الحُديدة ومعركة كسر العظم
مقالات | 23 سبتمبر | مأرب برس :
بقلم / ماجد الوشلي :
تُعتبَرُ محافظةُ الحُديدة شريانَ الحياة اليمنية وقلبَ الملاحة البحرية التي تجعلُ من الساحل الغربي المعركةَ المفصليةَ والتي تُحدّد بوصلة المسار الاستراتيجي للأزمة اليمنية وترسم الخطوط العامة لمسار المُفاوضات والحلّ السياسي لجميع الأطراف، وهذا يجعلُ من الساحل الغربي نقطةَ تحول ومعادلةً جيوسياسية وعسكرية هامة..
فمنذُ بداية العدوان على اليمن في 26 مارس من العام 2015 لا زالت تعيشُ محافظة الحُديدة واقعَ المأساة المعيشية والاقتصادية بكل مُقومات الحياة البشرية؛ لأنَّ محافظة الحديدة لها أهميّة كبرى في العُمق الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي، وتطل ١٢ مديرية من مديريات محافظة الحديدة على سواحل البحر الأحمر..
فميناءُ الحديدة يمثلُ الشريان المعيشي والاقتصادي لأغلب المحافظات اليمنية التي تتغذّى بالمواد الأولية والصحية والطبية وخاصّةً في هذه الظروف الاستثنائية والتأريخية التي يمرُّ بها الشعبُ اليمني من عدوانٍ أمريكي سعوديّ جعل من الأرض اليمنية مسرحاً مفتوحاً لكل العمليات الإجرامية والإبادية بحقِّ المدنيين والأبرياء من أبناء الشعب اليمني والتي شهدت عليها تقاريرُ دولية وأممية بأنها جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي وآخرها تقرير الخبراء الدوليين والذي قدّم صورة عامة مما يحصل من واقع المأساة والمعاناة لكل أبناء الشعب اليمني في جميع المحافظات الشمالية والجنوبية..
وتعتبرُ معركة الساحل الغربي معركة “كسر العظم” ومعركة التحدي والمصير لجميع الأحرار والوطنيين من أبناء الشعب اليمني بجميع مكوّناته وأحزابه، وبالتالي فإن هذه المعركة المفصلية تكتسب أهميّة خَاصَّــة واستراتيجية؛ لأنَّها البوابة الرئيسية والوحيدة التي تحافظ على سيادة اليمن ووحدته من الغُزاة والمُعتدين الذين يطمعون في نهب الخيرات والثروات الطبيعية وفي كسر إرادة الشعب اليمني وتجويعه وحصاره وجعله تحت سُلطة الآمر الأمريكي والسعوديّ والإماراتي..
وهنا نلاحظ أنه بات من الواضح أن واشنطن تقفُ كلياً وراء التصعيد في الساحل الغربي تحت ذريعة حماية الملاحة البحرية والدولية وتحتَ مُسميات الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وتقوم بالتصعيدِ العسكري عبر أدواتها السعوديّة والإماراتية ومستمرة في دعمها اللوجستي والمخابراتي رغم كُــلّ المجازر والجرائم التي يقوم بها التحالف السعوديّ الأمريكي بشكل يومي في المناطق والمحافظات اليمنية والتي تخالف القوانين والأعراف الدولية ولا تحترمُ المبادئ السيادية والمُحقة للشعوب والأوطان المستقلة..
ويبدو أن واشنطن قرّرت إيكالَ مهمة الهجوم _العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية_ على الحُديدة لأبوظبي لعدة اعتبارات، أبرزُها علاقة الإماراتيين وتنسيقهم مع الكيان الإسرائيلي وأَيْضاً خيبة الأمل الأمريكي من الأداء السعوديّ العسكري الهزيل في سنوات العدوان الماضية والتي كانت نتائجها عكسية تكبّد خلالها خسائرَ بشرية فادحة وانعكاس سلبي على المستوى الشعبي في الشارع الخليجي والعربي، مما غيّر الكثيرَ من المعادلات وعكس رأياً عاماً للصورة الحقيقية لما يسمى التحالف العربي..
والواضحُ من خلال المُعطيات الميدانية والعسكرية أن أبو ظبي تعتبرُ معركة الحديدة معركتها والتي لا بُدّ أن تحسم فيها وجودها رغم أنها منذُ بداية العدوان على اليمن فضّلت العملَ في مناطق الجنوب، ووضعت يدَها على الموانئ الساحلية الجنوبية وشرعت ببناء منشآتها الخَاصَّــة في أَكْثَــرَ من ميناء على امتداد الساحل الجنوبي من الحدود مع سلطنة عُمان شرقاً إلى ميناء عدن غرباً وحرصت على سيطرة الجُزر اليمنية في بحر العرب وأهمها جزيرة سُقطرة، وصولاً إلى جزيرة ميون عند مضيق باب المندب..
ولا بد لنا أن نشيرَ إلى حجم المأساة الحياتية لأبناء الحديدة، وفقاً للتصاريح الدولية ومنظّمات المجتمع المدني والتقارير الأممية، فقد حذرت منظّمة “أنقذوا الأطفال” من أن المجاعة باتت تُهدد مليونَ طفل إضافي في اليمن؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقالت المنظّمة الإنْسَانية البريطانية: إن الهجوم على الحُديدة سيزيد من عدد الأطفال المهددين بالمجاعة في اليمن إلى 5. 2 مليون طفل وأن أيَّ اضطراب في إمدادات الغذاء والوقود التي تمرُّ عبر الحديدة يمكن أن يسبب مأساة على نطاق غير مسبوق في اليمن..
من جهتها صرحت رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ديفيد ماليبياند، بالقول:
إن هناك أطرافاً دولية تعملُ لإبقاء ما يدورُ في اليمن بعيداً عن انظار العالم، وأن الأوضاع ستزدادُ تفاقماً أَكْثَــرَ مع تدهور الأوضاع في الحديدة، وهناك الكثير من التصريحات الواضحة على حجم المعاناة للحياة البشرية لأبناء محافظة الحديدة، مما يستدعي تسليط الضوء بشكل كامل؛ كي يتم الضغط على المجتمع الدولي والبرلمان الأوروبي؛ ليتحرك وفق القيم الإنْسَانية والثوابت الحقوقية التي ترعى بالحريات للشعوب والمجتمعات..
والجديرُ بالذكر أننا نرى زخماً اٍعلامياً لقوى العدوان وبروبجندا سوداءَ لانتصارات وهمية لما يسمى الجيش الوطني ولواء العمالقة المدعوم إماراتياً وسيطرتهم على المنطقة ودخولهم إلى وسط المدينة، وهناك الكثير من قنوات التضليل الإعلامي والمواقع والصُحف التابعة لعملاء الرياض وأبو ظبي؛ كي تحقّق انتصارات إعلامية وتضلل الرأي العام، والتي تناقض كلياً المهنية الإعلامية والصحفية لمصداقية الخبر..
إنَّ التحديَّ الاستراتيجي والعسكري للقوى الوطنية اليمنية متمثلةً بالجيش واللجان الشعبية وأبناء القبائل والأحرار الذين قدّموا أُنموذجاً للوطنية والسيادة وحافظوا على وحدة وتماسك أبناء الوطن ضد قوى الغزو والاحتلال وقدّموا أسطورةَ الثبات وأيقونة السيادة اليمنية، يتمثل التحدي بمواجهة هذه الحرب الضروس التي تُشن على البلاد في أعظم معركة وجودية في تأريخ اليمن..