يمنيون فرّوا من السعودية: عشنا مضطهدين .. والضرائب أنهكتنا
متابعات | 21 سبتمبر | مأرب برس :
غادر آلاف اليمنيين الأراضي السعودية مجبرين، إما بالترحيل قسراً وإما بسبب الضرائب الباهظة التي فرضتها المملكة مؤخراً على الوافدين لديها، لكنهم فرّوا من نار الضرائب إلى جحيم الحرب في اليمن.
أبوعبدالله واحد من الذين غادروا السعودية بدموع ومشاعر حزينة من أحبائه في أحد مساجد السعودية، بعد نحو 52 عاماً من إقامته في المملكة. يغادر الرجل -الذي تقدّم في العمر- أصدقاءه وجيرانه بلا أمل في اللقاء بهم من جديد؛ فقد أُجبر بعد أن أثقلت كاهله كثرة الرسوم التي تفرضها السلطات السعودية على المقيمين.
أبوعبدالله وأسرته نموذج لنحو 1536 أسرة غادرت السعودية نهائياً، لتعود لليمن في الفترة من 26 مايو إلى 13 أغسطس الماضي، حسب إحصاء أعلنه رئيس لجنة ترتيب أوضاع المغتربين (حكومية) هشام السعيدي.
ومن الذين سبقوا «أبوعبدالله» في العودة لأرض الوطن، مواطنه محمد علي طارق، الذي روى لموقع «الجزيرة نت» تفاصيل 58 عاماً ظل فيها متنقلاً بوصفه بائعاً للأقمشة يعيش بين مكة وجدة.
ففي منزله المستأجر المكوّن من 3 غرف صغيرة في بني حوات شمالي العاصمة صنعاء، حكى بنبرة تملؤها الحسرة والندم كيف استنفد منه «النظام السعودي» كل ما يملك.
وقال: «أجبروني على دفع 38 ألف ريال سعودي (نحو 10 آلاف دولار) رسوم مرافقين، وكان أمامي خياران: أن أدفع، أو أسلك طرق التهريب في الجبال.. 58 عاماً وأنا أخدم السعوديين ونعمّر بلادهم، واليوم هذا حالنا».
وعاد محمد علي للوراء مستذكراً كيف غادر قريته «قوير» بمحافظة ذمار وهو في عمر 12 عاماً، ليتنقل بعدها إلى مكة عاملاً في البناء ثم بيع الأقمشة.
مرت السنوات، وأضحى الفتى اليافع شاباً في مقتبل العمر، فأسس أسرة من 8 أفراد كلهم وُلدوا في السعودية، وحتى اليوم لا يزال يمنياً كما أولاده.
خروج نهائي
في مقارنته بواقع مواطنيه الذين هاجروا إلى بلدان غربية، قال محمد علي والحزن يغلب على نبرة صوته: «يذهب يمنيون للعمل في أمريكا ويحصلون على جنسيتها بعد بضع سنوات. أما أطفالهم، فيحصلون عليها بمجرد ولادتهم هناك. ونحن أفنينا أعمارنا، وفي النهاية أجبرونا على أن نغادر إلى بلدنا الذي لم يسلم من قصفهم ليل نهار». يسكت برهة، ثم يضيف: «لن نسامحهم.. والله لن نسامح».
ومنذ اندلاع الحرب والعدوان مطلع عام 2015، كان اليمنيون المهاجرون في السعودية يمثّلون باباً لإعالة آلاف الأسر في بلادهم، إضافة إلى أن تحويلات المغتربين المالية كانت ترفد البلاد بحجم كبير من النقد الأجنبي.
ونتيجة لسياسة الرسوم المفروضة على المقيمين، فقدت تلك العائلات في اليمن طوال الشهور الماضية مصدر رزقها، في ظل العودة المتنامية للمقيمين من السعودية التي تختم على جوازاتهم بـ «خروج نهائي».
وعن الطريقة التي تتعامل بها السلطات السعودية مع اليمنيين المقيمين فيها، لخّص الشاب محمد الحسني -الذي يعمل في تجارة وبيع السيارات بالمدينة المنورة- جانباً من معاناتهم، بالقول إن الرياض تتعمّد إذلال اليمنيين بالتحديد. فعلاوة على القوانين «الجائرة»، تتعمد أن تمارس مضايقات كبيرة ضدهم.
وتابع الحسني، في حديثه مع موقع «الجزيرة نت»: «أنت بصفتك يمنياً في السعودية، لا تملك أي حق. إذا اشتكيت سعودياً، تكون أنت المذنب وتُرحّل بلا أي نقاش. عشنا مضطهدين، وتحمّلنا ذلك لأجل لقمة العيش».
ومن مظاهر المعاناة التي يواجهها حسني -وغيره كثر من أبناء جلدته- المخالفات التي قال إن أقلها «يصل إلى 10 آلاف ريال سعودي (2665 دولاراً)، وبعضها يصل إلى 50 ألف ريال (13300 دولار)، وندفع مبالغ إلى الحكومة ضرائب ورسوم الكفيل تصل إلى ما نسبته 60% من قيمة رواتبنا التي لا تتعدى 2500 ريال سعودي».
وفي هذا السياق، صرّح مصدر في الحكومة اليمنية (حكومة هادي) -فضّل عدم الإفصاح عن هويته- بأن السعودية تتعامل بصلف ضد اليمنيين، وتكنّ لهم العداء الشديد، وأضاف أنها رفضت مراراً مطالب عبدربه منصور هادي والحكومة اليمنية باستثناء اليمنيين من قرارات «السعودة».
ورغم أن عودة اليمنيين لبلادهم تأتي في ظروف بالغة التعقيد بسبب الحرب، فضّلت نسبة كبيرة منهم فتح مشاريع استثمارية صغيرة في المحافظات اليمنية، مثل محافظتي حضرموت ومأرب.
لكنّ آخرين اختاروا بدء حياتهم من جديد، كما هو حال محمد علي الذي يحاول أن يعمل مع أولاده في فتح متجر صغير للمواد الغذائية، ليضمن لهم توفير مصاريف الأكل والشرب وقيمة الإيجار.
وأُجبر اليمنيون على مغادرة السعودية عائدين إلى بلدهم الذي يشهد حرباً منذ 4 أعوام، بعد أن صعّدت الأخيرة قوانينها ضد الأجانب من دون أن تستثني 700 ألف يمني يعيشون في مدنها منذ أمد بعيد.
وأثقلت الرياض، منذ يوليو 2017، على المقيمين وعائلاتهم برسوم مالية ضاقوا بها ذرعاً، إذ تبلغ 100 ريال شهرياً لكل مقيم. وتضاعف المبلغ منذ يوليو 2018، ليصل إلى 300 ريال (80 دولاراً) في الشهر لكل فرد، ليصل بعد عامين إلى 700 ريال (186 دولاراً) شهرياً لكل فرد.
وإلى جانب رسوم المرافقين، كانت السعودية قد قررت «سعودة» المهن وتوطين الوظائف، لتحرم أكثر من 12.2 مليون وافد أجنبي من مصادر رزقهم.