هل حان سؤال انهيار السعوديّة؟
مقالات | 21 اكتوبر | مأرب برس :
بقلم / فؤاد إبراهيم :
لم يكن مجازفاً جون حنّا -مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني-، حين طرح السؤال الآتي: هل ستقدم الولايات المتحدة المساعدة إذَا بدأت السعوديّة بالتفكك؟ في مقالة نُشرت في مجلة «فورين بوليسي» في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أي بعد مرور تسعة أشهر على اعتلاء سلمان العرش، نبّه حنّا إدارَة أوباما إلى مؤشرات انهيار السعوديّة، من قبيل تراجع أسعار النفط، أخطاء السياسة الخارجية، وتزايد التوتر مع إيران. وفي الحاصل، من وجهة نظر حنّا، إن تظافر الاقترافات يرقى إلى مستوى التهديد الوجودي للنظام السعوديّ. في تقديره، ما لم تُدَر الأزمات بنحو صحيح، فإنَّها قابلة، ختاماً؛ لأنَّ تُولِّد عاصفة كاملة، وتزيد كثيراً من مخاطر عدم الاستقرار داخل المملكة. المعطيات التي ساقها حنّا يبرُزُ من بينها أيضاً دخول العدوان على اليمن في المجهول، في ظل عجز «التحالف» بقيادة السعوديّة عن حسم النتائج على الأرض، وهو ما لا يعني فقط نضوب فرص النصر العسكريّ، بل تآكل النظام نفسه الذي يخسر صدقيته، وتنكشف حدود قوته، بما يجعله يواصل الحرب، وإن بدا العقم سمة راسخة فيها. وهذا يفسر، جزئياً، افتعاله أزمات أُخْــرَى جانبية، لإخفاء عيوبه البنيوية.
لنتأمّل المشهد السياسي في عام 2015. كانت العائلة المالكة لا تزال متماسكة في ظل توازن قوى نسبي، وتقاسم سلطة متكافئ بين عدد من البيوتات (سلمان، نايف، عَبدالله). يقال الشيء ذاته حول التحالف بين آل سعود والمؤسسة الوهابية بكل فروعها. تحالفٌ أَسَّس لتقاسم سلطة بدأ منذ منتصف القرن الثامن عشر، وهو يُعَدّ أحد منجزات علاقات الهيمنة وفق التفسير «الفوكوي». إذ، على الرغم من اختلال موازين القوى، ولا سيما بعد إعلان المملكة السعوديّة عام 1932، فإنَّ الحاجة المتبادلة بين الشيخ والأمير أملَتْ نمطاً في العلاقة التدافعية المتبادلة، كُـلّ بحسب مآربه. في حقيقة الأمر، حتى ذلك الوقت، لم تنزلق الأخطاء نحو الهاوية والتهديد الكياني. حينذاك أيضاً، لم يكن يوجد خطر من نفاد الأموال في المملكة في أي وقت قريب، ولكن كلما طال أمد العجز في الميزانية، وانخفضت أسعار النفط، وتراجعت احتياطيات النقد الأجنبي، أصبحت الأسواق الدولية أَكْثَــر توتراً، فيما لم تكفّ الدولة عن عادة «التقديمات الاجتماعية» لإبقاء قدر «السخط الشعبي» تحت السيطرة وفي أدنى درجاته.
التقط جون حنّا إحصاءات عن الواقع المعيشي في مملكة النفط، من بينها معدل البطالة المرتفع الذي تصل نسبته إلى 30 في المئة، ومعدل الفقر الذي يشمل ربع السكان، ومأساة مكة والموت الجماعي بفعل التدافع (769 حاجاً)، وسقوط الرافعة على الحجاج، ما أَدَّى إلى مقتل مئة حاج، والسؤال التالي عن جدارة آل سعود بإدارَة الحرمين، التي أضافت عنصراً جديداً في توتر العلاقات الإيرانية – السعوديّة. لم يتحلّ جون حنّا بالجرأة في النتائج كما تحلّى بها في إثارة السؤال، وإن لم يستبعد أي شيء، معتبراً أن بقاء الحال على ما هو عليه ضرب من المستحيل، وأن منطق التأريخ يقول إن السعوديّة تواجه خطراً وجودياً، ولكن هذا الخطر في مراحله المبكرة، إذ لا يزال هناك وقت كافٍ لإدارَة الأَزْمَة، من خلال اتّخاذ قرارات حكيمة وفي الوقت المناسب.