ميدل إيست آي: المحور السعودي الإماراتي يقوض وحدة الخليج
متابعات | 9 ديسمبر | مأرب برس :
لا ينبغي أن يكون إعلان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إقامة لجنة مشتركة للتعاون والتنسيق «في كافة الميادين العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية» أن يكون مفاجأة لأي مراقب لشؤون مجلس التعاون الخليجي.
ويضفي هذا الإعلان الطابع الرسمي على الصداقة القائمة بالفعل بين الحاكمين بحكم الواقع لكلا من السعودية والإمارات، «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد» – بالترتيب – في منطقة تعتبر فيها المؤسسات غير الرسمية والعلاقات الشخصية أكثر أهمية من العلاقات الرسمية.
خدمة المصالح السعودية
ويأتي توقيت الإعلان بالتزامن مع قمة مجلس التعاون الخليجي في الكويت. ورأى البعض أن القمة قد تمهد الطريق للمصالحة الإقليمية، وسط أسوأ أزمة خليجية حتى الآن.
لكن لم يكن الإعلان السعودي الإماراتي المشترك إهانة لأمير الكويت وجهوده في مجال الوساطة فحسب، بل كان جهدا محسوبا أيضا لعرقلة القمة الخليجية، وإيذانا بنهاية مشهد مجلس التعاون الخليجي.
ومع ذلك، لا تختفي المؤسسات الرسمية في العالم العربي بشكل تام، بل تصبح صورة من الظل لا تقدم ولا تؤخر شيئا، وهو المصير الذي قد يشاركه مجلس التعاون الخليجي قريبا مع الجامعة العربية.
ولأعوام، لم يكن مجلس التعاون أكثر من مجرد منصة للحديث عن صورة مشوهة من التعاون والوحدة. وعلى الرغم من تأسيسه رسميا عام 1981 لتعزيز التماسك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي عبر الدول الخليجية الست، إلا أن المنظمة – وفقا لخبير الخليج «جريجوري غوس» – خدمت في المقام الأول المصالح الأمنية السعودية، التي اعتمدت على بث الرعب من التوسع الإيراني.
وباعتبارها المهيمنة الإقليمية على الشواطئ الغربية للخليج، سيطرت مملكة آل سعود على الدول الصغيرة الخمس الأخرى، التي كانت قد استقل بعضها مؤخرا عن بريطانيا.
وبدأ ميزان القوى في المجلس بالتحول في أواخر الثمانينات، وعلى نحو أكثر وضوحا في التسعينات، خاصة مع دخول الإمارات وقطر مرحلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل متسارع.
الروايات البديلة
وساعد التحرر الاقتصادي – الذي تعزز بزيادة أسعار النفط – على تيسير التحرير الاجتماعي، مما جعل الدول الصغيرة تتفوق بسرعة على السعودية، التي لم تتمكن أبدا من إصلاح اقتصادها الريعي الفاشل في طريقها إلى القرن الحادي والعشرين، رغم ثروتها النفطية الهائلة.
وقد خرجت الدوحة وأبوظبي من الظل السعودي بتقديم رواية بديلة للإصلاح. وفي الإمارات، وضع الأمير الشاب والطموح «محمد بن زايد» الأساس لما وصفه وزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» – في وقت لاحق – بـ «إسبرطة الصغيرة» – وهي دولة ذات مركزية قوية عسكريا تقوم على العلمانية والتسلط السياسي.
وعلى امتداد الخليج في قطر، وضع الأمير «حمد بن خليفة»، نموذجا اجتماعيا وسياسيا مختلفا، يقوم على التعددية الاجتماعية والسياسية والحريات المدنية النسبية. وسعيا وراء طموحاتها، قوضت الدول الصغيرة بشكل متزايد التصور السعودي القائم على الهيمنة الأيديولوجية والسياسية في الخليج.
وبالتقدم إلى عام 2011، كانت المملكة شاهدة على موجة من الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي للإطاحة بالأنظمة، الأمر الذي أدخل المنطقة في حالة من الفوضى.
وفي هذه الأثناء، شرعت قطر والإمارات في سياسة إقليمية مستقلة على نحو متزايد لتشكيل نتائج الربيع العربي وفقا لرواية كل منهما، بتبني التعددية الاجتماعية والسياسية من جهة قطر، والاستبدادية والسلطوية من قبل الإمارات. وفي عهد الملك الراحل عبد الله، ظلت الرياض في موقف المتفرج.
وظلت كذلك حتى صعد الملك «سلمان» على العرش عام 2015.
علاقة حميمية
وتمكن نجل «سلمان» الطموح «محمد بن سلمان» من حث أبيه على التحول الجذري في المملكة، في محاولة لدفع الدولة للانتقال من العصور الوسطى إلى عصر ما بعد النفط.
ووجد الأمير الشاب الإلهام والتوجيه من الخارج، ولكن ليس في الدوحة، بل في أبوظبي، حيث رأى في الصداقة مع «محمد بن زايد» فرصة لإعادة تشكيل المملكة – المتخلفة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا – على غرار دولة الإمارات.
وخلال العامين الماضيين، لم تقتصر العلاقة الحميمية بين «بن سلمان» و«بن زايد» على إرسال الصدمات السياسية عبر شبه الجزيرة فحسب، بل عززا أيضا العلاقات الثنائية القائمة على المصالح والقيم المتبادلة – والأهم من ذلك – الروايات المتبادلة.
وتبنى «بن سلمان» رؤية «بن زايد» للإصلاح، المتمثل في التحرير السلطوي، أو ما يعني بناء دولة مركزية قوية قادرة على تغيير القواعد الاجتماعية والسياسية بشكل سريع. وفوق ذلك تشاركا رؤية مشتركة للشرق الأوسط، تحبذ الاستقرار القائم على الاستبداد بدلا من دعم أصوات الربيع العربي التي كانت تدعو إلى مزيد من التعددية الاجتماعية والسياسية والحريات المدنية.
بقايا حقبة ماضية
وما كانت في الثمانينات شراكة بين راعي (السعودية) ودولة تابعة (الإمارات)، تطورت لتصبح علاقة بين نظامين على نفس المستوى من القوة والهيمنة. وفي ظل هذا الواقع الجديد في الخليج الذي تجد فيه السعودية صعوبة في الحفاظ على دورها كدولة مهيمنة، يمكن للشراكة بين الدولتين تحمل مغامرات السياسة الخارجية في اليمن ومصر وليبيا، وغيرها.
وفي الوقت نفسه، واصلت قطر طريق التحرر من التبعية للرياض، حيث تبنت روايات تتعارض مع تلك الموجودة في السعودية. وقد طورت الكويت وعمان علاقاتهما مع طهران، خوفا من هيمنة الشقيقة الكبرى.
وبالتالي، ابتعد مجلس التعاون الخليجي عن التماسك والوحدة منذ فترة طويلة. ويعزز ذلك استمرار محاولات الاستقطاب التي تنفذها السعودية بالاشتراك مع الإمارات.
أما بالنسبة للمملكة، فإن مجلس التعاون لم يعد قابل لتحقيق أغراضها بعد الآن، وأصبح مجرد بقايا شاهدة على حقبة الهيمنة السعودية.
لكن من الصعب تصور أن يخلق هذا التحالف الجديد – بين أبوظبي والرياض – مشاكل خارجية إضافية في الكويت أو الدوحة أو مسقط، حيث قد تؤدي العلاقات التجارية والصفقات المالية الجديدة إلى تحقيق نتائج من المنفعة المتبادلة على أساس التكامل والتوافق التجاري، وهو ما قد يثبت أنه أكثر استدامة من العلاقة الشخصية بين الأميرين الطموحين.