من عصى وهو في موقع المسؤولية ستضرب عليه الذلة والمسكنة
من هدي القرآن | 11 مارس | مأرب برس :
إذاً هي نفسها، هي نفسها الحالة التي كانت عند بني إسرائيل، وما زالت، فجعلتهم جديرين بأن يبوءوا بغضب من الله، وأن يضرب عليهم الذلة، والمسكنة. أليست هذه ظاهرة في العرب الآن: الذلة والمسكنة؟ لأنهم كفروا بآيات الله، وقتلوا من يأمرون بالقسط من الناس، مَن هم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل في هذه الأمة، بغير حق.
{ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (البقرة: من الآية61) ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، فمن عصى، واعتدى على هذا النحو فسيكون جديراً بأن يضرب بالذلة، والمسكنة، ويبوء بغضب من الله.
إذاً وجدنا في مجموعة آيات من آيات الله، كم فيها من الهداية! كم فيها من التذكير! كم فيها من الحقائق! حقائق في إطار العلو، والرفعة لهذه الأمة، وحقائق في إطار الهبوط، والخسة، والذلة لهذه الأمة، وكيف رُسمت لها الطريق، وكيف أخبر الله بأنه هو سيتولى قيادة الموقف معها، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (آل عمران: من الآية109)، يذكر بأنه سيهيئ، سيهيئ، وهو من له ما في السموات، وما في الأرض، وله جنود السموات والأرض.
كأنه يشعر هذه الأمة بأنه سيحشد معها ما يملك، يحشد معها ملكه، وعالمه، يحشد معها تأييده ونصره؛ لنرى في الأخير كيف ضعف إيمان أولئك، كيف قلة وعيهم، كيف عدم ثقتهم بالله سبحانه وتعالى، عندما لا يلتفتون إلى القرآن الكريم؛ ليهتدوا به في مقام المواجهة مع إسرائيل، وأمريكا، مع اليهود والنصارى.
لنرى في الأخير كيف تكون مسؤولية كبرى على علماء الأمة، على علمائنا أيضاً، عندما لا ينطلقون أن يذكروا الناس، ويثقفوا الناس، ويرشدوهم، ويهدوهم بالقرآن الكريم، ويبينوا لهم حقائق القرآن الكريم. ما الذي يمنع؟ ما الذي يخيف؟ لا شيء إطلاقاً يشكل خطورة على الناس أعظم من خطورة العواقب التي رسمها الله أمامنا في آياته على التفريط، والتواني، والتقصير، وبعدم الثقة به، والرجوع إليه، إلا متى ما أحسينا بحاجة، متى ما أحس واحد [بجيبه فاضي]، وجاء قليل جدب [اللهم إنا نسألك، اللهم اسقنا، اللهم، اللهم .. ] نرجع إلى الله، فمتى ما سقانا الله، وأصبح لدينا نعمة، لا نعد نفكر في شيء آخر.
ثم يبين في هذه الآيات أن ما يقوله الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل، أن ما يقوله عنهم هو كلام موضوعي، حقائق عادلة، هو لم يتجن على اليهود؛ ليقول لنا نحن: أن ننظر إلى قضية أهل الكتاب في القرآن بنظرة موضوعية، نظرة نأخذ منها الدرس، نأخذ منها العبرة، وليس فقط نأخذ من مجملها، ونخرج من أولها إلى آخرها، نخرج بمجرد اللعنة لليهود فقط، نقول: لاحظوا كيف لعنهم الله في القرآن، لاحظوا كيف كذا .. وبس، خذ عبرة؛ لأنه وهو يتحدث عن بني إسرائيل؛ هو ليضرب مثلاً لهذه الأمة، أنه يمكن أن يحكم عليها بما حكم على بني إسرائيل، وأن تذوق على يديه ما ذاقه بنوا إسرائيل، إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل.
وليقول لأولئك الذين فضلهم الله واختارهم أيضاً، وأوجب على الأمة محبتهم، فأصبحوا يغضبون إذا ما قيل: هذا شخص لا يحبنا، إذا ما قيل هذا ناصبي، إذا ما قيل كذا .. اغضبوا على أنفسكم أولاً، أن تقصروا، أن تفرطوا، أنتم معرَّضون لما تعرض له بنوا إسرائيل، الذين قد اختارهم الله من قبلكم، وفضلهم على العالمين من قبلكم، فأصبحوا: ضربت عليهم الذلة، والمسكنة، وأصبحوا من باءوا بغضب من الله، وهم أبناء نبيه إبراهيم، أبناء خليله {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} (النساء: من الآية125) هم أبناؤه، هم صفوته {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: من الآية33 – 34).
ألم يصطفيهم الله؟ لماذا ضرب عليهم الذلة والمسكنة؟ الله لا يتعامل مع أوليائه هكذا؛ لأنه قد أصبح لم يعد بحاجة إليهم، كما تتعامل أمريكا مع عملائها، وكما تتعامل إسرائيل مع عملائها، لم يعد بحاجة إليهم فيرفضهم، ويبحث عن عميل آخر، لا، سننه ثابتة، متى ما كنت تسير على سنته، وستتغير، وتدخل في سنة أخرى متى ما تغيرت أنت؛ لأنه قال هنا: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية112) عندما يحصل عصيان، عندما يحصل تفريط، وماذا حصل عصيان فيهم، حصل عصيان في الجانب الذي يتعارض مع مسؤوليتهم، أصبحت معصيتهم من النوع الذي يتنافى مع ما يراد منهم، كما قال سابقاً في هذه الآيات التي تلوناها سابقاً: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} (آل عمران: من الآية99). ماذا يعني؟ أليس هذا مما يتنافى مع مسؤوليتكم، ومع ما يراد منكم؟ الصد عن سبيل الله من آمن به، وتبغونها عوجاً، وأنتم، أنتم شهداء على الناس، شهداء تدعون الناس إلى الإستقامة.
إن من واجبكم أن تكونوا أول من يؤمن بمحمد، أول من يؤمن بالقرآن، أول من ينطلق تحت راية نبي من أنبياء الله، فلله الحق أن يختار نبياً من هنا، أو من هنا، فتنطلقون تحت راية محمد، كما انطلقتم تحت راية موسى وعيسى، وغيرهم من أنبياء الله، من بني إسرائيل، فكيف تتحولون إلى هذا التحول الذي يتنافى مع مسؤوليتكم، ومع ما أنيط بكم {وَأَنْتُمْ شُهَدَاءَ} كذلك يقال للعرب، كذلك يقال لأهل البيت، كذلك يقال لشيعة أهل البيت، {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} لم تفرطون، لم تقصرون، لم تعملون الأعمال التي تتنافى مع ما أراد الله منكم، تتنافى مع ما أنيط بكم من مسؤولية بأن تكونوا أنتم الشهداء على الناس؟.
(سورة آل عمران – الدرس الرابع)
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 12/ 1/2002م
اليمن – صعدة.