شبوة: «سلاطين» الأمس يطلّون من نافذة «الانتقالي»
تقارير | 17 سبتمبر | مأرب برس :
منذ بداية ظهور الاحتجاجات السلمية لـ«الحراك الجنوبي» في العام 2007، برز على سطح التحركات الميدانية والتصريحات الإعلامية، صوت خفي يمجد عودة نظام السلاطين الذين يسعون إلى استعادة ملكهم الذي أعلن الشعب اليمني القطيعة معه في 30 نوفمبر 1967م، بعد طرد آخر جندي بريطاني من عدن والمحميات الجنوبية.
هذه الدعوات برزت مع صعود نجم المطالبات المتشددة بالانفصال، وهو ما أثار شهية السلاطين وأحفادهم للعودة إلى حكم «الجنوب العربي» حد وصفهم، في انسلاخ من اليمنية التي هي أصل العرب كقومية محل فخر واعتزاز وموطن نشأتهم الأولى.
«النخبة» الحامل الموضوعي الجديد
برزت اليوم هذه المطامع وتوسعت بالتزامن مع توسع سيطرة ما يسمى بقوات النخبة في حضرموت وشبوة؛ إذ بدأت الفعاليات التي تطالب بتأسيس «الفيدرالية الجنوبية» بناء على حدود السلطنات وسلاطينها عملاء التاج البريطاني، التي سادت قبيل ثورة أكتوبر 1963م، وبادت بعيد الاستقلال الوطني.
مخاوف وطنية
صادق ناصر، مثقف من أبناء شبوة، يقول لـ«العربي» إن «الجدل الكبير الذي رافق مناقشة شكل الدولة في مؤتمر الحوار قوبل بترقب من السلاطين وأحفادهم، ولهذا فمعظم الجنوبيين الرافضين لعودة هذا المشروع الاستعماري البغيض، الذي عاد يعلو صوته مؤخراً بوقاحة في صورة مشاريع استعمارية جديدة وبالأدوات والأساليب القديمة ذاتها، حذروا من إقرار إقليمين في الجنوب وأربعة أقاليم في الشمال».
وعلّل صادق ذلك بقوله إن «هذا التقسيم يواجه معارضة شديدة، خصوصاً لدى الشارع الجنوبي الذي يرفض تقسيم الجنوب، كون التقسيم سيعيد إحياء المشاريع الاستعمارية القديمة التي عادت بصور جديدة شتى».
ورأى أن «مخاوف الجنوبيين لم تأت من فراغ، فجميعنا يلحظ تصاعد الدعوات المستمرة، وخصوصاً في شبوة، ذات البعد القبلي، المطالبة بعودة السلطنات القديمة التي سادت في الجنوب خلال فترة حكم الاحتلال البريطاني، وتم توحيدها في دولة واحدة عقب قيام ثورة أكتوبر المجيدة واستقلال جنوب اليمن».
واعتبر أن «هذه المخاوف تجعلنا ندق أجراس الخطر خصوصاً وقد تحولت هذه الدعوات في شبوة، إلى فعاليات جماهيرية واسعة وبعض المحافظات الجنوبية».
الدولة الوطنية الحل العاجل
عيدروس قاسم، ناشط سياسي من شبوة، يرى أن «عدم الشروع في تثبيت دعائم الدولة الوطنية القوية مع فرض حلول ملموسة لمظالم القضية الجنوبية تراعي الظروف والاعتبارات التي نتج عنها الحراك الجنوبي، من شأنها أن تثير المطامح بتقاسم الأرض من قبل عملاء الأمس، وعملاء اليوم الذين يتهددون شبوة وثرواتها التي أسالت لعابهم ولعاب داعميهم».
تنسيق وتأهب
ويقول المتابع للوضع الجنوبي المتحرك، إسماعيل إبراهيم، في حديث لـ«العربي» إن «أنباء في شبوة، ترددت مؤخراً، عن وجود مشاورات وتنسيق مستمر بين أحفاد العميل السلطان الواحدي المقيمين في أبوظبي، وزعيم الانتقالي في الجنوب عيدروس الزبيدي، بهدف دعم مواقف الأخير لدى أبوظبي لزعامة دولة الجنوب العربي، وهي حاملة لمشروع سلطني مشيخي رجعي استعماري جديد، مقابل وعود واتفاقات بإعادة تمكينهم من إعادة ملكهم الاستعماري العميل في شبوة، الذي تمزق تحت ركلات ثوار 14 أكتوبر، عند قيام دولة الجنوب العربي المزعومة تحت ذات المسمى الاستعماري القديم الذي تجدد بالبحث عن داعم استعماري جديد».
وكدلالة دامغة على هذا الطرح، فقد أعادت دولة الإمارات عبر «المجلس الانتقالي» استخدام مسميات بريطانيا إبان فترة استعمارها لجنوب اليمن ممثلاً في «الجنوب العربي»، وهي التسمية التي اعتمدها التاج البريطاني بين 1959 و1967 مع تأسيس «اتحاد إمارات الجنوب العربي»، قبل أن تضم إليها عدن وتعدل التسمية إلى «اتحاد الجنوب العربي».
هذه التسمية التي اعتمدها «الانتقالي» وجدت رواجاً واسعاً بين أحفاد وأبناء السلاطين عملاء بريطانيا في عدد من مديريات محافظة شبوة، الذين يفاخرون، كما بات واضحاً، بإلصاق شعاراته على جوانب سياراتهم الفارهة التي تحمل لوحات جمركية إماراتية إلى جانب صور «المتمرد»، كما يحلو لقطاع واسع في الجنوب تسميته، عيدروس الزبيدي، متزعم «المجلس الانتقالي» المدعوم من أبوظبي، ككيان مواز لحكومة الرئيس هادي، ما هي إلا تجليات أولية لأحلام العودة الوردية للحكم من نافذة «الانتقالي» واستعادة أمجاد العائلة التي سادت ثم بادت.
عودة السلطان
وسبق هذه الانفعالات، عودة عدد واسع من أحفاد «الشريف حسين بن أحمد الهبيلي» أحد سلاطين الجنوب العربي الإقطاعيين إبان الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، القادمين من الإمارات والسعودية، واستعادتهم لمساحات واسعة من الأراضي والبيوت والقصور الفارهة التي كانت تقع تحت قبضة الهبيلي في مديريات بيحان، واستعادتها دولة الاستقلال الوطني في جمهورية اليمن الديمقراطية بعد طرد بريطانيا، ووزعتها بعدل على المواطنين والفقراء والفلاحين والمدارس ومرافق الدولة، الأمر الذي ألحق ضرراً بالغاً بالمواطنين، وجميع هذا يندرج تحت طائلة أحلام العودة للحكم من باب «الجنوب العربي».
إعادة النجم الآفل
ذويزن صالح، محلل سياسي من شبوة، قال في حديث مع «العربي»، إن «المتابع يلاحظ بسهولة، في شبوة وبعض المحافظات الجنوبية ذات الطابع القبلي الواضح، الخفايا المحلية والإقليمية التي تكشف نوايا عودة السلاطين للحكم في مناطق محافظة شبوة بثوب استعماري جديد، كتعبير موضوعي عن محاولات استعادة بريق النجم السلاطيني، الذي أفل تحت وقع ضربات ثوار 14 أكتوبر 1963، بدعم استعماري إقليمي ودولي جديد، من خلال الأسماء التي تم تعيينها كقيادات للانتقالي في محافظة شبوة والمنتمية للجناح القبلي السلاطيني الرجعي الذي يكن العداء، حد المجاهرة به، للقومية اليمنية والثورة والجمهورية والوحدة الوطنية وترتبط أصولياً وقرابة ونسب بالجذور السلاطينية المشيخية البائدة التي برزت أحلام عودتها مؤخراً».
ويضيف ذويزن أن «هذه المطامع تنذر بتقسيم اليمن وتفتيتها ما لم تقابل بمشروع وطني جامع يوقفها ويعيد الاعتبار للذات الوطنية اليمنية وثوابتها وقيمها المثلى ورد الاعتبار لثورتي سبتمبر وأكتوبر وواحدية النضال الوطني».
المحلل السياسي محمد المقبلي، قال لـ«العربي» إن «الدعوات الما قبل وطنية في الجنوب هي بالضرورة دعوات ما قبل ثورة أكتوبر كما هو الحال في الشمال بالنسبة إلى الدعوات المقابل الوطنية التي هي دعوة لما قبل سبتمبر، وخصوصاً أن وهم الجنوب العربي هو وهم سلاطيني استعماري، وإن كان محمولاً ومغلفاً بالقضية الجنوبية».
ويستدرك بالقول «إلا أن شعارات المطالب الحقوقية اللافتة للنظر ما هي إلا مجرد ستار لتلك الدعوات الباطنية التمزيقية الذاتية الصغيرة».
(العربي)