الفرج يأتي في المراحل الصعبة
من هدي القرآن | 22 أبريل | مأرب برس :
إذا ما تحدثنا عن (الفَرَجِ) في مفهومه العام فهو يعني الانفراج، ولكن عندما نتحدث عن الفرج في إطار الجهاد في سبيل الله فسيكون المقصودُ به (النصر الإلهي) بكل ما تعنيه الكلمة. كما أن الحديثَ عن الفرج المرتبط بالجهاد في سبيل الله يعني تجاوُزَ محطات جهادية سابقة وَأبرزها: التحَــرّك، والمواجهة، والثبات، والصبر..؛ لذلك فإن أيَّةَ أُمَّــة جهادية أَوْ مجتمع جهادي يواجه ويجاهد في سبيل الله حتى يتعرض للبأساء والضراء والزلزلة، فهو هنا يطوى صفحةً من المحطات الجهادية ويفتح صفحةً أُخْــرَى، بمعنى أن هذه المجتمع المجاهد يبدأ في الدخول في محطة جديدة، وربما تكون الأخيرة وهي: مرحلة النصر، وهذه من الضمانات والبشارات التي سطَّرها اللهُ تعالى في القُـرْآن الكريم باعتبارها سنة وبشارة إلهية؛ لأنّ المراحل الصعبة من (بأساء، وَضراء، وَزلزلة) ستكون بدايةً للولوج إلى النصر الإلهي.. وهذا ما حكاه اللهُ جلّ وعلا في سورة البقرة في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}(البقرة214).
ولأهميّة هذا المحطة التي يكون فيها المجاهدون في سبيل الله عرضةً للمراحل الصعبة، قد يتراجع الكثير ويتضعضعون بسبب فقدانهم الثقة بالله، وعدم وجود [الوعي القُـرْآني] الذي يشكل الضمانة، والحصانة، والوقاية في مواجهة التحديات الكبرى، مهما عظُمت في أعين الناس، كما يشكل إيْمَاناً راسخاً كرسوخ الجبال في مواجهة المرجفين والمشككين، لذلك من المهم في ظل هذه التحديات الكبرى التي يواجهها شعبنا اليمني المسلم أن نكون على درجةٍ عاليةٍ من الوعي القُـرْآني، والحيطة والحذر من الانزلاق في هاوية التراجع واليأس من رحمة الله ونصره..
ومن خلال الدرس العاشر من دروس شهر رمضان أشار الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله تعالى عليه – إلى ذلك حيث يقول:
((في موضوع الفرج، عندما قال الله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}(البقرة214) قلنا: إن من الأشياء التي يجب أن نفهمها: أن تكون ثقتك بالله بأنه في الموقف الحرج سيكون النصر؛ لأن العادة بالنسبة للناس، عندما يقول: [ممكن نتحَــرّك، لكن…] يكون عنده صورة أنه ربما – مثلما يقولون – تحمض القضية (تزداد سوءاً)، ربما يتطور الموضوع. يعني: الناس – عادة – يخافون من ماذا؟ من تطور القضية، وأن يصبح موقفاً كبيراً، وصراعاً كبيراً، وخطورة كبيرة، أليست هذه الحالة التي تحصل عند الناس؟ أنت عندما تستفسر آخرين، يعني: عندما يأتي واحد يتحدث مع آخرين ستعرف من داخل أنفسهم: أن الشيءَ الذي يهيِّب الكثير من الناس، ممكن يتحَــرّك معك في كذا، وفي كذا، أما هناك فمشكلة كبيرة عندما يصل الموضوع إلى مواجهة مع قوة كبرى. لاحظوا هنا في القُـرْآن الكريم في أَكْثَــر من آية يذكِّر اللهُ الناسَ بما يعطيهم ضمانة في النقطة التي عادةً يتهيبون من أن يصلوا إليها، وهي ماذا؟ عندما تشتد القضية، عندما تكون المواقف الحرجة سيكون هناك نصر، سيكون هناك فرج؛ ولهذا قال هنا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ})).
ولخطورة التراجع والتضعضع في منتصف الطريق يعتبر الشهيدُ القائد أنّ عامل الوعي مهم جداً للمجاهدين في سبيل الله مجتمعاً وأفراداً، حتى يكونوا على وتيرةٍ مستمرة من الثبات والثقة بالله مهما تعاظمت التحديات، ومما قاله (رضوان الله عليه) في ذلك:
((قد تكون مثلاً بالنسبة للمجتمعات عندما يحصل بأساء، وضراء، وزلزلة، قد يجعل التزلزل أَكْثَــر بسبب نقص الوعي عند الناس، يحصل تزلزل أَكْبَــر، يعني: يحصل اضطراب، وتردد لديهم، ونوع من القلق، فمما يشكل ضمانة في هذه أن تعتبر أنه خلّي (دع) الزلزلة، والبأساء، والضراء تشتد بكيفها، متى ما اشتدت سيأتي فرج. أليس الإنْسَان قد يتراجع من البداية على أساس أنها قد تشتد، قد تحصل خطورة كبيرة فيتراجع؟ لكن عندما تكون واعياً من خلال الآية، لا..؛ لأنه لو اشتدت فهناك الفرج، ما أنت ستتحمل في الوسط؟ نفس الوعي، الوعي نفسه، الوعي الذي يقوم على أساس هدى الله سبحانه وتعالى يقي الناس من الكثير من الزلزلة؛ لأن الزلزلة هنا بمعنى أنه حكى من داخل المجتمع، قد لا يحتمل أن يكون النبي نفسه، أَوْ مؤمنين واعين على مستوى عالي، أن يكونوا اكترثوا بالزلزلة؛ لأنه قدم لنا نموذجا آخر: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}(آل عمران173) أليست هذه من الأشياء التي تزلزل؟ {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ألم يحصل هنا ثبات؟)).
وبعد أن ضرب اللهُ لنا مثلاً بالفئة المؤمنة التي لم تتزلزلْ ولم تتراجع أمام التحديات؛ بل بالعكس زادها ذلك إيْمَاناً ويقيناً بحتمية وقُرب النصر، يستشهد السيدُ حسين بدرالدين بمثالٍ قُـرْآني آخر في نفس السياق يتعلق بجنود طالوت ذلك الملك الصالح الذي تخاذلت نسبةٌ كبيرة من جيشه لأسبابٍ وتحدياتٍ مختلفة، منها ابتلائهم بعدم الشرب من النهر- باستثناء غرفةٍ واحدة -، عندها تراجعت نسبةٌ منهم لخللٍ في وعيهم وإيْمَانهم وثقتهم بالله، ومن ثمَّ عندما رأوا جيشاً جراراً في مواجهتهم وهو جيش جالوت، تراجعت نسبةٌ أُخْــرَى من جيش طالوت، فضعفوا واستكانوا واعتقدوا أنه من المستحيل المواجهة والنصر في ظلّ انعدام [التوازن المادي]..!! باستثناء ثلةٍ مؤمنةٍ واعية لم تتزلزل ولم تتراجع، بل انطلقت لتواجه الإرجاف والتخويف لتُثبِّت الآخرين، ومما قاله الشهيدُ القائد (رضوان الله عليه) في هذا السياق:
((في نفس المقام مع بني إسرائيل، في هذه الآية نفسها، عندما قال الآخرون: {لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} هذا مؤشر خطير، يعني: قد راح أَكْثَــرنا قبل، وراح أَكْثَــرنا بعد النهر، ونحن الآن في الميدان. أليست هذه تُوجِد زلزلة؟ لكن لاحظ كيف الوعي لديهم جعلهم هم يثبِّتون الآخرين، لم يضطربوا هم، {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذنِ اللهِ والله مع الصَّابرين} لم يتزلزل هؤلاء، مع أنها صارت حالةً رهيبة فعلاً، وهم في ميدان المواجهة لم يتزلزلوا! لماذا؟ إيْمَانهم قوي، وعندهم وعي بالشكل الذي يقيهم الاضطراب، كانوا هم ثابتين، وساعدوا على أن يَثبُت الآخرون. إذاً فمعنى هذا بأنه قد تحصل، ولو مع نبي من أنبياء الله، إذا لم يكن هناك تفهم بالشكل الكامل لتوجيهاته، قد تحصل زلزلة عند نسبة، أما من يتفهمون فهم لا يضطربون، ولا يتزحزحون، سيكون عندهم فكرة بأنه خليها تصل إلى أن يُقتل واحد، أليست القضية هذه؟ أليست نهاية كُلّ شيء هنا في الدنيا؟ خليها تصل إلى أن تُقتل، معناه ماذا؟ أن تنتقل شهيداً فتحيا من جديد في أفضل حياة، فهل يمكن تتزلزل؟ ولهذا كان الناس الثابتون تكون مشاريعهم كبيرة، ماذا يعني كبيرة؟ هؤلاء المؤمنون برزوا وعندهم مشروع نصر في مواجهة تلك القوة الجبارة، والكثيرة العدد بقيادة ملكهم جالوت، انطلقوا بذلك الدعاء: {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة250) ألم يدعوا اللهَ بالشكل هذا؟ عندهم طموح أن ينتصروا عليهم، وفعلاً انتصروا عليهم {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ}(البقرة251))).
ثم يؤكد الشهيدُ القائد بأنه من المهم جداً أن يكونَ القُـرْآن الكريم هو المشروع الذي من خلاله ننطلق في حركتنا ونتحَــرّك بحركته، وحيث يكون مشروعه تكون حركتنا، وَألاّ نعتمد فقط على ما حققناه من إيْمَانٍ وقوةٍ وانتصار؛ بل من المهم جداً أن نكون دائمي الالتجاء إلى الله بالدعاء والتضرع بشكلٍ دائم، ومما قاله (رضوان الله عليه) في هذا الإطار:
((هذه قضية هامة، لا بد أن تؤمن بأن يكون مشروعك هو مشروع القُـرْآن نفسه، ألم يكن القُـرْآن للناس جميعاً، للعالمين جميعاً؟ تكون نظرتك نظرته، وبعده، أين ما وصلت، بعد القُـرْآن أينما وصلت، هذه قضية. أن يكون في نفس الوقت عندك إيْمَان بأن النصر الإلهي، والفرج الإلهي، يأتي في النقطة التي تجعل الآخرين لتهيبهم منها يتراجعون. هنا إذاً لم يعد هناك ما يخليك تتراجع. في نفس الوقت يكون الإنْسَان دائم الدعاء لله، هذه قضية لا ينفرد الإنْسَان بنفسه أبداً مهما لمس عنده من قوة إيْمَان، واستعداد، وثبات، لازم يكون دائم العلاقة بالله، والدعاء باستمرار، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران8) {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة250) مجموعة أدعية من هذه نحاول أن نقولها يومياً، في قنوت الفجر، في قنوت الوتر، في خارج الصلاة، ندعو بها)).