كيف حولت كيمياء المقاومة السورية العدوان الأميركي إلى دخان هزيمة ؟
مقالات | 15 ابريل | مأرب برس :
بقلم / أبو بكر عبدالله :
لأيام حبس العالم أنفاسه على تكهنات الضربة الصاروخية الأميركية على سورية بعدما أثارت قلقا عالميا بانتظار مشاورات أميركية عابرة للقارات خلصت إلى اصغر حلف دولي لعملية عسكرية هزيلة استغرقت دقائق واستهدفت واقعا إخراج الرئيس الأميركي ترامب وإدارته من المأزق المهين لتنتهي بعملية تكتيكية لحفظ ماء الوجه.
110 صواريخ أطلقت فجر أمس على 9 أهداف سورية بمحيط دمشق والجولان ومناطق أخرى من طائرات أميركية وفرنسية وبريطانية وبوارج حربية أميركية في البحر الأحمر وشرق الأبيض المتوسط، تصدت لها الدفاعات الأرضية السورية في دقائق معدودة واسقطت منها نحو 73 صاروخا قبل أن تصل إلى أهدافها كما حرفت مسار صواريخ أخرى كانت تستهدف مطارات ومواقع عسكرية لتنتهي العملية بأضرار في مبنى تابع لمركز أبحاث علمي وثلاثة جرحى من المدنيين.
سجل الجيش العربي السوري انتصارا في تصديه للضربة الأميركية بل وأسقط معها فزاعة القوة الأميركية الضاربة التي يخشاها العالم، مسجلا بدول الحلف الثلاثي هزيمة تجاوزت المعطى العسكري إلى السياسي والإعلامي والأخلاقي .
من المنظور العسكري انتهت الضربة بهزيمة لواشنطن وحلفائها بعدما أفقدتها وإلى الأبد ورقة التلويح والتهديد بالتدخل العسكري المباشر وهو أهم معطى خلصت إليه هذه العملية ، بعدما فشلت بتحقيق أهدافها العسكرية وأعادت ترامب من جديد إلى مربع اللعب بورق الابتزاز السياسي وحلب البقر.
خسرت واشنطن عسكريا بعدوانها الفاشل على سوريا كونه لم يغير شيئاً في المعادلة القائمة على الأرض، وخصوصا في أهدافه الخفية التي حاولت كبح العمليات النوعية التي يقودها الجيش العربي السوري وحلفاؤه لتطهير أراضيه من أوكار التنظيمات الإرهابية، في حين كشف الدور الخفي لواشنطن بمحاولاتها المحمومة إنقاذ ما تبقى من سرطان الإرهاب الذي زرعته في الأراضي السورية منذ ما يزيد عن ست سنوات.
لم تكن هزيمة واشنطن عسكرية وحسب بل هزمت سياسيا خسرت واشنطن سياسيا أيضا عندما بدت عاجزة لأول مرة عن إقناع الدول الكبرى ناهيك عن أدواتها الإقليمية بالمشاركة في ضربة عسكرية قاتلة للنظام السوري بعدما تصدت الإرادة الدولية لجنون ترامب وإدارته واكتفى القدر القليل جدا من حلفاء الضرورة بالمشاركة بـ” ضربة عسكرية محدودة” كافية لإخراج العنجهية الأميركية من المأزق.
خسرت واشنطن سياسيا بانعكاسات عمليتها العسكرية على حلفائها الأعراب الذين بدوا في أسوأ حالاتهم قياسا بالمواقف السياسية الناضجة لكثير من عواصم العالم التي دانت أميركا في عدوانها على دولة ذات سيادة وفي انتهاكها القوانين الدولية، وسط سخرية واسعة من ذرائع العدوان التي اعتمدت على مقاطع فيديو مفبركة.
معالم الخسارة السياسية بدت أكثر وضوحا في الخلافات العاصفة بداخل الإدارة الأميركية والتي عبرت عنها تصريحات متضاربة لترامب التي قال فيها إن الضربة العسكرية على سوريا ستكون مفتوحة قبل أن يأتي بيان البنتاغون ليعلن بعد دقائق من تصريحات ترامب انتهاء العملية العسكرية معتبرا استمرارها مشروطا بمزاعم استخدام الأسلحة الكيميائية.
هزمت واشنطن أخلاقيا قادتها العنجهية لاستباق فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بشن ضربة جوية بدا واضحا أنها سعت ضمن أهداف أخرى إلى خلط الأوراق وعرقلة التحقيق الدولي في وقت كان العالم ينتظر أن يكشف ما إذا كان قد حصل فعلا هجوم بأسلحة كيميائية والجهات المتورطة فيه، لتضع نفسها أمام العالم بموضع الدولة المارقة المنتهكة للقوانين الدولية بعنجهية القوة.
لكن وصول فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيمائية إلى بلدة دوما السورية ومباشرته أعماله رغم الضربة العسكرية، مثل أيضا هزيمة أخلاقية لواشنطن ولندن وباريس ينتظر أن يضعها أمام استحقاقات وتداعيات سياسية داخلية مفتوحة.
في القراءة العميقة لهذا المشهد ينبغي الإشارة إلى انتصارات سجلتها الإرادة السورية بإسقاطها رهان القوى العميلة على قوة أميركا وإسرائيل وانتصارها بتحويل الموقف العربي المترنح إلى موقف متضامن ناهيك عما حققته من مكاسب عسكرية باستعادة الثقة بقدرات الجيش العربي السوري ناهيك عن حصولها على منظومة صواريخ S 300 الروسية للدفاع الجوي.
ربحت سوريا كذلك بتحقيقها المزيد من التماسك في جبهتها الداخلية واصطفاف شعبها الذي خرج إلى الشوارع محتفلا يرفع إعلامه الوطنية ومرددا هتافات النصر والتحدي لأميركا وأدواتها الداخلية والإقليمية، في وقت كانت فيه إسرائيل تعلن إقفال مجالها الجوي الحدودي لمدة شهر تحسبا لتداعيات.