كيف تنظر المنطقة المغاربية لولي العهد السعودي الصاعد «محمد بن سلمان»؟
متابعات | 18 مارس | مأرب برس :
أثار الصعود السريع لوليّ العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان إلى السلطة ردود أفعال متباينة في العالم أجمع بين مُستبشر بالتغييرات الاجتماعيّة والثقافية التي يشرف عليها على نطاق واسع في مجتمع محافظ، كالمملكة العربيّة السعوديّة، قد يكون أبرزها السماح للمرأة بقيادة السيارة لأوّل مرّة، وبين مشكّك في سياساته وتوجّهاته في المنطقة، خصوصًا ما تعلّق منها بالكارثة الإنسانية التي تسببت بها الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
في الأسطر التالية نحاول رصد أهمّ ردود الأفعال في دول المغرب العربيّ – التي يشارك تيّار الإخوان المسلمين في حكومتين منها – على صعود وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان إلى السلطة، والآراء المتباينة حول مشروعاته وسياساته داخل وخارج المملكة.
الجزائر وابن سلمان.. اذهب وحدك فقاتِل
أولى الصدامات بين توجّهات ابن سلمان والتوجّه الجزائري الرسميّ كانت حول المشاركة في التحالف الذي أنشأته السعوديّة من أجل المشاركة في حرب اليمن في مارس (آذار) 2015؛ إذ رفضت الجزائر رسميّا الانضمام إلى عاصفة الحزم، واعتبرت أنّ الحوثيين – المستهدفين الرئيسيين بضربات التحالف – طرفٌ رئيس في المعادلة السياسية اليمنيّة، كما دعت لانتهاج سياسة الحوار بدلًا عن الحرب لتسوية الخلافات، وقد كانت هذه الرؤية مُعاكسةً تمامًا لتوجّهات المملكة التي يقودها وزير الدفاع في تلك الفترة، ووليّ العهد الحاليّ محمّد بن سلمان. بعدها بأشهر قليلة أخرجت السعوديّة تقريرًا تتّهم فيه الجزائر، بالإضافة إلى دول أخرى، بما سمّته التساهل مع شبكات تمويل الإرهاب بحلقة جديدة في الصدام بين الرؤيتين، لتنفي الجزائر هذه الاتهامات تمامًا، وتعلن أن لا أساس لها من الصحّة.
لم يحظَ تعيين ابن سلمان وليًا للعهد خلفًا لابن نايف بكثير من الاهتمام، والتغطية الإعلاميّة، وردود الأفعال السياسية في الجزائر، إلّا أن الأزمة الخليجية وموقف الجزائر الحيادي منها، إضافةً الى إعلان ترامب شهر ديسمبر (كانون الأول) عن قراره الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وتسرّب أنباءٍ عن دورٍ محتمل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قرار ترامب، وضغطه على السلطة الفلسطينية من أجل المزيد من التنازلات، جعلت قطاعًا من الجزائريين يهاجمون ولي العهد ابن سلمان، وقد امتدّت الانتقادات إلى أبيه سلمان؛ إذ رفع أنصار نادي «عين مليلة» لكرة القدم لافتةً بها صورة كلٍّ من ترامب والملك السعودي، وكتب عليها: «وجهان لعملةٍ واحدةٍ»؛ للتعبير عن مدى غضب الأنصار من قرارات الإدارة السعودية، وقد سببت هذه اللافتة أزمة دبلوماسية بين البلدين، كان نتاجها اعتذار الحكومة الجزائرية عن الحادثة.
وعلّق الإعلامي الجزائري حفيظ دراجي عبر حسابه في «فيسبوك» على هذه الحادثة قائلًا: «عندما قال إمام الحرم المكي عبد الرحمن السديس: إن ترامب والملك سلمان هما قطبا سلام العالم، يقودان العالم معًا إلى السلام، لم يتحرك أحد في السعودية، بل فرح الجميع».
وأضاف دراجي: «عندما قام جمهور نادٍ محلي في الجزائر بتجسيد هذه المقولة في صورة مشتركة، غضب البعض، وانتفض البعض الآخر، على غرار سفير المملكة في الجزائر الذي توعد بالرد».
وتابع دراجي: «نية المناصرين كانت حسنة بالتأكيد، ولم تكن للإساءة للسعودية لما رفعوا هذه اللافتة، ومن يتوعد بالرد، فسيأتيه بالتأكيد الرد أقوى، من أحفاد الشهيد العربي بن مهيدي». في إشارةٍ منه إلى تهديدات السفير السعودي بالجزائر حول الحادثة.
النهضة التونسية تطلب وساطة الأمير الشاب
أخذت العلاقة بين الإخوان المسلمين والسعودية مع تولي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بعدًا ثانيًا، بعد أن كانت القطيعة محور العلاقة سابقًا. هذا البعد أتى بعد تبادل الطرفين إشاراتٍ إيجابيةٍ: من بينها تصريح لوزير الخارجية السعودي – الراحل – وقتها، سعود الفيصل»، قال فيه: «إنه لا مشكلة لديهم مع الإخوان، وإنما مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، وهي من في رقبتها بيعة للمرشد». ثم استقبلت المملكة بعدها شخصيات إسلامية محسوبة على تيار الإخوان المسلمين، كان من بينها رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، واستمرت هذه العلاقة حتى تولي الابن محمد بن سلمان لولاية العهد في يونيو (حزيران) الماضي، الذي يعرف بتوجهاته العدائيّة تجاه الإخوان المسلمين، وتصريحه أكثر من مرّة باتهام الإخوان المسلمين بالإرهاب، كان آخر تصريحاته لدى زيارته الأخيرة لمصر، حيث اعتبرها أحد أضلع محور الشرّ.
وقد كان تعامل «حركة النهضة التونسيّة»، القريبة من تيار الإخوان المسلمين، بالنسبة للسعوديّة براجماتيًّا، فما بين تبادل رسائل التهنئة حول الأعياد الوطنية التي دأب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة اتباعها، وصولًا إلى دعوته لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي التوسط لدى القيادة المصرية للتصالح مع جماعة الإخوان.
ويرى الغنوشي أن ولي العهد السعودي هو الأقرب لحلِّ الخلاف والمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري، وقد صرح حول المسألة بالقول إنه التقى محمد بن سلمان، وطلب منه بشكل مباشر التدخل لدى السلطة في مصر لتهدئة الأجواء.
وفي الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي إلى مصر، وأثناء لقائه بالإعلاميين المصريين، صرح ابن سلمان أن الإخوان المسلمين هم أعداء للمملكة، ولم يفصل الأمير السعودي في موقفه من الإخوان المسلمين في تونس، وباقي البلدان العربيّة.
وشكلت الأزمة الخليجية نقطة خلافٍ جديدة بين القيادة السعودية الجديدة بقيادة ابن سلمان والحكومة التونسية، بعد أن رفضت تونس الرضوخ للضغوطات السعودية والإماراتية للاصطفاف مع دول الحصار، إلّأ أنّ الحكومة التونسية اتخذت موقف الحياد بطلبها الدول الخليجية الجلوس على طاولة الحوار.
جديرٌ بالذكر أنّ وزيرًا تونسيًا للأوقاف اتهم المدرسة الوهابية الحنبلية التي تطبق في السعودية بإنتاج التكفير، كما هاجم أمين عام «حزب الجبهة الشعبية» التونسي زهير حمدي المملكة العربية السعودية، واعتبرها مسؤولة عن صناعة الإرهاب.
المغرب يأوي منافسي ابن سلمان
تعتبر المغرب من بين الدول الحليفة للسعودية في المنطقة المغاربية، بحكم تشابه الأنظمة في البلدين اللذيْن يعتمدان النظام الملكي في الحكم، كما أنّ الملك السعودي يولي المغرب اهتمامًا بالغًا في سياسته الخارجية، ويقضي فيها رفقة معظم الأمراء السعوديين إجازته السنوية، إلّا أنّ ولي العهد الشاب تعامل بسياسة معاكسة مع المغرب، فبينما كان المغرب يستعد لاستقبال الملك السعودي لقضاء إجازته في الصيف الماضي،خرج ابن سلمان ليهدد المغرب بإلغاء زيارة أبيه؛ بسبب موقف المغرب من الأزمة الخليجية، والتي كانت داعمةً لقطر على حساب السعودية، إضافةً إلى إيواء المغرب لكلٍ من الأمير محمد بن نايف، والأمير بندر بن سلطان، الذي لم يعط صوته في مجلس البيعة لابن سلمان من أجل اختياره وليًّا للعهد.
وواصل ابن سلمان مواقفه العدائية للمغرب من خلال تصريحات أقرب مساعديه؛ إذ علّق سعود القحطاني على قرار الحكومة المغربية بتعويم الدرهم بالقول: «عوم يا عوام. (تعويم) الدرهم المغربي بهذا قرار صائب سيصبحن المغربيات أقل من ريال سعودي مراكش عالسريع» وهي التغريدة التي اعتبرها مراقبون مسيئة.
وكان الأمير المغربي هشام العلوي قد كتب مقالًا تحت عنوان: «النزعة الاستبدادية الخطيرة لمحمد بن سلمان»، ينتقد فيه سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الداخل والخارج، وأشار الأمير المغربي عن التحولات الدينية التي يمارسها ابن سلمان قائلًا: «الأصوات التي يتم إخراسها باسم الإصلاح الديني، هي بالضبط تلك التي تطالب علانية باحترام التعدد الفكري، مثل حالة الشيخ سلمان العودة الذي تم اعتقاله»، وعن السياسة الخارجية للشاب السعودي، قال الأمير المغربي: إن ابن سلمان «حصد الكثير من الإخفاقات، وكل تدخلاته تنبع من الشعور بالعدائية البالغة تجاه إيران».
تجدر الإشارة إلى أنّ السعودية تعد من بين أكبر الداعمين للمغرب في قضية الصحراء الغربية، وهي القضية التي لا يستبعد أن يلعب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأوراقها للضغط أكثر على المغرب وتغيير توجهاته.
المصدر : ساسة بوست .