الجنوب ، لكن تم تقييده من قبل حلفائه السوفييت والصينيين الذين أقنعوه بأنه يمكن أن يوحد فيتنام ويسيطر عليها من خلال الانتخابات.
ألغيت الانتخابات العامة من قبل الرئيس الفيتنامي الجنوبي، الذي كان يخشى من انتصار الشيوعية عبر الانتخابات.
في هذه الفترة كان باو داي امبراطورا لفيتنام الجنوبية ونغو دينه دي م رئيسًا للوزراء. ولم توقع أي من حكومة الولايات المتحدة ولا حكومة نغو دينه ديم على أي شيء في مؤتمر جنيف لعام 1954.
اعترض الوفد الفيتنامي الجنوبي بشدة على أي تقسيم لفيتنام ، لكنه خسر عندما قبل حلفاؤه الفرنسيون اقتراحاً أممياً ينص على أن تتحد فيتنام في نهاية الانتخابات تحت إشراف ما تسمى «الهيئات المحلية» ، وهو تكتيك امريكي بريطاني فرنسي استعماري حاول المبعوث الأممي ديمستورا أحياءه في شمال سوريا وشرق حلب وغوطة دمشق وتدمر أواخر عام 2017 قبل أن تستعيد الدولة السورية سيطرتها على هذه المناطق ، فيما دعا الى تطبيقه في اليمن الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع الاميركي أواخر عام 2018 تحت مسمى (مناطق الحكم الذاتي) على نحو ما سنأتي اليه في حلقة قادمة لاحقا.
عرضت الولايات المتحدة «خطة أمريكية» نصت على أن تكون انتخابات توحيد فيتنام تحت إشراف الأمم المتحدة ، وكانت ملغمة بأفكار ومشاريع استعمارية تستهدف وضع فيتنام تحت الوصاية الاستعمارية من خلال ما كانت تسمى (الحكومة الشرعية) والأحزاب الليبرالية المؤيدة لها ، وصولا الى تقسيم فيتنام الى كانتونات عرقية ودينية في إطار دولة اتحادية هشة .
تلقت «الخطة الأمريكية» القبول والدعم من حكومتي جنوب فيتنام والمملكة المتحدة. ولكن الاتحاد السوفياتي رفضها بكل حزم ، من خلال استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن .. حيث كان الموقف السوفييتي الرافض لمخطط فرض وصاية الدول الاستعمارية على الشعب الفيتنامي ، ومصادرة قراره الوطني ، وتفكيك البلاد وتقسيمها الى كانتونات اتحادية هشة ، يتطابق مع مصالح وآمال الشعب الفيتنامي وحركته التحررية الوطنية.
خلال الفترة من أبريل إلى يونيو 1955 ، ألغى رئيس فيتنام الجنوبية نغو دينه ديم أي معارضة سياسية في الجنوب من خلال شن عمليات عسكرية ضد العديد من الجماعات الدينية البوذية التي كانت متحالفة مع الجبهة الوطنية المتحدة لتحرير فيتنام ولديها بعض العناصر العسكرية المقاتلة دفاعا عن الاستقلال والسيادة الوطنية.
ومع تصاعد عدد المعارضين لأساليب نغو دينه ديم القاسية ، سعى نغو دينه ديم بشكل متزايد لإلقاء اللوم على الشيوعيين.
اللافت للنظر أن نظرية الدومينو سيطرت على التفكير الاستراتيجي الاميركي الذي كان يقف وراء التدخل العسكري في فيتنام ، من خلال تحالف عسكري اقليمي بقيادة اميركا وبدعم بريطاني وفرنسي.
وبموجب نظرية الدومينو ، إذا تشابهت دول اقليمية في نظام الحكم ، فإن أي تغيير في نظام إحدى الدول سيؤدي إلى تغييرات متتالية في بقية الأنظمة ، وقد ترجمتها السياسة الأمريكية على الشكل التالي:
( إذا سقطت فيتنام في أيدي الشيوعيين، فهذا سيؤدي إلى سقوط الأنظمة الأخرى في الهند الصينية في أيدي الشيوعيين أيضاً ).. فيما قال الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور معبراً عن نظرية الدومينو في مؤتمر صحفي له عقده في 7 أبريل عام 1954 ، أنه (يمكن أن يتفكك النفوذ الشيوعي في الهند الصينية إذا أنقذنا فيتنام الجنوبية من الغزو الشيوعي ، وإذا تركنا فيتنام للسيطرة الشيوعية فإن ذلك سيؤدي إلى انتصارات شيوعية مماثلة في الدول المجاورة في جنوب شرق آسيا «بما في ذلك لاووس وكمبوديا وتايلاند» وغيرها مثل « الهند، اليابان، الفليبين، إندونيسيا» ، وصولا الى «أستراليا ونيوزيلندا « ، فالعواقب المحتملة لفقدان الهند الصينية لا تحصى بالنسبة للعالم الحر ) بحسب قول ايزنهاور.
وقبل وصوله الى السلطة حذر الرئيس جون كينيدي عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك في خطاب ألقاه أمام أصدقاء أميركا في فيتنام كلا من (بورما وتايلاند واليابان والفلبين) قائلا:
من الواضح أن لاوس وكمبوديا من بين أولئك الذين سيتعرض أمنهم للتهديد إذا غمر المد الأحمر الشيوعي فيتنام !!
يتبع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى