هل ينجح ابن سلمان في طمس آثار “11 سبتمبر”؟!
متابعات | 13 سبتمبر | مأرب برس :
(11/9/2001) تأريخٌ لا يستطيع أحد أن يمرّ به مرور الكرام لكثرة الإفرازات التي خرجت عن هذا اليوم الذي زلزل أمريكا والعالم أجمع عندما اصطدمت 3 طائرات في برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقرّ وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” ليسقط على إثرها 2973 ضحية 24 مفقوداً، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.
تمرّ هذه المناسبة المشؤومة هذا العام وسط غليان سياسي وعسكري واجتماعي لا يقل أبداً عن الذي حصل في تلك الفترة، وإن كنا نقترب من فترة انتشار تنظيم “داعش” الذي يعدّ أحد تفرعات “تنظيم القاعدة” الذي اتهم بأنه المخطط والمنفذ لأحداث 11 أيلول وعلى إثر ذلك تم غزو أفغانستان والعراق ودخلت المنطقة في أتون صراعات بدأت ولم تنتهِ بعد، ومن بين الدول التي كان لها أثر كبير في الأحداث الدائرة في ذلك الوقت “السعودية” للأسباب التالية:
السعودية ساهمت بشكل كبير في دعم الجهاد في العالم، ولاسيما في أفغانستان، ربما كان الأمر في البداية عبر السياسة والإعلام لكنه تطور إلى الدعم المالي والعسكري إن كان عبر قنوات رسمية أم غير رسمية، ولكن مع مرور الزمن وبعد خروج السوفييت من أفغانستان وفشل الجهاديين في إحداث أي تغيير في كل من طاجكستان والشيشان والبوسنة عاد قسم كبير منهم إلى السعودية بعد أن كانوا قد خرجوا منها بتسهيلات من السلطات السعودية نفسها، التي كانت تمنحهم تذكرة سفر إلى هناك بقيمة 25% من قيمة التذكرة الحقيقية، وبعد هذا وذاك عاد الجهاديون إلى السعودية وأذاقوا البلاد طعم المرارة نتيجة لشنهم مجموعة من العمليات الانتحارية ضد أهداف غربية، وهذا الأمر عقّد الأمور أكثر وأخرجها عن المسار الطبيعي الذي رسمه آل سعود آنذاك والمتمثل بإبعاد الخطر عن السعودية عبر توجيه نظر الشباب للجهاد خارج حدود السعودية وبالتالي إحباط أي ثورة داخلية ممكن أن تحدث.
وبما أن الاستثمار في المسائل الدينية هو الحل بالنسبة لآل سعود قرر الملك فهد بن عبد العزيز حينها أن ينفق أربعة مليارات دولار سنوياً على آلاف المساجد والمدارس والخطباء والطلاب والكتب والمراكز الإسلامية حول العالم، من أقصى جنوب إفريقيا لأقصى شمال أوروبا، ومن أقصى الشرق الآسيوي لحافة غرب العالم بأمريكا، ومن وجهة نظر فهد، كانت تلك استراتيجية أثبتت فاعليتها قبلاً، فلطالما كانت الشرعية الدينية أمراً لا غنى عنه لتوحيد القبائل المتمردة في جزيرة العرب، وهو درس تعلمه من تجربة والده وأجداده قبل أن تعرف بلاده تدفق النفط، وقبل أن يعرف هو شيئاً عن الحداثة، وقت أن كانت بلاده لا تزال تلك الهضبة القاحلة التي تتوسط جزيرة العرب مستمتعة في الرضا بعزلتها التقليدية عن العالم، قبل أن ينفجر كل شيء.
ولكن هذا الأمر لم يرضِ واشنطن التي كانت تراقب غزو صدام حسين للكويت وتجد فيه فرصة لاختراق الشرق الأوسط، ولكون السعودية شعرت بالخطر العراقي حينها سمحت للقوات الأمريكية بنشر قواتها على أراضيها، وهو قرار قوّض مصداقية السعودية وطعن في مؤهلاتها للزعامة الدينية المستهدفة، رغم جهودها لتأطير الصراع في صورة إسلامية بحتة عن طريق حشد دعم 24 دولة من حلفائها المسلمين من غرب إفريقيا إلى شرق آسيا من أجل المشاركة فيه، ورغم حملة التعبئة المدنية التي لم يسبق لها مثيل، والتي استخدمت خطاباً وطنياً لحشد المتطوعين السعوديين للمشاركة في المعركة.
دخول أمريكا إلى السعودية وانتشارها هناك أغضب زعيم تنظيم القاعدة حينها “أسامة بن لادن” ومجموعة من الدعاة السعوديين أمثال سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهم والذين اعتقلوا فيما بعد على إثر اعتراضهم على السماح لواشنطن بدخول الأراضي السعودية، ورغم غضب بن لادن من السعودية إلا أنه لم ينقل عملياته الجهادية إليها، ودعا حينها لضرب المصالح الأمريكية في العالم أجمع، وبعد تنفيذه لسلسة عمليات ناجحة ضد الأمريكيين استهدف الأمريكيون بن لادن ونشاطاته وتمكنوا من تقويض عمل هذا التنظيم، ومن ثم جاءت أحداث 11 أيلول لتغضب أمريكا مجدداً على التنظيم وتبدأ حرباً موسعة ضده، ولكن المشاركين في حملات 11 أيلول جلّهم سعوديين وكان لابد بأن تدفع السعودية الثمن، وقد تمثّل هذا الثمن من جديد في فتح الأجواء السعودية على مصراعيها أمام الطائرات الأمريكية لتنفيذ هجماتها على أفغانستان، ثم لاحقاً ضد العراق، مع تحمّل الكثير من التبعات اللوجستية مثل تزويد الوقود للطائرات الأمريكية.
من جانبها، كانت أمريكا حريصة هي الأخرى على الحفاظ على استثمارها في العلاقة طويلة الأمد مع النظام السعودي لتأمين المصالح الأمريكية الاستراتيجية، وفي مقدمتها استمرار تدفق النفط، والحفاظ على السعودية كمركز لوجستي لواشنطن في المنطقة، وكان ذلك يعني الحاجة إلى التغطية على أي صلات مؤسسية محتملة للرياض بالخاطفين المتورطين في أحداث سبتمبر/أيلول، لذا لجأت واشنطن من بين أمور أخرى إلى إخفاء 29 صفحة من تقرير مشترك للكونغرس يتناول الروابط السعودية مع الخاطفين، كما ضاعفت إدارة بوش من جهود إلقاء اللوم على صدام حسين، حيث كانت بحاجة إلى كبش فداء لـ “الحرب ضد الإرهاب“.
اليوم واشنطن لم تنسَ هذا الملف وتستخدمه مراراً وتكراراً وكلما سنحت لها الفرصة في ابتزاز السعودية للحصول على ميزات أفضل، وما يفعله اليوم ولي العهد السعودي يمثل محاول حثيثة لإنهاء آثار أحداث 11 أيلول عن بلاده، من خلال الإصلاحات ونشر مفاهيم العلمانية وإقصاء المؤسسة الدينية عن المشهد السياسي وإفراغ تأثيرها لمصلحة عصرنة السعودية ونقل هذه الصورة إلى الغرب، إلا أنه فشل حتى اللحظة في ذلك، لذلك لا نعلم لأي درجة يستطيع بأن ينهي تفكير الغرب بأن السعودية هي المصدر الأساسي للإرهاب في العالم.