الائتلاف الأمريكي الجديد ضدّ إيران، الأهداف والغايات
مقالات | 22 مايو | مأرب برس :
في ضوء الإجراءات والخطط التي تقوم بصياغتها الدول الأوروبية لحماية شركاتها من العقوبات الأمريكية ضد إيران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي يوم الخميس 17 أيار/مايو الماضي، إن واشنطن تحاول إنشاء تحالف عالمي ضد إيران لاحتواء تصرفاتها في منطقة الشرق الأوسط، كما كشف البيت الأبيض يوم أمس الاثنين بحضور 200 دبلوماسي من مختلف البلدان عن الأسباب التي دفعت واشنطن للانسحاب من الاتفاق النووي، ووضع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم أمس أيضاً مجموعة من الشروط لرفع العقوبات وتطبيع العلاقات التجارية والسياسية الأمريكية مع إيران، من بينها أن تعلن الأخيرة “أهدافها من البرنامج النووي وإقفال مفاعلاتها”، فضلاً عمّا وصفه بوقف إيران لتهديداتها لجيرانها، والتهديدات الصاروخية للسعودية والإمارات، إضافة إلى وقف دعمها لحزب الله وحركات حماس والجهاد وأنصار الله وسحب قواتها من سوريا، إضافة إلى وقف عدائها للكيان الإسرائيلي، قائلاً: إن الضغوط المفروضة على إيران لا تستهدف الشعب بل النظام والحكومة.
جهود واشنطن للحدّ من الضغوط
في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية الأمريكي عن قرار أمريكا تشكيل ائتلاف ضد إيران، ادّعى بومبيو أن الائتلاف سيكون ضد الحكومة الإيرانية وليس الشعب الإيراني، وهنا يرى محللون أنّ العداء الموجود بين واشنطن، وإيران ليس بقضية جديدة، لكن وللمرة الأولى تقوم الإدارة الأمريكية بفصل الشعب عن الحكومة الإيرانية في تصريحاتها، وذلك بسبب ما تعرّضت له أمريكا من انتقادات عديدة جرّاء هذه العقوبات، إذ اتهمت دول عالمية واشنطن بخرق قواعد حقوق الإنسان من خلال فرضها عقوبات تطول بمعظمها حاجيات خدماتية ومعيشية للشعب الإيراني.
التناقض في شعارات الديمقراطية الأمريكية
في الوقت الذي تدّعي فيه أمريكا فرض ضغوط على الحكومة الإيرانية لا تستهدف الشعب الايراني، إلا أنه لا يمكن الفصل بين الاثنين، إذ إن النظام السياسي الإيراني يستند أولاً إلى الانتخابات الديمقراطية التي ينتخب فيها الشعب ممثليه ووزراءه، وبالتالي من المستحيل التحدث عن عقوبات على الحكومة الإيرانية دون الشعب الايراني، ويقول خبراء إيرانيون إن الهدف الحقيقي من هذه العقوبات خلال العقود الأربعة الماضية هو الضغط على الشعب الإيراني ومعاقبته بطريقة أو بأخرى بسبب ابتعاده عن الأهداف الغربية واعتماده سياسة مقاومة أدّت إلى خروج الأمريكي من المنطقة خاصة بعد الثورة الإسلامية في إيران والتي كانت ثورة شعبية بامتياز.
ومن هنا يعترض العديد من النقاد هذه الازدواجية في التعاطي التي تعتمدها الإدارة الأمريكية عند التحدّث عن الديمقراطية، ويعتقد هؤلاء بأن واشنطن على عكس شعارها الذي ترفعه منذ تأسيسها بـ “حماية الديمقراطية”، تقوم بفرض ضغوط كبيرة على كل من يعاندها بالسياسة، ويقف بطريقها دون مراعاة الحقوق الإنسانية، وعلى سبيل المثال، الانتخابات الفنزويلية الماضية، والتي قام فيها الشعب الفنزويلي بانتخاب “مدورو” رئيساً للدولة (لديه سياسة مناهضة للإدارات الأمريكية المتعاقبة)، لكن مسؤولي البيت الأبيض قالوا إنهم لا يعترفون بهذا الخيار وبدؤوا بفرض عقوبات على فنزويلا والشعب الفنزويلي، هذا التناقض يبرز بالتعامل مع إيران أيضاً، ولا سيما أنّ النسبة المئوية للمشاركة الانتخابية في جمهورية مثل إيران بمتوسط معدل 60٪ أعلى بكثير من نسبة الانتخابات في المجتمعات الغربية الأخرى التي تقلّ عن 50 و40٪، ومن هنا يبرز بشكل واضح أنّ شعار الديمقراطية لا معنى له في الواقع بالنسبة لواشنطن، وما هو إلا تغطية للأفعال الجرمية التي ترتكبها واشنطن بحق الشعوب باسم الديمقراطية.
فصل الحكومة عن الشعب الإيراني
إن ادّعاء البيت الأبيض بفصل الحكومة عن الشعب الإيراني غير قابل للتطبيق، وهو أمر مستحيل عملياً، ويقول محللون هنا إن فرض عقوبات على حكومة دون تأثر شعبها بها هو مجرد كلام في الهواء، فإن أي عقوبة قد تفرض على الحكومة سيتأثر بها الاقتصاد الداخلي، والعملة النقدية، وحركة الأموال الداخلة، والخارجة، وغيرها من الأمور، وبالتالي سيكون الشعب أكبر المتضررين، ويمكن القول إن هكذا ادعاءات ليست إلا هروباً للأمام من الانتقادات الدولية، وخاصة الأوروبية التي وجّهت انتقادات لاذعة لأمريكا بسبب خروجها من الاتفاق النووي، وفرضها عقوبات جديدة على طهران.
ويرى آخرون أن هكذا ادعاءات تحمل في طياتها رسالة إلى الداخل الإيراني بأنّ أمريكا لا تريد إيذاء الشعب الإيراني في محاولة لدفعه للانقلاب على الدولة، إلا أنّ الأمريكي لا يعي جيداً معدن هذا الشعب الذي قام بقطع يده من إيران، والمنطقة بفعل التضحيات التي قدموها منذ انتصار الثورة الإسلامية إلى يومنا هذا.
ختاماً يمكننا القول إن إعلان واشنطن فرض ضغوط على الحكومة الايرانية بعيداً عن الشعب ليس إلا عدم إلمام بالواقع، ومما لا شكّ فيه أن أمريكا تقف اليوم أمام نقطة مفصلية في مقاربتها للواقع السياسي، والعسكري للملف الإيراني، فعلى الرغم من أن دونالد ترامب التزم في قمة الرياض خلال شهر أيار من العام الماضي بـ “احتواء الخطر الإيراني”، إلا أن خريطة القوى في المنطقة، والتي يبدو أن لا مكان لأمريكا فيها، تشير إلى أنّ المعادلة قد تبلّدت، وأنّ إيران هي التي احتوت أمريكا.