رجل الكرملين الأول “كابوس” يقضّ مضاجع الغرب
مقالات | 22 مارس | مأرب برس :
أجريت يوم الأحد الماضي الانتخابات الرئاسية في أكبر بلدان العالم من حيث المساحة، وكما كان متوقعاً، تمكّن الزعيم الروسي البالغ من العمر 65 عاماً فلاديمير بوتين، من البقاء للمرة الرابعة على التوالي كزعيم أول في الكرملين الروسي. وصول بوتين مرة أخرى يؤكّدُ المؤُكَّد، حيث إن وصوله في عام 2000 كان نقطة تحول جديدة في حقبة ما بعد الشيوعية في روسيا. ومن أجل فهم هذا التحول علينا مراجعة إجراءات بوتين خلال هذه الفترة، ومقارنتها مع الأوضاع قبل وصوله إلى السلطة.
ما قبل بوتين
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يكن موقف روسيا من النظام العالمي وهيكل النظام الدولي واضحاً. “بوريس يلتسين” الرئيس الروسي السابق، خلال هذه الفترة، أطلق خطة للتحول الاقتصادي عبر تحرير الأسعار وتوحيد أسعار الصرف وصرف الروبل، والملكية الخاصة وإلغاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية، ما أدى إلى تشكيل طبقة جديدة تسمى الأوليغارشية.
بدأت هذه الأوليغارشية في السيطرة على الاقتصاد الروسي، ما أدى في النهاية إلى تراجعه على المستوى العالمي. سُمّي عدم الاستقرار هذا الذي استمر خلال فترة رئاسة يلتسين الثانية بـ “فترة الشلل” في روسيا. وبسبب هذه الأوضاع اتخذ يلتسين وأندري كوزيرف العديد من الإجراءات من أجل تحسين الأوضاع ومنها التوجه نحو الغرب، حيث شكلا مجموعة للتقارب مع الهياكل الغربية من أجل تعزيز مكونات القوة الروسية، وخلال تلك الفترة رفع الكرملين شعار التقارب من الدول الغربية. لكن هذه السياسة أدّت فيما بعد إلى فشل روسيا في الوصول إلى إطار واضح لتحديد مصالحها وأهدافها وأصدقائها وأعدائها.
مجيء بوتين
بوتين هو أحد منتقدي السياسات المثالية لأشخاص مثل “يفكيني بريماكوف” (وزير الخارجية الروسي بين عامي 1996 م إلى 1998 م. ورئيس الوزراء بين عامي 1998-1999) وعندما وصل إلى رئاسة الحكم كان ينادي بسياسة القوة العظمى الحديثة (Normalized Modern Great Power) مع الأخذ في الاعتبار ضرورة التكيف مع الساحة الأجنبية، على أسس ثلاث وهي التحديث الاقتصادي، وتحقيق مكانة لائقة في عملية المنافسة العالمية، وعودة روسيا إلى الساحة الدولية باعتبارها “قوة عظمى”. ولتحقيق هذه الأهداف، اتبع نهجاً عملياً، لكن في بداية رئاسته، وجدت روسيا نفسها بين خيارين لا ثالث لهما إما القبول بالشروط الغربية أو قبول مخاطر العزلة التي يفرضها الغرب، وبسبب ضعف بعض مؤسسات صنع القرار في ظروف ما بعد الشيوعية، كانت الخيارات أمام بوتين ضئيلة جداً.
ومن أجل تحويل روسيا إلى قوة عظمى ولاعب مهم في الساحة الدولية كان على بوتين اتباع استراتيجية “المقاومة الإيجابية” والتي تستند على القبول بالوضع القائم، وعدم التوصل إلى حل وسط، أو تحقيق المصالحة على أسس ضعيفة، وفي الوقت نفسه الاستفادة من أقل الفرص التي تلبي احتياجات روسيا.
واستطاع بوتين في دورته الأولى من 2000 إلى 2006 أن يستعيد بعضاً من القوة الداخلية لروسيا، حيث انتعش الاقتصاد الروسي خلال هذه الفترة، وتم تقييد ظاهرة الأوليغارشية التي ظهرت دون قصد مع سياسات ما قبل بوتين. وطور مستشاروه الاقتصاديون نظاماً نقدياً ومالياً مربحاً، وتم تبني سياسة تقليل الاعتماد على عائدات الطاقة والنفط والتعجيل بتطوير التقنيات المتقدمة. وبفضل هذه السياسة نما الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 70 في المئة، ما جعله سابع أكبر اقتصادي في العالم. وفي الوقت نفسه نما الناتج المحلي الإجمالي 6 مرات واحتل المرتبة العاشرة بعد أن كان في المرتبة 22.
بوتين فترة الرئاسة الثانية ومعارضة الأحادية
بوتين بعد التماسك الاقتصادي الروسي، واعتماد أمريكا سياسة الأحادية في التعاطي مع دول العالم خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول، ودخولها بالقرب من الحدود الروسية، كشف بوضوح عن سياسته الجديدة في الفترة الثانية. وفي مؤتمر أمن ميونخ الثالث والأربعين، انتقد سياسة أمريكا أحادية الجانب (التي بدأت في عهد بوش)، ووصف بوتين رسمياً السياسة الخارجية لروسيا بأنها “قوة عظمى”. ثم قال بحزم إنه لا يمكنه قبول الدروع الصاروخية الأمريكية في التشيك وبولندا. حيث كان على دراية تامة بأن الموقف الجيوسياسي لروسيا “هارتلاند العالم” كان نقطة مهمة لروسيا ويجب ألّا يسمح للقواعد العسكرية الأمريكية بإضعاف هذه الرافعة الجيوستراتيجية.
بوتين وهيكل النظام الدولي
يعتبر بوتين والكرملين أن النظام الدولي هو نظام أحادي القطب مؤقت، لأنه مع ظهور مراكز جديدة للقوة، مثل الاتحاد الأوروبي والهند والصين وروسيا وإيران، سوف يتحدى هذا النوع من الأنظمة التي تستفيد منه أمريكا عاجلاً أم آجلاً. ورغم الاختلافات بين روسيا وأوروبا في قضايا كثيرة مثل أوكرانيا فقد شدد بوتين على الحاجة إلى التعاون والتكيف مع المجتمع الدولي لهزيمة أحادية أمريكا في العالم. ومن هنا يرى بوتين أن عليه الدمج بين هدفين متعارضين هما الاندماج السلبي لروسيا في الثقافة الأوروبية، والحفاظ على دوره في مؤتمر فيينا بشأن أوروبا باعتبار روسيا كقوة تكميلية لأوروبا. لهذا السبب، حاول إعطاء روسيا تماسكاً أكبر في البعد العسكري والأمني. وحاول مع العديد من قوات التحالف، تقليل الضغط الناجم عن النظام الأحادي القطب الذي يحد من القوة الروسية والأوروبية.
التعامل الانتقائي
في فترة ولايته الثالثة، جعل بوتين من علاقات روسيا مع إيران وسوريا (التي كانت موجودة أساساً) أقوى بكثير ولم يسمح لأمريكا والغرب بتحويل المنطقة لمصلحتهم. وتوصل بوتين إلى استنتاج مفاده أن الفرص والتهديدات الروسية متنوعة للغاية، ولكي تكون روسيا قوية مجدداً، عليه أن يعتمد العقلانية وبشكل انتقائي في التعاطي مع هذه القضايا. ومن أجل النجاح في ذلك كان عليه الفصل بين القضايا واتباع عدة خطوات خطط لها مسبقاً. ومن بين هذه الخطوات التعامل مع بعض القضايا بطرق اقتصادية ناعمة وأخرى بطرق عسكرية صعبة كالذي حدث في الأزمة الأوكرانية التي تعتبر أولوية جيوسياسية لروسيا. لذلك، من المتوقع أن يتابع بوتين في الفترة الرابعة من رئاسته في عام 2018 سياسة تقوية الحضور الروسي في الساحة الدولية وذلك بالتعاون والتفاعل مع الدول التي تساعد في ذلك ولا تضر بالسلطة الروسية وتهددها، وخاصة تلك الدول التي لا تعتبر من بين الحلفاء الاستراتيجيين للغرب في العالم.