إيران تربح الجولة .. بقلم / ناصر قنديل
مقالات | 13 يناير | مأرب برس :
بقلم / ناصر قنديل (البناء):
قبل ثلاثة شهور قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تمديد رفع العقوبات عن إيران لتسعين يوماً، وهي مهلة يحدّدها قانون رفع العقوبات ما لم يوقّع الرئيس علي تجديد العمل بالتفاهم النووي. وفي نهاية المهلة التي سبقتها توقعات عالية بإعلان الخروج من التفاهم النووي، جدّد الرئيس الأميركي تمديد رفع العقوبات لمرة أخيرة ما يعني وفقاً للقانون الأميركي نفسه الذي أبرم الاتفاق علي أساسه، أنّ علي الرئيس خلال مئة وعشرين يوماً أن يقرّر البقاء ضمن التفاهم أو الخروج منه.
كان يمكن للرئيس الأميركي قبل ثلاثة شهور إعلان الخروج من التفاهم الذي وصفه بأنه سيّئ ويعمل ضدّ المصلحة الأميركية. وكان موعد تقرير الرئاسة السنوي للكونغرس مناسبة ليترجم دونالد ترامب وعوده الانتخابية بالخروج من الاتفاق. وها هو مرة بعد مرة يتهرّب من الخروج من التفاهم ويبتكر أسباباً يعلم أنها لن ترتب تغييراً يجيب طلباته، ليدّعي أنه جعل التفاهم مختلفاً ومستجيباً للمصالح الأميركية كما يراها ترامب.
في المرة الماضية، وهذه المرة أوحي ترامب وإدارته بأنه ذاهب لإلغاء التفاهم ولم يفعل، وفي المرتين قال إنه يريد تعديل التفاهم ووضع بنوداً يعلم أنّ إيران لن تقبلها، فلا دمج للصواريخ البالستية بالاتفاق النووي، ولا لما يسمّي بالنفوذ الإقليمي، ولا استعداد إيرانياً لتعديل بنود دار حولها التفاوض أصلاً، وكاد الرفض الإيراني لما طلبته واشنطن يطيح التفاهم، من دون أن تتراجع إيران، كمثل زيادة مدة التفاهم، أو التفتيش المفتوح.
يرمي ترامب الكرة في الملعب الأوروبي إعلامياً، لكن الجواب الأوروبي واقعياً بسيط، وهو أنّ أوروبا لا تمانع بجولات تفاوض مع إيران حول الطلبات الأميركية، لكن ماذا لو تتمكّن عملية التفاوض من بلوغ نتائج مرضية للأميركيين والأوروبيين، هل نخرج من الاتفاق الأصلي، والجواب الأوروبي هو النفي بالمطلق، لأنّ الخروج من التفاهم سيعني عودة إيران للتخصيب وسرعة بلوغ عتبة القنبلة النووية، فماذا تفعل أميركا وأوروبا، وهل الذهاب للحرب هو وصفة عاقلة ومفيدة؟
المعادلة الثانية تنطلق من أنّ سقوط التفاهم النووي يعني عملياً سقوط لغة التفاوض والتفاهمات، التي يشكّل التفاهم النووي إثباتاً لكونها فرضية ممكنة لحلّ المشاكل والقضايا الخلافية وسقوطه يعني إغلاق باب التفاوض والذهاب للتصعيد في قضايا الخلاف الإقليمي والدولي كافة، وأوروبا تشارك أميركا وحلفاءها القلق من برنامج الصواريخ البالستية أو من أشياء أخري، لكنها تشارك إيران رفض الربط بينها وبين التفاهم علي الملف النووي، والدعوة لإعلان تثبيت التفاهم الأصلي كمقدمة لفتح تفاوض منفصل حول ملفات خلافية أخري.
ماذا سيفعل ترامب بعد أربعة شهور، هل سيعلن الخروج من التفاهم النووي، وهل ستلتزم أوروبا بنظام العقوبات الأميركية، وكلّ الوقائع الخاصة بالملف معلومة سلفاً، الشهور الأربعة ستكون شهور تصعيد في المنطقة من بوابة فلسطين إلي اليمن إلي سائر الساحات، بما فيها الداخل الإيراني وربما الداخل الروسي أملاً بتغيير المعادلات لترضخ أوروبا لقرار واشنطن بالضغط لتعديل التفاهم النووي تحت طائلة التهديد بإلغائه، لكن الذي جري في طهران ويجري في القدس واليمن يقول إنّ الزمن المقبل سيكون أسوأ لأميركا، وأنّ إيران التي ربحت الجولة مرتين تتّجه لربح الحرب.