الواقع السيء الذي نعيشه ضحية عقائد باطلة وثقافة مغلوطة
من هدي القرآن | 17 مارس | مأرب برس :
ألقى الشَّهِيْدُ القَائِـدُ سلام الله عليه محاضرة ــ ملزمةً ــ (معرفة الله ــ الثقة بالله) الدرس الأول ــ بتأريخ 18/ 1/2002م تناول فيها معنى (لا إله إلا الله) بشكل واسع وكبير، وطرح طرحاً رائعاً، ينُمُّ عن معرفة واسعة وعميقة بالقُـرْآن ومنهجيته، هدف من خلالها إلى تعزيز ثقة الأُمَّـة بخالقها، فلا تخاف إلا منه، ولا ترجو إلا هو، ولا ترغب إلا فيه، ولا تعتصم إلا به.. فكانت بحق من أروع المحاضرات وأجملها..
عاملان أساسيان جعلا المسلمين يعيشون أزمةَ ثقة بالله!!
ابتدأ الشَّهِيْدُ القَائِـدُ سلامُ الله عليه محاضرتَه بذكر عاملين أساسيين أدّيا بالأُمَّـةِ إلى حالة الذل والمهانة التي تعيشها، حيث قال: [إذا تأمل الإنسان في واقع الناس يجد أننا ضحية عقائد باطلة، وثقافة مغلوطة جاءتنا من خارج الثقلين: كتاب الله، وعترة رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هذا شيء. الشيء الآخر – وهو الأهم – أننا لم نثق بالله كما ينبغي، المسلمون يعيشون أزمةَ ثقة بالله.. لماذا؟ أليس في القُـرْآن الكريم ما يمكن أن يعزز ثقتنا بالله سبحانه وتعالى؟ بلى. القُـرْآن الكريم هو الذي قال الله عنه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21) قلة معرفة بالله، انعدام ثقة بالله، هي التي جعلت المسلمين يتصرفون بعيداً عن الله سبحانه وتعالى، فلم يهتدوا بهديه، لو وثقنا بالله كما ينبغي لانطلق الناس لا يخشون أحداً إلا الله]..
القُـرْآنُ يُخوّف الناس من أن يصيروا كبني إسرائيل:ــ
ونوّه سلامُ الله عليه إلى أن اللهَ سبحانه وتعالى لم يُقصر مع الأُمَّـةِ، وحذّرها من التصرفات التي تبعدها عن الله، حيث قال: [الخطاب القُـرْآني يتجدد دائما يقول للناس: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}(الحديد: من الآية16) ألم يأن, يعني: ما قدو وقت – بتعبيرنا نحن – ما قدو وقت أن الناس تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق من القُـرْآن الكريم؟ {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}(الحديد: من الآية16) تخويف من أن يصير الناس إلى ما صار إليه بنوا إسرائيل، الذين طال عليهم الأمد يسمعون مواعظ، ويقرؤون كتباً، ولكن ببرودة لا يتفاعلون معها، وتتكرر المواعظ وتتكرر النبوات، وهكذا، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} حتى فسق أكثرهم، وحتى استبدل الله بهم غيرهم، وحتى جردهم من كُلّ ما كان قد منحهم إياه: النبوة، وراثة الكتاب، الملك، الحكمة. نحن المسلمون نتعرض لمثل هذه الحالة فكتاب الله يتردد على مسامعنا كثيراً، والمواعظ تتردد على مسامعنا كثيراً، والعلماء بين أظهرنا يتحدثون معنا كثيراً، ولكن نتلقى الكلام, نتلقى آيات القُـرْآن ببرودة لا نتفاعل معها، أصبح تقريبا مجرد روتين استماع القُـرْآن الكريم، واستماع المواعظ، وحضور المناسبات، لكن دون أن نرجع إلى أنفسنا فنجعلها تتعامل مع كُلّ ما تسمع بجدية، وتتفاعل معه بمصداقية. نتعامل ببرودة مع كُلّ ما نسمع، ولم ننطلق بجد وصدق لنطبق، لنلتزم، لنثق].
التعامل مع القُـرْآن ببرود.. يؤدي إلى قسوة القلوب:ــ
وحذّر سلامُ الله عليه أشدَّ التحذير من الابتعاد عن تعاليم الله، وتجاهلها، وأن هذا يؤدي إلى شيء فظيع جِـدًّا، وهو قسوة القلب، حيث قال: [ستقسو قلوبنا – ونعوذ بالله من قسوة القلوب – متى ما قست القلوب يصبح هذا القُـرْآن الكريم الذي لو أنزله الله على الجبال من الصخرات الصماء لتصدعت من خشية الله، لكن القلب متى ما قسي يصبح أقسى من الحجارة، فلا يؤثر فيه شيء. قال الله عن بني إسرائيل الذين حكى بأنهم طال عليهم الأمد فقست قلوبهم قال عنهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(البقرة: من الآية74)، من بعد ماذا؟ من بعد المواعظ، من بعد الآيات الباهرات التي لم يتفاعلوا معها، ولم يعتبروا بها، ولم يتذكروا بها فقست قلوبهم، هكذا طبع الله القلب. القلب إذا لم تحاول أن تجعله يلين مما يسمع، يلين لذكر الله، يوجل إذا سمع ذكر الله، يزداد إيْمَانا إذا تليت عليه آيات الله إذا لم تتعامل معه على هذا النحو فبطبيعته هو يقسو، يقسو, يقسو.. ومتى ما قسي قلبك سيطرت عليك الغفلة والنسيان لله سبحانه وتعالى، إذا ما نسيت الله نسيت نفسك، فتأتي يوم القيامة فتكون منسياً عما كنت ترجوه من الخير، أو تأمله من الخير والنجاة، والفوز يوم القيامة {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(التوبة: من الآية67) {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (الحشر:19).
ما المطلوب من القلوب؟
وأشار سلامُ الله عليه إلى أهميّة أن تتربى القلوب التربية الصالحة، حيث قال: [قلوبنا إذا لم نحاول أن نتعامل معها من منطلق الخوف أن تصل إلى هذه الحالة السيئة: القسوة, فتصبح أقسى من الحجارة، فحينئذ لا ينفع فيك شيء، لا ينفع فيك كتاب الله، ولا ينفع فيك رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ولا ينفع فيك أية عظة تمر بك في هذه الدنيا. والمطلوب من القلوب هو أن تخشع لذكر الله، هو أن تلين، هو أن تصدِّق، أن تثق، أن تمتلئ بالخشية من الله، أن تمتلئ حباً لله، معرفة قوية بالله سبحانه وتعالى.. متى ما صلح القلب صلح الإنسان بكله، وانطلق ليصلح الحياة بكلها، وانطلق بإيْمَان، بثقة، بإخلاص، بصدق، بتوجه حكيم في كُلّ ما يريد الله سبحانه وتعالى منه].
من أين جاءت أزمة الثقة بالله؟!
وتساءل سلام الله عليه سؤالا وجيها جِـدًّا، ومؤلما في نفس الوقت، حيث قال: [من أين جاءت أزمة الثقة بالله حتى أصبحت وعوده تلك الوعود القاطعة المؤكدة وكأنها وعود من لا يملك شيئاً؟! وكأنها وعود من لا علاقة لنا به، ولا علاقة له بنا.. كيف نعمل؟. نعود إلى معرفة الله سبحانه وتعالى. نحن في الدرس السابق تحدثنا عن ما عرضه القُـرْآن الكريم عن أولياء الله، كيف يكونون، كيف يكون أولياؤه, بعد أن تعرفه ستثق به، فمعنى أنك أصبحت من أوليائه أنك جعلته ولياً لأمرك، لكل أمورك، تهتدي به، تسترشد به، تثق به، تتوكل عليه, تصدِّق بما وعدك به، تلتجئ إليه في كُلّ المهمات].