“اعترافات قاتل اقتصادي”: هذه هي الوسيلة الأميركية لإخضاع العالم
متابعات | 19 ديسمبر | مأرب برس :
يكشف الكاتب جون بيركنز من خلال تجربته الشخصية كيف جند رجال محترفون من أجل خداع الدول وابتزازها بتريليونات الدولارات، وكيف تقوم الولايات المتحدة الأميركية بإخضاع العالم لها.
القتلة الاقتصاديون هم رجال محترفون يتقاضون أجراً عالياً نتيجة خداع دول العالم عبر ابتزازها تريليونات الدولارات، وهم بذلك يحوّلون الأموال من البنك الدولي ومن الوكالة الأميركية للتنمية العالمية ومن منظمات “مساعدات” أجنبية أخرى، كي تصب أخيراً في خزائن الشركات الضخمة وجيوب قلة من الأسر الغنية التي تتحكم بموارد الأرض الطبيعية. وسبيلهم الى ذلك تقارير مالية محتالة وانتخابات مزورة ورشاوى وابتزاز وغواية جنس وجرائم قتل. إنهم يمارسون لعبة قديمة قدم الإمبراطوريات ولكنها لعبة اتخذت في هذا الزمن العولمي أبعاداً جديدة رهيبة.
بهذه الكلمات يبدأ بيركنز كتابه الذي يتحدث فيه عن كل الأحداث التي حدثت معه وربما بمساعدته، فيقول: إنه كان قاتلاً اقتصادياً. الأحرف الأولى من هذا التعبير و EHM بدلاً من (Economic Hit Man)كانت وظيفتي أن أشجّع زعماء العالم على الوقوع في شرك قروض تؤمن ولاءهم، وبهذا يمكننا ابتزازهم متى شئنا لتأمين حاجاتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية في مقابل أوضاعهم السياسية”.
وأنت تقرأ هذا الكلام تعود اليك صورة ما حدث في عالمنا العربي من حروب. هل هي مؤامرة حقاً؟ ربما تكشف لنا صفحات هذا الكتاب شيئاً يمكننا من الوصول الى حقيقة ما أو على الأقل التفكير بما حدث وربما العمل على الحيلولة دون تكراره.
يبدأ الكاتب حديثه عن بداياته كقاتل اقتصادي بين عامي 1963 و1971 إذ بدأ مشواره بالإلتحاق بفرقة السلام في الإكوادور. هذا البلد الذي سيشهد أولى عمليات إغتيال لرئيس منتخب عارض السياسة الأميركية.
في الإكوادور ستبدأ علاقته بشركة “مين”، إحدى أكبر شركات الاستشارات الأميركية ومن أكبر عملائها البنك الدولي. يقول بيركنز: “لقد استخدمني آينر كاقتصادي غير أنني سرعان ما علمت أن وظيفتي الحقيقية أقرب ما تكون إلى عمل جيمس بوند”.
كان قرار جون بأن يكون قاتلاً اقتصادياً هو قرار نهائي، كما قالت له كلودين مدربته: “إن دخلت، دخلت مدى الحياة”.
كان عمله يهدف الى غايتين أساسيتين هما: تبرير القروض الدولية الضخمة التي سوف تعيد الأموال إلى الشركات الكبرى، وثانياً العمل على إفلاس الدول التي تتلقى هذه القروض، بحيث تغدو أهدافاً سهلة حين يطلب منها خدمة ما مثل إقامة قواعد عسكرية أو التصويت لصالح بلاده في الأمم المتحدة أو الحصول على النفط.. الخ.
كانت إيران أول بلد بدأ القتلة الاقتصاديون العمل فيه من خلال الإطاحة برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق الذي بدأ بسياسة تأميم النفط. فقد رأت الولايات المتحدة الأميركية أن التدخل العسكري ضد مصدق قد يثير الاتحاد السوفياتي، لذلك قررت إرسال عميل وكالة الاستخبارات المركزية كيرمت روزفلت، وهو حفيد الرئيس السابق روزفلت، الذي بدأ في تنظيم التظاهرات وأعمال الشغب ضد مصدق، وأدت في النهاية إلى الإطاحة به. ومن هنا بدأت فكرة “القتلة الاقتصاديون”.
إلى إندونيسيا تتجه أنظار واشنطن، يقول بيركنز إن فكرة السياسة الخارجية الأميركية كانت أن يخدم الرئيس الإندونيسي سوهارتو “الذي تولى الرئاسة بانقلاب على الرئيس سوكارنو عام 1968” واشنطن على غرار شاه إيران.
يدرك جون أن أساتذته في الجامعة في إندونيسيا لم يفهموا حقيقة الاقتصاد من أن مساعدة الاقتصاد على النمو غالباً ما تجعل أولئك المتربعين على قمة الهرم تزداد ثراء، بينما تدفع من هم في القاع إلى الأسفل.
يتحدث بيركنز إنه في حال فشل القتلة الاقتصاديون جاء دور من أسماهم “بنات آوى”، أي الاستخبارات الأميركية. فقد كانت مهمتهم تصفية الزعيم الذي لم يخضع أو الانقلاب عليه. كما حدث مع مصدق في إيران وتورجيس في بنما الذي أراد استرداد سيطرة بنما على القناة. وقد نجح في مفاوضاته مع الرئيس الأميركي جيمي كاتر وانتقلت القناة الى السيادة البنمية. لكن المحافظين أقسموا على الانتقام، وقضى تورجيس في تحطم طائرته في 31 تموز يوليو 1981.
وعند فشل عملية “بنات آوى” في اغتيال الخصم، تحرك الجيش الأميركي لاحتلال البلد التي لم يتمكن من إخضاعه، كما حدث في العراق. لو توصل العراق الى اتفاق مع واشنطن كما حصل مع السعودية كان صدام حسين سيضمن لنفسه حكم هذا البلد، ولم يكن مهماً أن يكون طاغية ويداه ملطختان بدم القتل الجماعي. يقول بيركنز: “كنّا مستعدين لبيعه دبابات وطائرات مقاتلة وأن نبني له محطات طاقة كيمائية ونووية. كان العراق مهماً لأميركا ليس من أجل النفط فقط بل أتت أهميته من مياهه وموقعه الاستراتيجي. لكن صدام حسين لم يقبل بضاعة القتلة الاقتصاديين، الأمر الذي أدى الى إحباط وإحراج كبيرين لإدارة بوش، فكان أن تم اختلاق قضية أسلحة الدمار الشامل وتلك المسرحية الهزلية التي قام بها كولن باول في مجلس الأمن، وقاموا بغزو العراق وتدميره وما زال يعاني حتى اليوم من تبعات ذلك الغزو برغم انسحاب القوات الأميركية منه”.
يتحدث الكاتب عن السعودية ومسألة غسيل الأموال، ويقول: “في عام 1974 شاهدت صوراً للرياض عاصمة السعودية وكان من ضمن الصور قطيع من الماعز ينقب في أكوام القمامة خارج مبنى حكومي، وحين سألت عن ذلك كان الجواب الصادم إنها الوسيلة الرئيسية للتخلص من القمامة”.
كان لحظر تصدير النفط الذي فرضته السعودية وعدد من الدول إبان حرب تشرين الأول – أكتوبر 1973 أثره الكبير على السياسة والاقتصاد الأميركيين. فقد نتج عن هذا الحظر موقف مهم وتغييرات في السياسات، فقد أقنع وول ستريت “مركز المال الأميركي” وواشنطن أن مثل هذا الحظر لن يقبل تكراره أبداً. وبعد انتهاء الحظر بدأت واشنطن التفاوض مع السعوديين وعرضت عليهم فرصة رفع دولتهم الى مستوى القرن العشرين في مقابل النفط، ونتج عن هذه المفاوضات إنشاء منظمة “جيكور” التي اعتمدت على المال السعودي لتشغيل الشركات الأميركية في بناء السعودية.
يقول بيركنز: “كان أحد نواب الرئيس يردد مقولة – في إشارة الى المملكة العربية السعودية – بأنها البقرة التي يمكننا حلبها حتى تطلع الشمس على تقاعدنا.
اللافت أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب عاد لتكرار ذات العبارة أثناء حملته الانتخابية.
لقد أرادت واشنطن ضمان دوام تدفق النفط واستقرار أسعاره، وفي مقابل هذا الضمان تقدم الولايات المتحدة عرضاً مغرياً يتضمن إلتزاماً بتقديم دعم سياسي وأمني للسعودية، وهذا تأكيد على استمرار وجودهم كحكام لبلدهم.
يتحدث الكاتب عن تمويل زعيم تنظيم القاعدة الرحال أسامة بن لادن، إذ قام آل سعود بتمويل بن لادن في الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن العشرين، لتعود واشنطن وتنقلب عليه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، وتبدأ حملة ما بات يعرف بمكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية.
لم تخلف السياسة الأميركية في كل أنحاء العالم سوى الدمار والخراب وتصفية أو محاولة تصفية القادة المنتخبين شعبياً. ففي فنزويلا، جهدت أميركا للانقلاب على الرئيس هوغو تشافيز لكنها باءت بالفشل. لقد كان واضحاً أن الفشل لم يكن من نصيب القتلة الاقتصاديين وحدهم، بل من نصيب “بنات آوى” أيضاً.
قد يكون ما ذكر في هذا الكتاب غيض من فيض ما تقوم به الولايات المتحدة في دول العالم، توجهها مصالحها الاقتصادية والسياسية. فبعد صمت دام سنوات ينشر بيركز اعترافاته تلك، لعلها صحوة ضمير.
المصدر : الميادين نت .