إنسحاب الإحتلال الأمريكي من العراق؛ تكتيك أم استراتيجية
مقالات | 13 فبراير | مأرب برس :
الوقت التحليلي :
على مدى الأشهر القليلة الماضية، كثفت بعض الأحزاب والتيارات السياسية مطالباتها بإنسحاب القوات الأمريكية من العراق، وفي المقابل أکد مسؤولون عسكريون أمريكيون رفیعو المستوی، كجیمز ماتیس، وزیر الدفاع الامریکي، علی ضرورة استمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق. وعلى هذا الأساس، فان إنسحاب جزء من القوات الأمريكية من العراق، كانت قد أعلنته وكالة أسوشيتد برس لأول مرة، على لسان بعض الحلفاء الذين تعاونوا مع التحالف الأمريكي لمكافحة إرهاب داعش، وأفادت الوكالة فيما بعد أن المتحدث باسم الحكومة المركزية العراقية أكد ذلك أيضا.
وفي هذا الصدد، أفاد بعض الحلفاء المشاركين في التحالف الأمريكي لمكافحة تنظيم داعش، لوكالة أسوشيتد برس ورفضوا الكشف عن هويتهم، أن مجموعة من القوات الأمريكية قد تم نقلها الی افغانستان في الاسبوع الماضي عن طریق رحلات جوية يومية. ونقلت وكالة انباء رويترز، في تقرير مشابه، عن المتحدث باسم الحكومة العراقية قوله ان الجيش الامريكي بدأ ينسحب تدريجيا من البلاد وان التنسيق مستمر في الحفاظ على وجود جزء من القوات ومواصلة مساعدة الجيش العراقي.
وبالنظر إلى هذه الایضاحات فالسؤال الذي یطرح نفسه هو، ما هي الاسباب التي ساهمت بمضاعفة مطالب سحب القوات الأمريكية من العراق وهل من المفترض أن يكون خروج هذه القوات بشکل کامل تماما؟
هزيمة تنظيم داعش
مما لا شك فيه، أن أول احتمال واضح تقریبا في أسباب انسحاب جزء من القوات الأمريكية من العراق يعود الى التأثر بالظروف التي تلت القضاء على تنظيم داعش في العراق.
في منتصف ديسمبر من هذا العام، أعلن حيدر العبادي رسميا القضاء على تنظيم داعش بشکل کامل في جمیع محافظات العراق. وفي الوقت الحاضر یقتصر وجود التنظيم في مناطق صحراوية متفرقة أو مناطق حدودیة ضيقة. وفي هذه الحالة، من الطبيعي ان تكون الأسباب الرئيسية لتواجد جزء من القوات العسكرية الامريكية، التي تتواجد بذريعة مواجهة تنظيم داعش، قد زالت بعد قصم ظهر داعش في والقضاء عليه.
ومنذ تشرين الأول / أكتوبر 2014، أعلنت الولايات المتحدة رسميا عن بدء عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش وذلك بنشرها قوات جديدة في العراق. وبعد ثلاثة أشهر، أي في شباط / فبراير 2015، قامت واشنطن بنشر 3000 جندي من القوات البحرية في العراق. وقال المتحدث باسم التحالف التي تقوده الولايات المتحدة، انه خلال العام المقبل وحتى منتصف عام 2017 بلغ عدد هذه القوات 7 الاف عنصر في العراق.
وعلی هذا الاساس ومع نهاية تنظيم داعش في العراق، يبدو من الطبيعي أن السبب الرئيسي لوجود أكثر من 7،000 قوة عسکریة، الذين تم نشرهم في العراق منذ عام 2014 الى اليوم بذريعة مواجهة تنظيم داعش تحت قیادة امریکا، قد زال وعلى هذه القوات ترك الأراضي العراقية.
مشروع “تدريب الجيش العراقي” الفاشل
عندما سقطت الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية في حزيران / يونيو 2014، علی اثر هجوم تنظیم داعش الارهابي، تساءل الكثيرون عن سبب عدم قدرة الجيش العراقي على الصمود أمام هجوم تنظيم داعش الارهابي وانکساره السریع على الرغم من كونه مجهزا ومُدرباً لعدة سنوات من قبل القوات الاجنبیة.
في الحقیقة ان عناصر التنظيم بدأوا هجماتهم في 10 يونيو / حزيران في داخل مدينة الموصل، لكنهم أعلنوا في الیوم التالي عن استیلائهم الكامل على هذه المدينة، بالاضافه الی تقدم هذه الجماعة الإرهابية إلى مدينة أخری، أي محافظة تكريت، وذلك مباشرة بعد سقوط الموصل.
في الواقع أن سقوط الموصل حدث بالتزامن مع انهيار القوات الأمنية والقوات الحكومية العسكرية في البلاد، وتشیر هذه الظروف الی أن وجود القوات ألاجنبية على مدى السنوات الـ 11 الماضية في العراق لم يكن لها أي تأثير على تعزيز وتقویة القوات الأمنية الداخلية في العراق.
ويعتبر تشكيل قوات من المدنيين المتطوعین وفصائل الحشد الشعبي بفتوى من آية الله السيستاني لمواجهة إرهاب داعش، مؤشرا واضحا على الأداء المنخفض والغير مندفع للجيش العراقي الذي أعيد بناؤه عن طريق الغربيين وخاصة (القوات الخاصة) للبلاد (الذي کان يتلقى تدريباته ومُعداته من الأمريكيين)، وهذا الموضوع اوضح بان العراق لا يمكن أن يعتمد فقط على القوات المُدربة من قبل الأمريكيين.
أداء ومواقف الولايات المتحدة المتناقضة
من ناحية أخرى، وخلال فترة احتلال شمال غرب العراق من قبل جماعات داعش الإرهابية، كانت عمليات القوات الأجنبية وحتى التحالف الدولي الذي أسسه البنتاغون تحت عنوان تحالف دولي لمكافحة تنظيم داعش في العراق، غامضة جدا وواجهت انتقادات واسعة. ومن ضمنها احداث سقوط محافظة الرمادي في حزيران / يونيو 2015 التي حدثت بعد عام واحد فقط من سقوط مدينة الموصل، إذ كانت القوات الأمريكية فقط تراقب دخول قوافل تنظيم داعش الارهابي الى الرمادي ولم یصدر منها اي ردة فعل تجاههم. وسرعان ما انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الانترنتية صور وافلام دخول قوافل التنظيم، والتي تشمل طابور من عربات ومعدات عسكرية كانت في طريقها للدخول الى الرمادي.
كما أعلن موقع بلومبرغ الأمريكي، في تقرير من 28 صفحة من مصادر ومسؤولي الاستخبارات الأمريكية (الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم)، أن “كان لدينا معلومات هامة عن مخطط هجوم داعش على الرمادي”. “هذا السلوك المتناقض للقوات بقيادة الولايات المتحدة خلال الحرب ضد داعش، زاد من عدم الثقة فيهم أكثر من أي وقت مضى، حيث يرى الرأي العام وبعض الأطراف السياسية العراقية ان تقارير البنتاغون عن قيام طائرات التحالف بآلاف الطلعات لدك وقصف مواقع تنظيم داعش، ما هي الا خداع يتناقض مع أرض الواقع.
التدخل في الشؤون الداخلية للعراق
في نهاية المطاف، ان ما جعل انسحاب أو تخفيض عدد من القوات الأمريكية في العراق أمرا لا مفر منه، هو بعض تصريحات المسؤولين الأمريكيين فيما يتعلق بالشؤون الداخلية العراقية، والذي واجه تقريبا مواقف واحدة ومنسجمة ضد استمرار وجود القوات الامریکیة في البلاد. وانعكست مثل هذه التصريحات المؤخرة، في خطاب وزير خارجية ترامب، ريكس تيلرسون، في نهاية العام المیلادي الماضي، الذي دعا فيه وزير الخارجية الأمريكي إلى حل قوات الحشد الشعبي الطوعية.
وسرعان ما واجه تصریح تیلرسون ردود فعل واسعة داخل العراق، وبالاضافه الی ذلك فقد وصف رئيس الوزراء حيدر العبادي قوات الحشد الشعبي بأنها قوات وطنیة، مضيفا انه لا يحق لأحد التدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وبالإضافة إلى رئيس الوزراء العراقي، اعتبر نواب البرلمان العراقي، ان تصريحات تيلرسون هي تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، هدفها تشويه سمعة ومصداقیة القوات العراقية بعد الانتصارات التي حققتها ضد إرهابيي داعش.
وتُظهر مجموعة هذه المواقف وردود الفعل أن القوات الأجنبية المدعومة من قبل الولايات المتحدة تواجه قيود كبيرة لمواصلة وجودها في داخل العراق. وبالتالي فقد یکون انسحاب بعض هذه القوات من العراق هو طريق لابد منه لواشنطن. ورغم الاعلان عن مغادرة بعض القوات الاجنبية العراق، الا ان الدلائل تشير الى ان هذا الأمر لا يعني انسحاب القوات الامريكية بالكامل من البلاد. وبعد انتشار تلك الاخبار، أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية بياناً أكدت فيه أنها لا تنوي سحب جمیع قواتها من العراق في المستقبل القريب.
وتشير هذه التصريحات والبيانات، ان موضوع انسحاب جزء من القوات الامريكية، الذي أكدته وكالة انباء اسوشيتد برس ورويترز نقلا عن مصادر محلية في واشنطن، يشمل فقط جزءاً من هذه القوات، وهذا لا يعني تغيير الإستراتيجية الامريكية في العراق.
وخلال الایام الماضیة، أعلن بعض كبار الدبلوماسيين في منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، أن وزير الدفاع الامريكي قد ارسل رسالة في شهر يناير، یطلب فیها من الناتو بدء مهامه في العراق، وانشاء قيادة شبه دائمة او دائمة للناتو في العراق لاجل تنفيذ مهمة تدریبية واستشاریة طويلة الأجل في هذا البلد.
في هذه الظروف وفي أكثر الحالات تفاؤلا، يمكن إعتبار انسحاب جزء من القوات الأمريكية، على أنها تكتيك مؤقت من قبل واشنطن للحد من الضغوط الداخلية والخارجية والقيود المفروضة على العمليات العسكرية في العراق، على الرغم من أن الأدلة تشير إلى أنه على الأقل، لا توجد نية للقوات الأجنبية لمغادرة العراق على المدى القصير.