الولايات المتحدة الأمريكية: تمييز عنصري.. والشرطة تقتل 2945 شخصا
تقارير | 12 يناير | مأرب برس :
تتغنى الولايات المتحدة الأمريكية يوميّا بالحقوق المدنية والسياسية. إلا أن العديد من قوانينها وممارساتها، خاصة في مجالات العدالة الجنائية والأحداث، والأمن القومي، تنتهك حقوق الإنسان الدولية. والأشخاص الأقل قدرة على الدفاع عن حقوقهم في المحاكم أو من خلال العملية السياسية – أفراد الأقليات العرقية والإثنية، والفقراء، والمهاجرون، والأطفال، والسجناء – هم الأكثر عرضة للمعاناة من الانتهاكات.
على هذا الصعيد قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية: إنه وللعام الثالث على التوالي تقتل الشرطة نحو ألف شخص في حصيلة سنوية قاتمة ومستمرة على الرغم من التدقيق الشعبي لعملية استخدام الشرطيين للأسلحة القاتلة.
وأشارت إلى أن الشرطة الأمريكية قتلت 987 شخصا العام المنصرم بينهم 68 غير مسلح، وهو عدد يزيد عمن قتلتهم في 2016، وذلك وفقا لمشروع قائم تنفذه الصحيفة لرصد عمليات إطلاق النار التي تؤدي لسقوط قتلى.
وأضافت أنه ومنذ 2015، رصدت الصحيفة بشكل مفصل مقتل 2945 شخصا على يد الشرطة، وذلك من خلال تغطية وسائل الإعلام المحلية والسجلات العامة ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت إلى أن الشرطة قتلت 17 شخصا غير مسلح من السود في 2016 لكن هذه الحصيلة ارتفعت إلى 19 في 2017م، وتحدثت عن أن السود شكلوا 22% ممن قتلوا على يد الشرطة العام الماضي، على الرغم من أن نسبتهم في أمريكا تصل إلى 6% فقط.
يأتي ذلك رغم تطبيق الهواتف الذكية الذي أطلقته منظمة معنية بالدفاع عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة في العام 2015، والذي يسمح بتسجيل ونشر تسجيلات فيديو توثق الحوادث بين المواطنين وعناصر الشرطة.
جاء الإعلان عن التطبيق المجاني حينها بالتزامن مع تجدد التوتر والتظاهرات رداً على سلسلة حوادث وفيات لأمريكيين خلال اعتقالهم أو إثر مواجهات مع عناصر بيض في الشرطة. ويمكن إرسال أشرطة الفيديو المسجلة عبر تطبيق Mobile Justice CA إلى المكاتب المحلية لاتحاد ACLU للتنديد بانتهاكات محتملة للحقوق المدنية من جانب الشرطة.
ويسمح التطبيق المتوافر على الأجهزة العاملة بنظامي تشغيل Android iOS بتخزين التسجيلات المصورة حتى في حال تضييع الهاتف أو كسره أو سرقته. من جانبه أوضح المدير التنفيذي لاتحاد ACLU حينها “هيكتور فيلاغرا” أن “المخاوف إزاء ممارسات الشرطة بما فيها التفتيش على أساس ملامح الوجه والاستخدام المفرط للقوة أمر حقيقي للغاية”، وأضاف: “هذا التطبيق سيسمح بالتحقق من حصول تعديات سواء من جانب عناصر الشرطة أو المفوضين أو حرس الحدود أو ممثلين آخرين عن الحكومة”. كذلك يسمح التطبيق بإرسال إشعارات إلى أشخاص آخرين لتذكيرهم بالتوجه إلى مكان معين أو لتوثيق حادث.
“لا أستطيع التنفس”
هذا وفي الأيام الأخيرة لعام 2017، ماتت الشابة الأمريكية السوداء إريكا غارنر وهي في السابعة والعشرين من عمرها.
إريكا هي ابنة الرجل الذي أدى مقتله على يد شرطة نيويورك إلى انطلاق حركة حياة السود مهمة لآفاق جديدة، حيث كانت آخر كلماته التي نطق بها قبل وفاته بمثابة شعار تم ترجمته لقائمة مطالب. لكن الحياة القصيرة والوفاة المفاجئة لإريكا كانت بمثابة لحظة كاشفة تجسد في ذاتها عبقرية كفاح المرأة السوداء الأمريكية ومعاناتها في آن معاً.
فإريكا غارنر كانت قد نقلت إلى المستشفى بعد أن أصيبت بنوبة قلبية توفيت على إثرها. وتركت طفلين أصغرهما عمره أربعة أشهر فحسب. وحتى ثلاثة أعوام فقط، لم يكن أحد يعرف إريكا. فهي لم تظهر على الساحة إلا بعد مقتل والدها، البائع المتجول الذي كان يبيع السجائر، فهمت قوة من شرطة نيويورك بالقبض عليه.
لكن أحد ضباطها طوّق رقبته من الخلف بقسوة، سمع معها غارنر يقول مرات متكررة “لا أستطيع التنفس”. وقد صورت عدسات أحد الهواة اللحظات الأخيرة في حياة الرجل بالصوت والصورة، مما أحدث ضجة كبرى وقتها في عام 2014.
وحين تحرك الشباب السود في حركة “حياة السود مهمة” بسبب سلسلة الأحداث التي راح ضحيتها سود عزل على يد الشرطة الأمريكية، وبدأت بوفاة الفتى مايكل براون في مدينة فيرجسون، كانت إريكا من بين أولئك الشباب.
وقد طالبت الحركة بالعدالة لكل هؤلاء الضحايا. لكن مثل حالات كثيرة سابقة ولاحقة، برأت هيئة المحلفين الضابط الذي كان مسؤولا عن مقتل إريك جارنر، مما رفع من حدة الغضب لدى الشباب وأدى لاشتعال الحركة. وقد ظلت وزارة العدل في الحكومة الفيدرالية، منذ عهد أوباما وحتى اليوم، تدرس قضية غارنر تحديدا وما إذا كان بإمكانها رفع قضيته إلى المحاكم الفيدرالية.
أما حركة الشباب السود، فقد قامت بتحويل كلمات غارنر “لا أستطيع التنفس” إلى خطة عمل. فوفق الحركة فإن السود “لا يمكنهم التنفس” دون فرصة متساوية مع غيرهم من الأمريكيين “في هواء خال من التلوث” في المناطق التي يعيشون فيها وحقهم في “تغذية مناسبة” ورعاية صحية وعمل بأجر معقول وإعادة النظر في التمييز الواقع عليهم من خلال النظام الجنائي القضائي.
والشابة إريكا لم يفتها أن تلك الأحداث كلها جرت بينما في السلطة من كان أول أمريكي أسود للولايات المتحدة. بل وتولى في إدارته منصب وزير العدل أمريكي أسود آخر هو إريك هولدر.
لذلك، كانت إريكا هولدر من الشباب السود الذين وجهوا انتقادات لاذعة لأوباما بخصوص سجله المتعلق بالحقوق المدنية. وحين حانت لحظة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، رفضت إريكا علنا دعم هيلارى كلينتون وناصرت بدلا منها السناتور برني ساندرز الذي نافسها على ترشيح الحزب الديمقراطي.
وكانت حياة الشابة إريكا تجسد أيضا معاناة المرأة السوداء. فقد كانت الفتاة الفقيرة ترعى أطفالها وتجتهد للإنفاق عليهم، وفي الوقت ذاته كانت توجد الوقت والطاقة للعمل من أجل قضايا السود. وهي مسألة بالغة الصعوبة خصوصا بالنسبة للفقراء الذين يعملون في أكثر من وظيفة بسيطة لسد الرمق.
وهي كلها ضغوط يبدو أن جسدها لم يتحملها. فالنوبة القلبية التي ماتت على إثرها لم تكن الأولى، مما يشير إلى أنها ربما نتجت عما صار يعرف “بضغوط العنصرية” الجسدية والنفسية التي يتعرض لها السود عموماً، والمرأة السوداء تحديداً.
فالمرأة هي التي يقع عليها العبء الأكبر حينما يتم القبض على رب العائلة، كما جرى لوالدها عشرات المرات طوال حياته، أو حين يتم قتله كما جرى مع أبيها أيضا. فهي عندئذ من تتولى رعاية الأسرة وإيجاد مورد رزق بل وتدبير أموال لرحلة المثول أمام القضاء.
الجدير ذكره أنه ليس معروفا ما إذا كانت وفاتها مرتبطة بمضاعفات ناتجة عن الحمل والوضع. فوفق الإحصاءات الرسمية الأمريكية، فإن المرأة السوداء معرضة للوفاة بسبب مثل تلك المضاعفات بنسبة تزيد 12 مرة عن المرأة البيضاء.
المصدر : موقع الوقت .