ألغاز في شراء مصر ’غاز اسرائيل’!
تقارير | 22 نوفمبر | مأرب برس :
القاهرة ــ تحقيق خاص
شريف عاطف سليمان :
أثارت العلاقات المصرية- الإسرائيلية جدلاً كبيراً خلال السنوات الماضية خاصة في ملف حقول الغاز الطبيعي، وقيام الحكومة المصرية باستيراده من الكيان الصهيوني بعد أن قامت بتصديره لمدة 6 سنوات تقريباً. وعلى الرغم من أن القضاء المصري قد أصدر عدة أحكام قضائية قضت بتبرئة كل المتهمين بتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة، فإن البعض اتهم الحكومات المصرية المتعاقبة بمحاباة الكيان الصهيوني بتغاضيها عن قيامه بسرقة بعض حقول الغاز المصرية، وتصدير الغاز لإسرائيل بأسعار زهيدة، وإعادة ترسيم الحدود البحرية بما يضمن تذويب الكيان الصهيوني في نسيج الشرق الأوسط.
تاريخ
بدأت مصر بتصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني في عام 2008 إثر اتفاق تمَّ في عام 2005 نصّ على التزام مصر بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي إلى إسرائيل لمدة 20 عاما بثمن 1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، في حين كان سعر التكلفة الحقيقي 2.65 دولارًا، وحصلت الشركة الصهيونية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 أعوام، إلا أن المجلس العسكري تعرض لضغوط هائلة من الشارع السياسي في مصر، لإنهاء اتفاقيات توريد الغاز للكيان في أعقاب انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011، وبالفعل تم انهاء العمل باتفاقية الغاز.
وبعد أيام قليلة من تشغيل الكيان الصهيوني لحقل “تمار” في مياه البحر المتوسط، والذى قال خبراء عرب إنه يقع في نطاق المياه الإقليمية للبنان قامت الحكومة الإسرائيلية بإلغاء عقدها مع مصر القاضي بتزويد إسرائيل بـ40 % من احتياجاتها من الغاز الطبيعي لمدة 20 عامًا، وذلك حسبما أعلنت صحيفة هارتس الإسرائيلية في إبريل 2013 بعد مشاورات مع خبراء القانون الدولي، بسبب قيام شركة الغاز المصرية الوطنية بإنهاء العمل باتفاقية الغاز بشكل أحادي، وطالبت الشركة الإسرائيلية تعويضاً قدره مليارا دولار عن الأضرار التي تسبب بها الإلغاء المفاجئ للاتفاقية.
وفي ايار/ مايو 2014، قالت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية ان الشركات المالكة لحقل “تمار”، ستبيع خمس الإنتاج لمصر، أي ما يوازي 4.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لمدة 15 عاماً، وفي تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، أعلنت صحيفة “جلوباس” الإسرائيلية، ان الشركات المالكة لحق استخراج الغاز الطبيعي من حقل الغاز الإسرائيلي “تمار” وقعت مذكرة تفاهم لبيع 2.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة لمصر، لاستخدامها في الصناعة غير الحكومية، وأضافت “كالكيست” ان الغاز المصدر ستصل قيمته إلى 5 مليارات دولار سنوياً، لمدة 7 سنوات.
وفي أذار/ مارس 2017 نشر موقع “مصراوي” خبرًا عن مغادرة وفد تمار الإسرائيلي القاهرة بعد الاتفاق على تصدير الغاز لشركة دولفينز المصرية؛ حيث أكدت مصادر شاركت في توديع الوفد أن الطرفين استعرضا ملف مد خط أنابيب جديد للغاز، يمتد من حقول “تمار” إلى مصر بتكلفة بلغت نحو نصف مليار دولار، وتفعيل مذكرة التفاهم التي تم توقيعها من قبل لشراء خمس حجم المخزون الاستراتيجي للغاز من حقل “تمار” الإسرائيلي بحوالي 60 مليار متر مكعب لأكثر من 15 عامًا بتكلفة قدرت بـ 15 مليار دولار إلى 20 مليار دولار على مدى عمر المشروع.
وفي 28 آب/أغسطس من العام الجاري، نشر موقع “مدى مصر” تحقيقاً صحافياً جاء فيه أن الحكومة الإسرائيلية وافقت “بشكل مبدئي” على تخفيض قيمة الغرامة، مقابل أن تسمح مصر للقطاع الخاص باستيراد الغاز من إسرائيل، بالإضافة إلى فتح باب التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، نقلاً عن 4 مصادر مصرية، من بينها مصادر حكومية على علم وثيق بتطورات مفاوضات مع نظيرتها الإسرائيلية على حل لأزمة قضية التحكيم الدولي بينهما المتعلقة بتغريم قطاع البترول المصري نحو 1.76 مليار دولار، بسبب وقف تصدير الغاز لتل أبيب.
ويقضي مخطط الغاز الحكومي في إسرائيل بألا يقل سعر الغاز الذي سيتم تصديره من حقل “تمار” عن متوسط سعر الاستهلاك المحلي الإسرائيلي أي أقل من 5.3 دولار للمليون وحدة حرارية، وسوف تحصل إسرائيل حال تنفيذ العقد على عائدات من الضرائب بنسبة تتراوح بين 50 و60% من قيمة الصفقة في منتصف العقد القادم (2018).
وكشف موقع “جلوبس” الإسرائيلي في 10آب/أغسطس الماضي، وبعد 3 أيام من مصادقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز – الذي يسمح لشركات القطاع الخاص في مصر باستيراد الغاز الطبيعي، ما اُعتبر تمهيداً لاستيراد الغاز من اسرائيل- عن بدء مفاوضات وصفها بالمحمومة بين الشركاء في حقل “لفتيان” الإسرائيلي و”نوبل إنيرجي” و”ديليك كيدوحيم” من وجهة وشركة “دولفينوس” المصرية حول سبل تطبيق عقد تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر.
وقتها عبر علاء عرفة، مالك شركة دولفينز، عن سعادته باكتشافات غاز المتوسط، وفضل الوقوف جنباً إلى جنب مع إسرائيل حسبما صرح لوكالة بلومبيرج: “القدرات الكامنة في (غاز) البحر المتوسط عظيمة، ما يمكن أن يحوله إلى مورد الغاز الطبيعي للمنطقة كلها. نريد أن نكون جزءا من هذا جنبا إلى جنب مع إسرائيل”.
شامل حمدي
ويرى وكيل أول وزارة البترول السابق المهندس شامل حمدي، أن “لا مانع من تصدير الغاز لإسرائيل ما دام يحقق مصلحة اقتصادية لمصر، على أن المفاوض المصري يجب أن يحصل على ميزة سعرية بالنسبة لأسعار الغاز السائدة في العالم، وإلا فلا فائدة من عقد الاتفاقية”.
وأوضح حمدي في تصريح خاص لموقع “العهد”: “كان هناك قضية وصدر فيها حكم ببراءة كل المتهمين لأنهم كانوا يصدرون بأسعار جيدة، ولا يوجد أي إهدار للمال العام، والحكم استند إلى آراء قضاة أجلاء وخبراء في الطاقة والبترول والاقتصاد”.
وأضاف: “أنا من أكثر المؤيدين لاستيراد الغاز من اسرائيل وقبرص ولبنان، لأن في ذلك مصلحة للبلد بغض النظر عن أية اعتبارات، خصوصاً لو كان بسعر جيد”، وقال: “نحن سنستورده في صورة غازية، وليست مسالة وبالتالي ثمنه سيكون مناسبا ولن يحتاج الى تحويله الى غاز (تغييز)، أما الغاز الذي يأتي من اندونيسيا ونيجيريا مثلاً فانه يحتاج الى “تغييز” وبالتالي سيكون سعره أغلى”.
وأشار حمدي الى أنه يجب مقارنة أسعار الغاز المصري بأسعار دول المنطقة (دول المتوسط)، فمثلاً الغاز الموجود في آسيا هو الأغلى في العالم نظراً لاختلاف ظروف إنتاج ونقل الغاز هناك عن دول غاز المتوسط، كما أن استيراد الغاز من إسرائيل في هذا التوقيت أو أية دولة أخرى سيعمل على إعادة تشغيل بعض منشآت الغاز المتوقفة عن العمل منذ 6 سنوات ما سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري.
واختتم حمدي حديثة قائلاً: “لدينا علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية مع اسرائيل زي الكويز .. مجتش على الغاز؟!”.
مصطفى السلماوي
ويختلف الدكتور مصطفي السلماوي، المحلل الاقتصادي، ومدير تحرير وكالة أنباء المال والأعمال مع ما ذهب إليه المهندس حمدي شامل، ويرى السلماوي أنه من المضحكات المبكيات أن نعترض على تسويق إسرائيل غازها الطبيعي بعدما أهملنا وتغاضينا عن قيامها بسرقة آبار الغاز من لبنان ومصر جهارًا نهارًا.
وأوضح السلماوي في حديث لموقع “العهد”: “يحضرني أن لبنان قدم شكوى أقرتها أمريكا لكن الأمم المتحدة تجاهلتها وأثبتت حق تل أبيب فيها”.
وأضاف السلماوي:”ما أشبه اليوم بالبارحة حين كانت مصر تصدر غازها لكل الدنيا شرقاً وغرباً حتى جففنا آباره وأبت ثورة يناير أن ينعم الإسرائيلي بالتدفئة، سقط حسين سالم (من أكبر رجال الأعمال في عهد حسني مبارك) وجاء تلميذه النجيب علاء عرفة (رجل الأعمال المصري والممثل الإقليمي لشركة “دولفينوس”) ليكمل المشوار، ولكن هذه المرة من بوابة تسويق الغاز الإسرائيلي”.
ويرى السلماوي أن “عرفة ما هو إلا عراب على رأس المشهد، لكن الحكومة هي التي تلعب الدور الأهم في تطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال محورين:
المحور الأول، من خلال التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية لكي تقع حقول الغاز الإسرائيلية خارج مياهنا الإقليمية وتمنح قبرص حقلاً على سبيل المجاملة، أما المحور الثاني شعور الحكومة بالخجل –وهي مشكورة- فقدمت قانوناً إلي مجلس النواب ملخصه منح الشركات الخاصة الحق في استيراد الغاز وهو منح على المشاع، إذ يمكن أن تستورده من أي مكان بما في ذلك تل أبيب وفوق ذلك قالوا إن مصر ستتحول إلى مركز لتصدير الغاز إلى دول الشرق الأوسط، لكن الحقيقة كلها شعارات لتغطية حقيقة التطور الخطير في علاقتنا مع عدو الوجود”.
ويذهب السلماوي إلى أن “كل المشروعات العملاقة بالمنطقة تؤسس لشرق أوسط جديد يذوب فيه الكيان الصهيوني من خلال تصدير الغاز أو النفط له أو شركات لاسالة الغاز”، ويقول: “كل ذلك مخطط بما فيه تأمين الأنابيب القادمة من تل أبيب، بعد أن كنا نصدّر لهم الغاز “.
ويضيف السلماوي: “أصبح عندنا مصر والأردن ولبنان واسرائيل وقبرص واليونان بالإضافة إلى بعض دول أوروبا، بقيت تكتلات دولية تعبر عن العولمة، فبالنسبة لحقل ظهر باعت “ايني” هناك حصة ل “روسنفت” الروسية وجزء آخر لبريتش بتروليم، والغرض هو تشكيل شرق أوسط جديد تذوب فيه اسرائيل من خلال التجارة وتبادل السلع ومن خلال أهم سلعة في المنطقة “النفط والغاز”
ويشير السلماوي إلى “بعض الأشخاص والشركات المشاركة في تطبيع علاقات الغاز بين مصر وإسرائيل”، مؤكدًا انحيازها للمصالح الإسرائيلية أو تورطها في بعض المخالفات قبلاً: “علينا أن نقف أمام شركة نوبل إينرجي وهي شركة أمريكية تأسست في عام 1932، يتوسع نشاطها في الشرق الأوسط بين مصر وقبرص واسرائيل، وهي التي حصلت على امتياز حقلي تمار ولفتيان وقد وقعت عقودا مع مصر لاستيراد الغاز الإسرائيلي عبر انبوب من حقل تمار إلى شواطئ مصر في صفقة تمتد إلى 15 عاماً بواقع 4.5 مليار قدم مكعب، هذه الشركة ليست فوق مستوى الشبهات مثل جزر الفوكلاند بالأرجنتين وقد دفعت غرامة قدرها حوالي 5 ملايين دولار كمخالفة، يملكها جون كيري وهو أحد المساهمين بالشركة، وله دور كبير في اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية خلال زياراته للقاهرة. شيلدون أديلسون وهو رئيس مبادرة الأعمال الأمريكية الإسرائيلية وهو أحد أكبر رجال الأعمال في العالم الداعمين لإسرائيل”.
واختتم السلماوى بإبداء أسفه الشديد على ما وصلت اليه أوضاع المنطقة العربية وعجزها عن مجابهة الكيان الصهيوني: “الأمر أصبح واقعاً وما شهدته الكواليس منذ 2011 حتى الآن من اتفاقيات ومباحثات أكد ضياع حقوق مصرية ولبنانية في غاز المتوسط، لفتيان يقع على بعد 190كم و235 كم من حيفا ويقع في قلب المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر وتقدر احتياطاته بـ18 تريليون قدم مكعب، إن كنا لم نبكِ ولم نقاوم التفريط في الغاز، فهل سنبكِي على استيراده؟! قضي الأمر”.
المصدر : موقع العهد الأخباري .