عدائية السعودية لإيران تعزز عدم الاستقرار بالشرق الأوسط

لقد صعد تأثير إيران من الصفر تقريبًا من التسعينات وحتى وصلت إلى حالة من التأثير القوي في المناطق الشرقية من الشرق الأوسط اليوم. نفذ الحوثيون ’’انقلابًا’’ في اليمن في عام 2014، وعمقوا من سيطرتهم على البلاد خلال السنوات التي تليها. كان هذا تطورًا محليًا بالدرجة الأولى، ولكن أظهرت الرياض فزعها من إيران هناك. كما سيطر حزب الله المناصر لإيران على الحكومة الوطنية اللبنانية منذ عام 2016، كما يبدو أن وكيلًا إيرانيًا آخر، وهو نظام بشار الأسد، قد انتصر في الحرب الأهلية في سورية، حيث هُزم جيش الإسلام الذي يمثل السعودية.

وتلاشى تأثير السعودية في العراق بعد أن انسحبت معظم المحافظات ذات الغالبية السنية لتلتحق بـ”خلافة” تنظيم “داعش” في عام 2014، ثم تم غزوها من جيش الحكومة المركزية ومساعديها من الحشد الشعبي. وفي حين تعكرت علاقة طهران بحماس الفلسطينية منذ عام 2011، إلا أنه يبدو أن المياه تعود إلى مجاريها.

إن صراع السعودية مع يتعلق بالنواحي القومية والأمنية بالدرجة الأولى وليس له أية علاقة بالاقتصاد. فلكتاهما دولتان نفطيتان، وكلتاهما منضمتان إلى منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) كما أنها عضوتان في الاتفاقيات. لا تتنافس الدولتان على سوق الصادرات. كما أن عائدات الصادرات النفطية الإيرانية الحرة بعد خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاقية النووية، من عام 2015 قد ساعدت في خفض أسعار النفط، وهو ما حصل مع إنتاج النفط الصخري الخاص بالولايات المتحدة، ولم تؤدي الأخيرة إلى إحداث أي توترات بين الرياض وواشنطن. بدلًا من ذلك، فإن هذه منافسة من نمط القرن التاسع عشر على مساحات التأثير المناطقية.

وبينما يرتبط بالأمر كون إيران دولة شيعية والسعودية حكومة سنية وهابية متشددة، إلا أن الصراع لا يدور حول الدين بالدرجة الأولى. فإيران تدعم الحكومة “العلمانية الاشتراكية الملحدة” لبشار الأسد. وتدعم السعودية “الجيش العلماني القومي” في مصر. كما تعيش السعودية وقطر في حالةٍ من الصراع، وهو يدور في جانب منه حول ما إذا كان ينبغي اتخاذ علاقات إيجابية مع إيران، كما تصر الدوحة، أو التعامل مع إيران كعدو قاتل.

ولا تستطيع السعودية، وهي دولة مكتظة بالسكان مثل إيران وتفتقد للإمكانيات العسكرية الأساسية، أن تتصارع مع إيران وجهًا لوجه ضمن معركة تقليدية. فكما ينظر الخبراء الاستراتيجيون السعوديون، يبدو أنهم خلصوا إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يأملوا تحقيقها هو الحد من تأثير إيران على المنطقة في التقسيم والسيطرة.

ففي لبنان على سبيل المثال، يشكل السنة والشيعة أكثر من ربع السكان، والثلث من المسيحيين، و6% من الطائفة الدرزية. عندما كان الحلفاء المسيحيون الوسطيون يقفون مع السنة، كما حصل في الانتخابات البرلمانية لعام 2009، كان يمكن للسنة أن يحظوا برئيس وزراء قوي. (في لبنان الرئيس مسيحي دائمًا، ورئيس الوزراء سني، ورئيس البرلمان شيعي). لكن في عام 2016، تم انتخاب ميشيل عون رئيسًا من قِبَل 83 عضوًا من بين 128 برلماني.

أشرف عون، وهو جنرال سابق معروف وحليف مسيحي لحزب الله، على تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية وأقنع الزعيم السني سعد الحريري على العمل كرئيس وزراء، ولكن جعله موقفه المعادي لحزب الله في موقع ضعيف. سيطر حزب الله على الجهاز السياسي وحظي على حليف في منصب الرئاسة، ليضع لبنان في مدار إيران.

صنع والد الحريري المليارات في السعودية كمقاول قبل عقود مضت، ويملك الحريري الجنسية السعودية، ويبدو أن ولي العهد، محمد بن سلمان، قد أجبره على تقديم استقالته، وهو ما قذف لبنان في حالةٍ من الاضطراب. قد يتم جلب رئيس وزراء أكثر حدية مع حزب الله أو سيبقى المنصب شاغرًا. لكن ستنتقل بيروت من كونها ملكًا موحدًا لإيران لتصبح مجموعة من الإقطاعيات الصغيرة متعارضة الأهداف. قد تكبر المشاكل إلى حد قد يجبر عون على أخذ منصب الرئيس (وهو أمر يخشاه عون)، مع تحديد موعد الانتخابات لشهر أيار/ مايو 2018، ليتم تنفيذها ضمن قواعد تصويت جديدة وأكثر توزيعًا، من غير المستحيل أن ينشأ ائتلاف سني بجناح يميني، ومن الممكن أن يتضمن مسيحيين معادين لعون في مقابل حزب الله وحلفاءه.

بحسب تسريبات دبلوماسية، يبدو أن هذا المشهد يحظى بدعم من خلف الستار من الحكومة الإسرائيلية، وذلك مع التخوف المفاجئ الذين أصيبوا به على تحالفاتهم مع دول الخليج مثل السعودية ضد إيران وحليفاتها المحليين. قد يكون إخراج حزب الله من سورية، الآن مع هزيمة أتباع القاعدة وتنظيم “داعش”، جزءًا من خطة محمد بن سلمان أيضًا. وهذا هدف يشترك مع الإسرائيليين أيضًا، الذين هددوا بقصف أي قاعدة لحزب الله قائمة في لبنان وتقرب بأقل من 40 ميلًا من الحدود الإسرائيلية.

ولكن حيلة وضع الحريري رهن الاعتقال وإجباره على الاستقالة قد تؤدي إلى ردة فعل دولية عنيفة والتي أثبت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قدرته على إقناع ولي العهد بترحيل رهينته إلى باريس. عاد الحريري في الأسبوع الماضي إلى بيروت في ظل ترحيب حار، حيث ألغى قرار استقالته. وقام بالتنديد، كما فعل داعموه السعوديون، ضد التأثير الإيراني في لبنان والدور الكبير الذي يلعبه حزب الله في السياق المحلي، ولكن من الواضح أن الحريري يختلف مع الرياض في الاستراتيجية.

إن الحريري غير مستعد للتخلي عن السلطة الضئيلة التي يملكها، وقد يقدِّر أن يحصل حزب المستقبل خاصته على فرصة أفضل في انتخابات شهر أيار/ مايو إذا حظي بمنصب حينها. وفي عام 2009، وهو آخر عامٍ عقدت في لبنان انتخابات عامة، حصل حزب المستقبل على 26 مقعدًا، ومع حليفه في الائتلاف 14 آذار حظي بأغلبية صلبة (71 من 128 مقعد) في البرلمان. بينما حصد تحالف حزب الله (8 آذار(، بما فيها التيار الوطني الحر الخاص بعون، على 57 مقعد. (تشير 8 آذار و14 آذار إلى تواريخ مظاهرات مناصرة ومعادية لوجود النظام السوري في لبنان عام 2005).

إن محاولة السعودية لتقسيم والسيطرة على لبنان قد فشلت حتى الآن، ولكن، وللمفارقة، ساهمت الرياض بشكل كبير بتلميع سمعة الحريري، على حسابها، مع الشارع اللبناني، والذين باتوا يرونه كضحية وطنية لخطة سعودية خارجية بدلًا من إيرانية. ولكن من غير المرجح أن يتخلى السعوديون عن استراتيجيتهم، وقد يحاولون من خلف الستار أن يملؤوا خزائن أحزاب المسيحيين اليمينيين المعارضين لعون.

وفي مكان آخر أيضًا، لم تسفر عمليات التقسيم والسيطرة إلا إلى نجاحات ضئيلة. فمحاولة محمد بن سلمان إجبار قطر على قطع علاقاتها بإيران قد أدت لنتائج عكسية، حيث حفزت الدوحة وطهران على التقارب أكثر وربما تدمير مجلس التعاون الخليجي، والذي كان مركب القوة السعودية في الخليج العربي، والذي يضم الكويت والبحرين وعُمان والإمارات بالإضافة إلى قطر. وحتى الآن، أصبحت خطة التقسيم والسيطرة التي تتبناها السعودية عامل زعزعة استقرار في منطقة مضطربة أصلًا، ولم تقدم أي شيء فيما يتعلق بالتأثير الإيراني.

*ترجمة : عرب 48 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى