نشاط إسرائيلي مريب في العراق..ماهي أهدافه؟
مقالات | 14 مارس | مأرب برس :
لا نعتقد بأن “إسرائيل” يغريها شيء كـ”اختراق الشعوب”؛ متعة منقطعة النظير تدغدغ زعماء الكيان ومؤسسيه لإبعاد أي خطر قد يحيط بهم في جغرافية لا ينتمون إليها لا فكرياً ولا ثقافياً ولا تاريخياً، ومع ذلك وبما أنهم يعشقون التعدّي على الآخر كان لا بدّ من البحث عن أدوات لاختراقه والتغلغل في ثناياه لإضعافه من الداخل، والأمثلة “العربية” كثيرة في هذا السياق ولكننا اليوم سنتحدث عن “اختراق العراق” من قبل الصهاينة وغايتهم من ذلك ولماذا العراق؟!.
العراق بقي هدفاً تطمح “إسرائيل” لاختراقه وتهشيمه من الداخل منذ بدايات القرن الماضي، ومع تأسيس كيان الاحتلال ظلّت العين الإسرائيلية تترصد العراق وتبحث عن طرق للدخول وإحداث شرخ داخل بلاد ما بين النهرين إلى أن تحقق ذلك من خلال بوابة الأكراد في العام 1931 وعبر الصحفي اليهودي، “روفين شيلوا” الذي كان حينها مندوباً للوكالة اليهودية في بغداد، وقد أقام في جبال كردستان وطوّر صلاته مع بعض الأكراد في العراق.
وبعد ذلك تطورت العلاقات مع الأكراد عموماً ومع عائلة البارزاني خصوصاً، خلال فترة الستينات والسبعينات والثمانينات واستمرت هذه العلاقة حتى اللحظة وشهدت تطوراً متصاعداً إلى مرحلة وصل فيها مواطنو كردستان العراق إلى رفع علم “إسرائيل” علناً على أراضيهم كما حدث مؤخراً، وبحسب كتاب” التغلغل الإسرائيلي في العراق” للمؤلف محمد الحوراني، فقد كان أول اعتراف “إسرائيلي” رسمي بالتعاون “الإسرائيلي-البرزاني” يوم 29/9/1980 عندما انهارت حركة البرزاني، فأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “مناحيم بيغن” في لقاء صحفي أن “إسرائيل” قدمت الدعم للبرزاني طوال عشر سنوات من عام 1965 إلى عام 1975.
ماذا يحدث الآن ولماذا نتحدث عن هذه القضية بعد مرور عشرات السنوات عليها؟!
“الكيان الإسرائيلي” منذ اختراقه للعالم العربي في أربعينات القرن الماضي وتأسيسه، وهو يعمل على خطط بعيدة المدى، قد تبدو في البداية بسيطة وغير مؤثرة لكنها في الحقيقة تؤسس لمرحلة تليها شديدة الخطورة على جميع الأصعدة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، حيث يخترق “الإسرائيليون” بنية المجتمعات العربية عبر إجراء “غسيل دماغ تدريجي” لأبناء هذه الشعوب عن طريق إغوائهم بالمال وأشياء أخرى، فضلاً عن سعيهم المستمر لشراء أراضٍ بأسعار باهظة ومن ثم احتلال محيطها بقوة السلاح كما حدث ويحدث في فلسطين، وعلى ما يبدو، العين اليوم تتجه نحو العراق من جديد لتكرار نفس السيناريو، فهل سينجح الصهاينة هناك وما هي أدواتهم وكيف يخترقون العراق الآن؟!.
أولاً: تشاع أخبار عن نشاط غير مسبوق “للإسرائيليين” في العراق وبالتحديد في منطقة “الكرادة” التي كانت تملك أغلبية يهودية يوم هاجرت إما طوعاً أو قسراً، كان ذلك في خمسينات القرن الماضي، وبعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق كانت أكبر التفجيرات الإرهابية تستهدف هذه المنطقة، حيث قتل أحد التفجيرات أكثر من “300” مواطن عراقي دفعة واحدة، وكانت هذا المنطقة في السابق منطقة تجارية ذائعة السيط، ولكن الآن انخفضت أسعار العقارات والمحال التجارية فيها بشكل متدنٍ جداً، نتيجة للإرهاب الذي تعرّضت له ما جعلها منطقة غير آمنة وغير مرغوبة لأغلب السكان.
في السابق، قام أربعة من زعماء الوكالة اليهودية بزيارة العراق لمناقشة ملف تعويضات اليهود العراقيين الذين تركوا ممتلكاتهم وهاجروا إلى “إسرائيل” وغيرها من الدول. وقد التقوا في مبنى السفارة الأمريكية في بغداد مع أياد علاوي رئيس الوزراء وبعض مستشاريه ووزرائه. كما زاروا الكنيس اليهودي في بغداد.
ولكن يبدو أنه بعد يأسهم من التعويضات، أو تبدل المشهد العراقي تغيّرت استراتيجيتهم.
الاستراتيجية الجديدة تعتمد أو تبنى على شراء الممتلكات بالوكالة وبأسعار باهظة ومن ثم تسجيلها بأسماء مواطنين يهود يقيمون في “إسرائيل”، وتقديم دعم مالي سخي للعديد من مؤسسات المجتمع المدني بغية نشر ثقافة الاغتراب وقيم العلمانية لسلخ الشباب عن انتمائهم القومي والديني اللذين يشكلان العقبة الكبرى أمام تقدم وهيمنة المشروع الصهيوني.
ثانياً: المخطط الثاني لاختراق العراق عن طريق اختراق الجيل الشاب الجديد، حيث يجري في العراق تحركات مشبوهة “أمريكية ـ إسرائيلية” في إطار مؤسسات ومنظمات تسعى لكسب الشباب ضمن دورات تثقيفية وتعليمية ظاهرها جميل ولكن الهدف منها ومن طروحاتها تهديم المجتمع العراقي وبث روح التقاعس والوهن والابتعاد عن الدين والعقيدة وتفريغ الشباب من معتقدات أصولهم وجذورهم العقدية والدينية والوطنية.
وعن النقطة الأولى والثانية كشف الخبير الأمني والمحلل السياسي حافظ البشارة، الأسبوع الفائت، عن تحركات أمريكية لنشر عناصر إسرائيلية بمقرات مسجلة رسمياً وسط بغداد تحت واجهات ومسميات وهمية. وقال البشارة إن “واشنطن بدأت بالتحرك نحو نشر وجود إسرائيلي صهيوني بقوة في بغداد وبمقرات واضحة للعيان”، وأضاف إن “أمريكا تعمل على وجودها بأسماء وهمية من خلال مؤسسات إعلامية ومنظمات لدعم الشباب ودورات تطويرية تقودها في الخفاء أيادٍ إسرائيلية لبث أفكار داخل أوساط المجتمع العراقي تتنافى مع العادات والتقاليد المجتمعية”، مشيراً إلى أن “أولى بذراته بث ما يسمى بالإلحاد وحث الشباب عليه”.
ثالثاً: كشف جنرال فرنسي في تصريح لقناة “تي.في5” وجود 150 جندياً من الوحدات الخاصة الإسرائيلية داخل العراق لاغتيال العلماء الذين وردت أسماؤهم في قوائم مفتشي الأسلحة الدوليين، هذا الكلام يعود لأيام الغزو الأمريكي للعراق.
أما حالياً فقد كشف مصدر مطلع، يوم الخميس الماضي، عن وجود أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين داخل إحدى القواعد العسكرية في التاجي شمالي العاصمة بغداد، وقال المصدر في تصريح صحفي، إن معسكر التاجي يضم عدداً من العسكريين الإسرائيليين الذين دخلوا العراق بجنسيات أمريكية وكندية وبأعداد تترواح من 250 إلى 300 جندي.
ومن غير المستبعد أن تعمد هذه القوات إلى تنفيذ عمليات اغتيال للشخصيات العراقية ما يؤدي إلى فتنة جديدة. ربما تلجأ أيضاً إلى اغتيال قيادات الحشد الشعبي.
يضاف على ذلك أن النشاط الإسرائيلي في كردستان العراق يجري على قدم وساق، حيث تنشط الشركات الإسرائيلية هناك تحت مسميات عدّة، مثل شركات الالكترونيات الإسرائيلية، مثل شركة تيديران، وقد شاركت هذه الشركات في مشروعات أمنية في شمال العراق.
هذا الكلام يوحي بأن هناك مشروعاً خطيراً جدّاً يستهدف وحدة العراق من جديد، قد لا تتضح معالم خطره إلا بعد عشرات السنين، لكن يتوجب الحذر فالأمور معقدة والخطة لاستهداف العراق كبيرة، فقد أعدت صحيفتا هآرتس ويديعوت أحرونوت الإسرائيليتان تقريراً بالتشاور مع إسرائيل لوضع ملامح العراق ما بعد صدام.
الوقت التحليلي .