البرنامج الرمضاني
من هدي القرآن | 20 مايو | مأرب برس :
الأثر الذي تتركه أسماء الله في نفوسنا من خلال تكرارها؟
ما معنى (الملك – القدوس – السلام – المؤمن – المهيمن)؟
ما هو المعنى الصحيح لعبارة (الإسلام دين السلام)؟ ومتى نحصل على السلام؟
ما الذي ضرب المسلمين صغارا وكبارا؟
ثم نأتي إلى بقية الأسماء الحسنى التي أثنى الله سبحانه وتعالى بها على نفسه في هذه الآية؛ لننظر إليه سبحانه وتعالى نظرةَ مَن نفسُه ممتلئة بالشعور بعظمة الله. {هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلٰهَ إِلّا هُوَ المَلِكُ} (الحشر: من الآية23) ألم يكرر نفس العبارة الأولى {هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلٰهَ إِلّا هُوَ} هو الله، ثم يأتي بعدها بقية أسمائه الحسنى التي هي قائمة على هذا الاسم المبارك [الله] الذي لا إله إلا هو {المُلكُ}الملك بـ (ألـ) التي تفيد الاختصاص أنه وحده الملك من له ملك السماوات والأرض من هو ملكنا إذًا فهو هو وحده من له حق التصرف فينا، هو وحده من يجب أن نرغب إليه، ونخاف منه؛ لأنه الملك القاهر علينا.
ثم تجد مُلكَه سبحانه وتعالى ليس كمُلكِ الآخرين من البشر مُلْك هيمنة، مُلك جبروت، ملك طغيان، أوامر جافة، نواهي جافة نفِّذ، لا تكريم فيها ولا كرامة معها. أما الله عز وجْل فإن ملكه كله قائم من منطلق أنه رب العالمين، وهو رحيم ورحمن بهم، نفس المعنى الذي جاء في أول سورة الفاتحة: {بِسمِ اللَّهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ * الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ * الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ} (الفاتحة:1-3) هو الذي ربوبيته تقوم على أساس رحمته، ربوبيته لعباده هي مظهر من مظاهر مُلكه، وتدبير من تدبير شؤون عباده الذين هو مَلِكُهم.
{هُوَ المَلِكُ القُدّوسُ} المُنَزَّه المُعَظّم، فأنت عندما تكون منقطعًا إليه، ملتجئًا إليه تجهر بأنه ربك، وأنه ملكك، وأنه إلهك، وأنه وليّك، فإنه هو من هو فخرٌ لك أن يكون إلهك، هو (قدُّوس)، هو منزّه، هو طاهر، هو معظّم، أنت لم تلجئ نفسك إلى طرف تستحي إذا ما أحد عرف أنه وليك أو أنه قدوتك أو أنه رئيسك أو أنه ملكك فتخزى، أما الله فإنه من يشرفك أنه إلهك أنه ربك وملكك، من تتشرف بأنك عبدٌ له.
ولهذه القضية أهميتها في السمو بالنفس حتى على مستوى القدوات من البشر، ألم نقل في مقام آخر أن من الفخر لنا، أن قدواتنا من أهل البيت، ليسوا من أولئك الملطخين بعار المخالفة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الملطخين بالأخطاء والمساوئ، والمواقف السيئة، فنحن نتعب أنفسنا في الدفاع عنهم وفي تَنْمِيق مظهرهم.
قدواتنا من أهل البيت هم من أولئك المنزهين المطهرين الكاملين في أنفسهم، ممن يشرفنا أن نقتدي بهم. فأنت لا تخجل إذا ما قلت إنّ وليّك علي بن أبي طالب، عد إلى علي فتعرّف على علي تجد أنه بالشكل الذي يشرفك، بالشكل الذي يجعلك تفتخر بأنه إمامك، بأنك تتولاه.
ولكن انظر إلى الآخرين كيف يتعبون أنفسهم وهم دائمًا يدافعون عمن يتولونهم، يحرفون معاني القرآن من أجلهم، يحرفون معاني كلام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من أجلهم، يعملون على أن يحولوا سيئاتهم إلى حسنات، يعملون على أن يقدموهم للأمة كأعلام. ولكن يكفينا شهادة على أنهم ليسوا ممن يمكن أن نفخر بهم إذا ما انتمينا إليهم أننا نجدكم أنتم تتعبون أنفسكم وأنتم تغطّون على خطيئاتهم، وعلى قصورهم ونقصهم.
الله سبحانه وتعالى {القُدّوسُ} هو الذي تفتخر بعبوديتك له، وتفخر بقربك منه. أليس هناك في هذه الدنيا من يفخر بأنه مقرب من الرئيس أو مقرب من الملك؟ ويرى لنفسه مكانة عظيمة يتطاول بها علينا، أنه شخص له كلمته عند الرئيس أو عند الملك أو عند رئيس الوزراء أو عند الشيخ فلان، أليس هذا هو ما نراه؟ ومن هم هؤلاء؟ من هم هؤلاء البشر الضعاف الناقصين القاصرين المساكين!
فإذا كنا نجد من يفخر بقربه منهم، من يفخر بتوليه لهم، من يفخر بطاعته إياهم، فلماذا نحن لا نفخر على الآخرين بأننا نعمل لنكون مقربين إلى الله؟! أن نبحث عن كيف نحصل على ما فيه مجد لنا، وعزة لنا، وفخر لنا هو أن نقرب من الله، وأن نعزِّز علاقتنا به، وأن نرسخ تولينا له؛ لأنه {القُدّوسُ}.
{السَّلامُ المُؤمِنُ} سلام لأوليائه، مؤمن لأوليائه، فكن من أوليائه سيرعاك ويحيطك بالسلامة بالأمن من الضلال، من الذل في هذه الدنيا، وهو من سيوصلك إلى دار السلام في الآخرة، ألم يصف جنـته بأنها دار السلام في الآخرة؟
{المُهَيمِنُ} على كل شيء، هو المهيمن على كل شيء، فكيف تخاف، وكيف ترهب ممن هم تحت هيمنته! إذا كان رئيس أمريكا هو من يهيمن على بقية الزعماء، وهو مَن هو؟! أليس هو مَن “الله” مهيمنٌ عليه؟ فما هو إلا ذرة من ذرات هذا الكون الذي يهيمن الله عليه. أنظر كيف نـتعامل نحن: نخاف من شخص هناك من هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الشخص الآخر هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الكبير في الأخير هناك من هو مهيمن عليه، هو الله الواحد القهار، الذي يقول لنا في كتابه {هُوَ اللَّهُ} هو، هو.
عبارة (هو) هي تناجيك في كل لحظة وأنت تبحث عن أن تـنصرف بذهنك إلى هذه الجهة أو إلى هذه الجهة، تقول لك: {هُوَ} وحده {اللَّهِ}.
بالإمكان إذا كنت تبحث عن السلام، تبحث عن الأمن، كما هو حال العرب الآن في صراعهم مع أعداء الإسلام والمسلمين يبحثون عن السلام، ويـبحثون عن الأمن، فلم يجدوا أمنًا ولم يجدوا سلامًا وإنما وجدوا ذلًا وقهرًا وإهانة، ودوسًا بالأقدام. لماذا لا تعودون إلى الله هو الذي سيمنحكم السلام. أليست إسرائيل هي في موقع سلام بالنسبة للفلسطينيين؛ لأنها هي المهيمنة عليهم؟ هل هي التي تخافهم أم هم الذين يخافونها؟
نحن لو التجأنا إلى الله سبحانه وتعالى كلنا وتلك الحكومات التي تبحث، وأولئك الكبار الذين يبحثون عن السلام من أمريكا، ويبحثون عن السلام من روسيا، يـبحثون عن السلام من بلدان أوروبا، بل يـبحثون عن السلام من إسرائيل نفسها، عودوا إلى الله هو الذي سيمنحكم القوة، يمنحكم العزة فتكونوا أنتم المهيمنين على الآخرين؛ لأنكم تمسكتم بالسلام المؤمن المهيمن، وهناك من الذي يستطيع أن يضركم؟ من الذي يستطيع أن يؤذيكم؟ من الذي يمكنه أن يقهركم؟ أوليس هذا هو السلام؟
السلام لا يتحقق لك إلا إذا كنت في موقف عزة وقوة ومكانة، أما أن تأتي تبحث عن السلام وأنت تحت، – كما يصنع الفلسطينيون، وكما يصنع العرب الآن – فإنما هو استسلام، هو استسلام، وأنت في الواقع تحت رحمة عدوك، بإمكانه أن يضربك في أي وقت، بإمكانه أن يختلق لك مشكلة ما مع أي بلد آخر فتدخل في حرب مع ذلك البلد كما رأينا.
هل يريد الناس سلامًا بما تعنيه الكلمة، وأمنًا بما تعنيه الكلمة؟ فليعودوا إلى السلام المؤمن المهيمن، مَنْ كتابه مهيمن على الكتب، ومن سيجعلهم مهيمنين على بقية الأمم وحينها سيحظون بالسلام.
والإسلام هو دين السلام، لكن دين السلام بمعناه الصحيح، ما معناه إقفال ملفات الحرب مع الآخرين ليس هذا هو السلام؟ أن نقول: انتهى الأمر نلغي الجهاد، ونلغي الحروب لنعيش مع الآخرين في سلام. هذا هو ما حصل لنا نحن المسلمين، ما عمله كبارنا، ظلوا يلهثون وراء السلام، ويناشدون الآخرين بأننا نريد السلام ويـبحثون عن السلام، بعد أن ألقوا آلة الحرب وألغوا اسم (الجهاد)، فما الذي حصل؟ هل حصل سلام أم حصل دوس بالأقدام؟ وحصل استسلام. أليس هذا هو الذي حصل؟
افهم، إسلامك الذي سيحقق لك السلام هو دين الله السلام، لكن بمعنى آخر، متى ما سرت على نهج هذا الدين، متى ما تمسكت بهذا الدين، متى ما اعتصمت بالله المشرِّع والهادي بهذا الدين ستكون قويًا، ستكون عزيزًا، ستكون الأعلى {فَلا تَهِنوا وَتَدعوا إِلَى السَّلمِ وَأَنتُمُ الأَعلَونَ وَاللَّهُ مَعَكُم وَلَن يَتِرَكُم أَعمالَكُم} (محمد:35).
ألم يستنكر عليهم أن يدعوا إلى السِّلم وهم في موقف يجب أن يكونوا هم الأعلون؟ فكيف تبحث عن السّلم مع الآخرين وأنت من يجب أن تكون أنت من يحاول الآخرون أن يبحثوا عن السِّلم معك، فتقول لهم: ادخلوا في الإسلام لتحظوا بالسِّلم؛ ليكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ألم يكن هذا ما يعمله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في أيام حروبه، عندما يخيرهم بين واحدة من اثنتين: إما الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أو الحرب. أنتم تريدون السلام ادخلوا في هذا الإسلام لتحظوا بالسلام، وإلا فليس أمامكم إلا السيف. حينها يصح أن نقول عن أنفسنا بأننا قد حصلنا على السلام، وحينها سنعرف معنى اسم كلمة إسلام الذي شُوِّه معناه، فأصبح يعني الآن استسلام للآخرين.
دروس من هدي القرآن الكريم
#معرفة الله_عظمة_الله_الدرس_السابع
ألقاها السيد/ #حسين_بدرالدين_الحوثي
بتاريخ: 25/1/2002م