(لن نؤمن لك حتى نرى) هي الحالة العربية التي ضربت العرب، وضربت القرآن
من هدي القرآن | 30 مارس | مأرب برس :
لن نؤمن لك يا حسين، لن نؤمن لك يا علي إلا بعد أن نرى يزيد فوق منبرنا، لن نؤمن لك إلا بعد أن نرى سيف يزيد مشهورًا على رقابنا، لن نؤمن لك حتى نرى أمريكا ونرى الأمريكي يوجه بندقيته إلى صدورنا، لن نؤمن لك حتى نرى نساءنا يخرجن متبرجات كالأوربيات في شوارعنا، لن نؤمن لك حتى نرى القرآن تُمَزَّق صفحاته في مساجدنا، لن نؤمن؛ لن نؤمن؛ هي الحالة العربية التي ضربت العرب، وضربت القرآن، وضربت الدين، نحن نعيشها [لن نؤمن لك حتى نرى؛.]
نحن – أيها الإخوة – يجب أن ننسف هذه الكلمة من مشاعرنا، ومن عقولنا، ومن أذهاننا [أنني لا أصدق إلا عندما أرى الأشياء ماثلة] إذا كنت من هذا النوع إذًا أمامك على طاولة التاريخ الشواهد الحية لهذه، ألا يكفيك شواهد حية على مدى [1400 عام]؟ ألا تكفيك شواهد إذا كنت ممن يريد أن يرى الأشياء أولًا هاهي أمامك كربلاء، هاهي أمامك [الحَرَّة]، هاهي أمامك ضرب الكعبة، هاهي أمامك الأحداث، تلك الأحداث، هي مثلٌ على كل ما نحدثك عنه.
إذا كنت لا تريد أن تكتفي بهذه الشواهد – التي هي شواهد حية، أحداث تجسدت في التاريخ بل تريد [موديلًا] جديدًا من الأحداث – فأنت أيضًا أسوء ممن قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أولئك الذين خرجوا ليشهروا سيوفهم في وجه الحسين هو ملعونون، ألسنا نلعنهم.
نعتبر أنهم ارتكبوا جريمة من أفضع جرائم البشرية على طول تاريخها، لكنهم في الواقع لم يكن أمامهم رصيد من الأحداث، والأمثلة الحية، وهم كمثلنا نحن وهم عرب ممن يعيشون في أنفسهم وتترسخ في أنفسهم [لن نؤمن لك حتى نرى ما تحدثنا عنه ماثلًا أمام أعيننا]. نحن نشاهد في التاريخ الأمثال الكثيرة، إذا كنت أنت تريد أمثالًا جديدة فإنك أنت أيضًا تعيش حالة يجب أن تسخر فيها من نفسك، تريد [موديلًا] جديدًا من الأحداث، تلك أحداث ماضية بالية، أحداث ماضية أنا أريد أحداثًا جديدة، أريد أن أرى تلك الأحداث ماثلة أمام عيني فألمسها وأشاهدها، وأحس بوطأتها أنا!
لا يجوز بحال – أيها الإخوة – أن نظل قاصرين في وعينا إلى هذه الدرجة وأمامنا هذا الرصيد المهم من الأحداث طوال التاريخ.
أكرر هذا؛ لأنها حالة نلمسها عند الجميع، ولأنها حالة قائمة لاحظ كيف أننا نقتنع بالمبررات الواهية المكذوبة التي ليست منطقية ولا معقولة ولا واقعية، يُصدِّرها الأمريكيون، يُصَدِّرها اليهود وعملاؤهم فيتحدثون بها فنقتنع، ونسكت ونجلس، بل نحن من وصلنا إلى أن نجعل تلك الحالة هي الحكمة، هي منطق الحكمة، هي منطق الحفاظ على الأمن، هي منطق الحفاظ على المصلحة العامة للشعب. والحكمة هي نفسها التي قال الله عنها: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: من الآية269) أصبحنا نعتبر قصور وعينا وجهلنا هو الحكمة.
إن الحكمة أن تعود إلى التاريخ، وتعود إلى القرآن، وتأخذ العبر والدروس من خلال تلك الأحداث، وتأخذ المقاييس الثابتة والوعي والبصيرة من خلال القرآن الكريم هنا الحكمة؛ حتى ترى في الأخير أن التفريط، أن السكوت، أن الجمود، أن التفكير في أنك ستسلم كلها متنافية مع الحكمة، كلها ليست واقعية، كلها هي سبب النكال، وسبب الخزي في الدنيا، وسبب أن تكون من يتلقى الضربات تِلْو الضربات من أعدائك، هذه ليست حكمة.
ونحن – أيها الإخوة – أيضًا هناك ما هو أسوء من هذا، في الوقت الذي نحن نشاهد زعماء العرب جميعًا في موقع نحن نسخر منهم، أنهم فرطوا في هذه الأمة، وأنهم دائمًا يتحدثون عن السلام، ويبحثون عن السلام من أمريكا، ثم عندما وصلت الأمور إلى ساحتنا – نحن المواطنين – إذا بنا نكرر العبارة نفسها، ونتخذ الموقف نفسه، [نريد السلام، والأفضل هو أن نسكت وأن نجمد وأن نحاول أن لا نثير وأن؛ وأن؛]!
أليس هذا هو ما كنا نلوم عليه زعماء العرب؟ أليس هذا هو ما نلوم عليه أننا نسمع أنه قد يمكن أن يخرج المؤتمر – مؤتمر القمة الذي سينعقد في بيروت – أن قراره قد حُسِم هي التسوية مع إسرائيل، هي المصالحة مع إسرائيل لتتوقف الانتفاضة؛ لأن تلك العمليات البطولية التي ينفذها الفلسطينيون أصبح الزعماء هؤلاء يخافون منها كما تخاف منها إسرائيل نفسها، وإلا لماذا؟
هذا موقف غير طبيعي، الموقف الطبيعي أنك عندما تشاهد الشعب الفلسطيني في انتفاضته بدأ يستخدم الوسيلة الصحيحة فبدأ يضرب العدو ضربات موجعة هو أن تدعمه بالسلاح، أن تدعمه بالرجال، أن تسانده بالمال من أجل أن يتمكن في مواصلة أعماله ليحرر نفسه وليرفع الظلم والجبروت عن كاهله، أما أن تبادر إلى تسويات تجعل ذلك الشعب يتوقف وتصنع أمامه عائقًا، فإذا ما تحرك نفس التحرك بدا أمام الجميع كله أنه عمل غير مشروع! لماذا؟! هذا عمل غير طبيعي.
إن هذا يدل على أنك تخاف من الانتفاضة نفسها كما يخاف منها الإسرائيليون؛ لأن تلك العمليات، لأن تلك الأعمال البطولية، وتلك الانتفاضة هي التي جعلت العرب، كما نشاهده اليوم مظاهرات في معظم البلدان الإسلامية، مظاهرات يرفعون فيها شعارات تهتف ضد أمريكا وضد إسرائيل، ويحرقون فيها العَلَم الأمريكي، ويحرقون فيها العَلَم الإسرائيلي، سخط يتنامى ويتداعى في الساحة العربية. يعرف هؤلاء أن هذا السخط ليس في صالحهم، أن الشعوب أن تتجه هذا الاتجاه، ليس في صالحهم هم، نفس الحاكمون، إذًا فليوقفوا هذا.
نحن أسوء من هؤلاء عندما نربط نظرتنا إلى الأحداث وموقفنا من هذه الأحداث بهم، هذا هو الموقف السيء. لماذا؟ أنت عندما تخرج في مظاهرة تؤيد فيها تلك الأعمال، وتؤيد فيها أولئك الأبطال، ألست تطلب منهم أن يواصلوا المسيرة؟ وأنك تعلن عن وقوفك إلى جانبهم، وتأييدك لأعمالهم؟ ألست بعملك هذا تحاول أن توجه رسالة إلى عدوك وعدوهم أن الجميع قد يقفون كلهم في وجهك؟
إذًا فليس من الطبيعي أن تقف من القضية موقف زعمائك الذين هم سيضحون بهذه الأعمال البطولية، ويكون قرارهم مما يدعو إلى إيقافها.
فنحن عندما نشاهد هذه الأحداث، ونحن عندما نكون من يعرف أنها أحداث موجهة ضد ديننا، وضد أمتنا، وضد أنفسنا، وضد مصالحنا ثم نقف منها موقف الزعماء فهذا هو أيضًا دليل آخر على أنك أسوء من ذلك العراقي الذي وقف موقف يزيد من قضية مواجهة الإمام الحسين، أنت أسوء منه.
أنت هنا تخرج في هذه المظاهرة تعبر عن هذا الموقف، وترى الزعماء يعبرون عن موقف آخر، ثم أنت من يرتبط بهم وأنت من تؤيد ما وصلوا إليه، ثم عندما تصل القضية إلى ساحتك أنت من تتبنى نفس الموقف الذي تبنوه، أنت من تقول: لا ينبغي أن نرفع مثل هذا الشعار، نحن نخاف أن تضربنا أمريكا، نحن نخاف [العصا الغليظة] العبارة الجديدة [العصا الغليظة] لتعرفوا صدق قول الله سبحانه وتعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة:52).
ألم يكونوا دائمًا يقولون: حفاظًا على مصلحة الشعب؟ إن الإمام عليًا (عليه السلام) يقول: ((ما أضمر إنسان شيئًا في قلبه إلا ظهر على قسمات وجهه وفلتات لسانه)) يوم كانوا يتحدثون عن الحفاظ على الأمن ومصلحة الشعب، ومن أجل التنمية – وهو منطق الزعماء جميعًا – بدأ الصدق، صدق ما في قلوبهم: يخشون {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} (المائدة: من الآية52) بعبارة: [نخاف العصا الغليظة].
نحن يجب أن نقول: نحن لا نخاف تلك العصا التي تسمونها غليظة، ونحن لا يجوز أن نخاف من أي عصا في هذه الدنيا.
كلمة: {مَرَضٌ} في القرآن الكريم واسعة جدًا، واسعة جدًا، مجمل ما تعني: أنه موقف غير طبيعي، موقف غير سليم، موقف غير صحيح، موقف غير واقعي، أن تسارع إلى أعدائك وأعداء دينك، أن تسارع إليهم، أن تثبط الأمة عن مواجهتهم، ثم تتحدث بأنه من أجل الحفاظ على الأمن والمصلحة والتنمية ونحوها.
إن الله يقول: إن ذلك موقف من في قلبه مرض، سواء كان زعيمًا أو مواطنًا عاديًا أو وجيهًا أو كيف ما كان، من يقف هذا الموقف في قلبه مرض، وليكن ذلك المرض في أدنى حالاته هو [الجُبن] وهل الجبن منسجم مع الإيمان؟ أم أن الإمام عليًا (صلوات الله عليه) هو الذي قال: ((لا تجد المؤمن جبانًا ولا بخيلًا))، ((البخل والجبن خَلَّتان يجمعهما سوء الظن بالله)). من كلام الإمام علي (عليه السلام) ((يجمعهما سوء الظن بالله)) مرض، فإذا كان ذلك مرض فيعني أن ذلك الموقف موقف غير صحيح.
ما هو الموقف الصحيح؟ هو الموقف الذي وجه إليه القرآن: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29) أليس هذا هو الموقف القرآني؟ يخاطب الجميع زعماء وشعوب حكومات وشعوب يخاطب الجميع، كل من يحمل اسم الإسلام. إن هذا هو الموقف لكن ما الذي جعلهم يتخذون مواقف أخرى؟ مرض، وليكن ذلك المرض العشق للمنصب، الحرص على المصلحة الخاصة، أو يكون جبن أو يكون ما كان.
بل أصبحت المسألة – وهي قضية يجب أن نعيها أيها الإخوة – يجب أن نعيها، أصبحوا هم من يتعاملون مع الشعوب، فإذا ما دعونا لمظاهرة ضد إسرائيل، أصبحت فلسطين، أصبحت فلسطين نفسها الآن تستخدم وسيلة لامتصاص غضب الشعوب، لامتصاص غضب الساخطين في هذه الشعوب، الذين قد يصل غضبهم وسخطهم إلى التساؤل لماذا لا يكون لنا موقف؟ ما الذي عاقنا عن أن يكون لنا ونحن أمة لها جيوشها، لها أسلحتها؛ ما الذي عاقها عن أن يكون لها موقف؟ فترى نفسها هي من تتفرج على إخوانهم، على أبنائهم، على أمهاتهم في فلسطين، تدمر بيوتهم وتسفك دماؤهم.
أليس الناس يتساءلون بعد من المسئول وراء ذلك؟ أوليس الناس كلهم سيحمِّلون المسئولية حكوماتهم وزعماءهم؟ إذًا قبل أن يصل الوضع إلى هذه الحالة، قبل أن يتنامى السخط، إلى أن يخلق هذه النظرة هلمُّوا أخرجوا إلى الشوارع، اخرجوا ما في نفوسكم، اسخطوا، تكلموا تحدثوا، ثم يعود اليمني، يعود المصري إلى بيته ويرى نفسه وهو في بيته مثل حالته قبل أن يخرج من بيته، ويرى والوضع هو الوضع، والجمعة هي الجمعة، والخطبة هي الخطبة، والموقف هو الموقف، موقف الزعماء هو الموقف.
هذه الطريقة ليتظاهر الناس ولو كل أسبوع على هذا النحو لا يجدي إذا لم يكن تنامي السخط في الأمة هو يتجه من منطلق الإيمان بضرورة أن تصحح هذه الأمة وضعيتها، وأن تبني نفسها؛ ليتجه الجميع لاتخاذ موقف من ذلك العدو الذي نراه يعمل بأبنائنا وأمهاتنا وإخواننا، ببيوتهم بمزارعهم بمساجدهم بمستشفياتهم في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي كشمير وفي غيرها من البلدان؛ لنستطيع أن نوقفه عند حده، وأن نقطع تلك اليد التي تعبث في البلاد الإسلامية، في فلسطين وفي غيرها.
وإلا فليتظاهر الناس؛ المظاهرة جيدة، والمظاهرة نفسها تترك أثرًا أمام اليهود، وأمام النصارى: أن هؤلاء يغضبون، لكنهم سيكونون هم من يأمنون من غضبنا متى ما وجدوا أن غضب هذه الأمة لا يصب في قناة تحتويه فتحوله إلى صخرة تدك عروشهم، حينها سيأمنون غضبنا، وحينها نصرخ كما نصرخ لا يخافون منا.
يجب أن تستغل المظاهرات، يجب أن تستغل الخطب، يجب أن يستغل شعار: [الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل]، وغيره من كل الهتافات التي تنمي السخط في نفس الأمة لبناء الأمة، لتتجه هي هي، لتقف الموقف الذي يفك عن الفلسطينيين وغيرهم من المظلومين ممن تظلمهم أمريكا وإسرائيل وحلفائهم، ليفكوا هم وإلا فكل واحد منكم – وليس محللًا سياسيًا وليس مفكرًا – لو سألناه إذا كنا كل أسبوع نخرج، أو كل شهر نخرج في مظاهرة من هذا النوع والوضعية على ما هي عليه، ليس هناك من يبني اقتصادنا بناءً صحيحًا حتى نرى أنفسنا نستطيع أن نتحمل حصارًا يُفرض علينا، نستطيع أن نقف في وجه عدوِّنا، إذا كنا لا نرى أنفسنا تُفتح مراكز للتدريب ليتدرب الشباب جميعًا على الأسلحة.