نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة يوم الولاية 1438هـ

متابعات | 9 سبتمبر | مأرب برس :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وسائر عبادك الصالحين.

أيها الإخوة والأخوات، شعبنا اليمني المسلم العزيز، أمتنا الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يحتفل شعبنا اليمني مع كثير من المؤمنين في شتى أقطار العالم في هذا اليوم المبارك بمناسبة عظيمة لها شأنها الكبير ومنزلتها الرفيعة في الإسلام، هذا اليوم الذي عرف بيوم الغدير هو يوم الولاية، اليوم الذي أعلن فيها الرسول صلوات الله عليه وعلى آله على رؤوس الأشهاد في غدير خم ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذه المناسبة اعتاد شعبنا اليمني عبر الأجيال أن يحتفل بها على نحو متميز، وأن يستقبلها بحفاوة كبيرة، فعادة يتجمع الأهالي يتجمع الناس في المناطق في القرى، في المدن، في كثير من المناطق ويحيون هذه المناسبة بالكلمات وكذلك بالقصائد الشعرية، بالزوامل الشعبية إلى غير ذلك، ويجعلون منها مناسبة فرح، ومناسبة يستبشرون بها ويتوجهون فيها إلى الله سبحانه وتعالى بالشكر، ويؤكدون فيها كذلك ولاءهم للإمام علي عليه السلام، ولهذه الذكرى أهمية من جوانب كثيرة، ومن أجمل ما حافظ عليه شعبنا اليمني من موروثه الإيماني والديني بسبب أصالته والتزامه بهذه الأصالة واستمراريته على هذه الأصالة، احتفاله بهذه المناسبة بالرغم من محاولات الكثير جدا من القوى التكفيرية الوهابية إلى السعي لإلغاء هذه الفعالية وهذه المناسبة فيما مضى على مدى سنوات، ولكنهم فشلوا لأن شعبنا اليمني إنما يحييها امتدادا لأصالته المبدئية ووعيه العميق وإيمانه الراسخ بالمبادئ التي يحملها.

الاحتفال بهذه المناسبة له أهمية من جوانب كثيرة، واليوم هو يوم عظيم في الإسلام، يوم له شأن كبير، ليس هناك ما يمكن أن يقدم لنا ويبين لنا ويكشف لنا عن مستوى أهمية هذا اليوم، عظمة هذا اليوم وجلالة قدر هذا اليوم في الإسلام مثل قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، هذه الآية الكريمة، هذا النص القرآني العظيم، كان في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة في المناسبة نفسها، في الحادثة نفسها، يوم البلاغ التاريخي العظيم الذي بلغه الرسول صلوات الله عليه وعلى آله على روؤس الأشهاد في الأمة الإسلامية يبقى بلاغا تتناقله الأجيال إلى قيام الساعة، هذا اليوم له هذه العظمة له هذه الأهمية، له هذه المكانة، له هذه القيمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، في الميزان الديني، في الاعتبار الديني في القيمة الدينية، وهي الأساس بالنسبة لنا كمسلمين باعتبار هويتنا الإسلامية، بهذا الاعتبار، بهذا الميزان، من هذا المنظور لهذا اليوم هذه الأهمية الكبيرة، يوم أكمل الله فيه الدين، لكل ما لهذا اليوم من أهمية جدا، ويمكن للكلام أن يطول جدا حول هذه النقطة بالذات لو اتسع الإنسان، لكن مثل هذا الكلام لا يتسع له محاضرة أو كلمة، أو ما يلقى في فعالية أو مناسبة، هذا يقدم في دروس، في محاضرات، يوم أكمل الله فيه الدين، وأتم فيه النعمة، وارتضى لنا فيه الإسلام دينا بعد أن أكمله وأتمه، بكمال الدين وبتمام النعمة نحتفل في هذه الذكرى، نبتهج بهذه الذكرى، وحق لأمة تعي قيمة الدين، قيمة الإسلام، عظمة النعمة الإلهية بالهدى والإسلام، بما فيه من مبادئ بما فيه من قيم، بما فيه من نهج قويم، تصلح به حياة البشرية إن تمسكت به، إن سارت عليه، إن التزمت به يبني واقعها على نحو فريد ومتميز يكفل لها العزة والخير والسعادة والفلاح في الدينا والفوز والنجاة يوم القيامة، فلذلك يحق ليوم له هذا الشأن له هذه الأهمية، له هذه القيمة، يوم إكمال الدين، يوم تمام النعمة أن نبتهج به، أن نشكر الله سبحانه وتعالى ونعترف له بعظيم النعمة والمنة حتى لا نكون من الجاحدين، من الكافرين بنعمه، من المتجاهلين بفضله، من الذين لا يلتفتون إلى ما قدمه لنا، وأنعم به علينا وأتاح لنا في هذه الحياة، في هذا الوجود، بما يكفل لنا إن نحن تفاعلنا وأقبلنا وارتبطنا وانسجمنا وتفاعلنا كما ينبغي يكفل لنا الخير كل الخير، والفوز كل الفوز والفلاح كل الفلاح.

شعبنا اليمني هذه المناسبة بالنسبة له دخيلة وليست طارئة وليست بدعة، بل مناسبة اعتاد عبر الأجيال وتناقل عبر الأجيال الاحتفاء بها، كما قلنا لأصالته الإيمانية، يمن الإيمان، الإيمان يمان، هذا من الإيمان، هذا جانب من جوانب إيمانه، ثم الاحتفال بهذه الذكرى له أهمية كبيرة جدا لأنه عملية توثيقية وتبليغية، عملية توثيقية تتناقلها الأجيال لذلك البلاغ العظيم المهم، فهو عملية توثيق ومحافظة، حتى يبقى هذا البلاغ متنقلا من جيل إلى جيل، وتتوارث الأجيال نقله وإيصاله، فيبقى صوت النبي صلوات الله عليه وعلى آله، يبقى بلاغه ونداؤه وإقامته لله الحجة على عباده، يبقى متناقلا بين الأمة، بين المؤمنين من جيل إلى جيل، يرثه الصغار من الكبار وهكذا، عملية توثيقية مهمة وأسلوب عظيم في الحفاظ على نص من أهم النصوص الإسلامية، همن أهم النصوص النبوية من أهم المبادئ الإسلامية، ونص يلقى محاربة شرسة وحقد كبير وانزعاج كبير من قوى أخرى نتحدث عن هذا أثناء حديثنا إن شاء الله.

أما مستوى أيضا الأهمية للمحتوى، محتوى الذكرى وما كان في هذه الذكرى فكذلك مهما قلنا يبقى تعبيرنا ناقصا قاصرا وضعيفا في محدودية واقعنا البشري ومستوى قدراتنا البشرية في التعبير والبيان والفهم والاستيعاب، لكن ما هناك ما يمكن أن يقدم المسألة بمستواها، في عظمتها وأهميتها وما تدل عليه مثل النص القرآني، الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)، هذه الآية المباركة أمرت النبي صلوات الله عليه وعلى آله أمر من الله وتوجيه من الله سبحانه وتعالى أن يبلغ، يبلغ أمرا أوحاه الله إليه، له في أهميته داخل الرسالة الإلهية وفي مضمون الرسالة الإلهية وضمن التشريع الإلهي والتوجيهات الإلهية بالغ الأهمية لهذه الدرجة، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، من المدهش أن هذا التوجيه الإلهي للنبي صلوات الله عليه وعلى آله أتى في آخر أيام حياته، يعني ما قبل وفاة النبي صلوات الله عليه وعلى آله بأقل من ثلاثة أشهر، وبعد أن كان النبي صلوات الله عليه وعلى آله قد قطع الشوط الأكبر  من تبليغ الرسالة بدءا بالقضايا الرئيسية في الرسالة مثلا التوحيد ومحاربة الشرك ومسائل مهمة جدا ذات حساسية جدا بين أوساط المجتمع العربي وغيره، وذات أهمية كبيرة في منزلتها في الدين وأهميتها الجوهرية في الدين نفسه، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله طوال بعثته منذ أن بعثه الله رسولا إلى الأمة إلى العالمين، منذ بداية نشاطه التبليغي وعمله الدؤوب لتبليغ رسالات الله وإقامة دين الله، كان قد قدم معظم ما يتعلق بالشريعة  الإسلامية والتعاليم الإسلامية، في ما يتعلق منها بالعقيدة الإسلامية بدءا من معرفة الله سبحانه وتعالى في كل ما يتصل بذلك، ثم فيما يتعلق بالشرع الإسلامي، الأحكام الإسلامية، الفرائض والشرائع، العبادات والمعاملات، قد بلغ تبليغا واسعا وشمل تبليغه ما تحتاج إليه الأمة من ذلك، بعد كل هذا وفي أواخر أيام حياته يأتي هذا النص القرآني الذي يأمره أن يبلغ أمرا ما، هذا الأمر لو لم يبلغه لاعتبر كما لم يبلغ رسالات الله سبحانه وتعالى في كل ما قد بلغه منها، لاحظوا، هذا هو ما يمكن أن نستوعب إن تأملنا أو تفهمنا مستوى الأهمية الكبيرة جدا لبلاغ يوم الغدير وكيف يجب أن نتعاطى معه نحن بهذه الأهمية، أن ننفتح عليه في تفهمنا وفي تأملنا، في تركيزنا بمستوى هذه الأهمية ولا نمر عليه، كنص عادي وكحدث عادي وككلام عادل لا نعطي له ما ينبغي التركيز عليه فيه والتأمل له، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، ما يتعلق الشرائع والمعاملات والعبادات قد بلغها، ما يتعلق بالمواقف بما في ذلك المواقف من أعداء الإسلام الذين حاربوه سواء في واقع المشركين من العرب أو ما يتعلق باليهود الذين حاربوا الإسلام وكانوا أعداء أشداء وألداء لهذا الدين، أو الذين حاربوه من النصارى كانت المواقف تجاههم مواقف واضحة ومعروفة ولم يكن ثمة جديد فيما يخص هذا الموضوع، فيما يخص هذا الموضوع موضوع العلاقات، موضوع المواقف من كل القوى التي تحارب الإسلام وتعادي الإسلام وتسعى لطمس معالم الإسلام، كانت المواقف واضحة منها وصريحة جدا، مثلا المواقف مع اليهود منذ مراحل مبكرة منذ بداية الصراع معهم، منذ بدايته مع بني النظير إلى آخر الأحداث مع اليهود في خيبر مثلا في السنة السادسة للهجرة إلى غير ذلك، فكل تلك المسائل، الاعتقادات، المعاملات، العبادات، العلاقات، المواقف قد تضمنها التبليغ فيما مضى في المرحلة الماضية، فبقي هناك أمر واحد، هذه الآية المباركة نزلت متى على النبي صلوات الله عليه وعلى آله، نزلت عليه في الثامن عشر من شهر ذي الحجة وهو عائد من مكة إلى المدينة، في حجة الوداع، فما هو أمر الولاية ما هي حكاية الولاية ما هو نص الولاية ما هي القصة؟ النبي صلوات الله عليه وعلى آله حج ما عرف بين أوساط المسلمين في السيرة والتاريخ بحجة الوداع، بحجة الوداع، حجة الوداع كانت في العام الأخير من حياة النبي صلوات الله عليه وعلى آله، يعني أواخر السنة العاشرة، النبي دخل في السنة الحادية عشرة لم يلبث فيها إلا شهر محرم وصفر على اختلاف الأخبار في أنه هل توفي في اليوم الأخير من شهر صفر أم في بداية ربيع، على كل النبي صلوات الله عليه وعلى آله حج هذا الحج هذه الحجة التي سميت بحجة الوداع أعلن فيها للأمة تأهبه للعروج إلى الله سبحانه وتعالى، للرحيل من هذه الدنيا الفانية وأن مهمته الكبرى في إبلاغ رسالات الله سبحانه وتعالى وإقامة دين الله جل وعلا ومحاربة الظلام والضلال والباطل والكفر والإجرام والطغيان، وإقامة الحق وإحقاقه وإقامة العدل في الحياة، هذه المهمة بالنسبة له قد اكتملت، لم يبق له إلا الشيء اليسير ثم يرحل من هذه الحياة، ولذلك تلك الرحلة سواء فيما تضمنته من إعلانات وكذلك نصوص مهمة أثناء حجة الوداع نفسها أو في الطريق، النبي صلوات الله عليه وعلى آله عاد من رحلته تلك وقد أتم مهمته، ما كان منها في أثناء الحج في صعيد عرفات في خطبته الشهيرة، ما كان منها في طريقه عائدا من مكة وسيأتي الحديث عن هذه المحطة محطة غدير خم، في عودة النبي صلوات الله عليه وعلى آله من حجة الوداع وقد ودع الأمة في ذلك اليوم نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) الآية في مضمونها على حسب التعبير المعتاد ساخنة قوية في مضمونها وتعبيرها  وأسلوبها، يعني أتت تأكيد على النبي صلوات الله عليه وعلى آله فيها بشكل كبير بشكل عجيب، بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وأرفقت بضمانة للحماية الإلهية كضمانة التي أعطاها الله لموسى وهارون في ذهابهما إلى فرعون، قال: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى)، هنا ضمانة إلهية، والله يعصمك من الناس، من المؤكد أن النبي صلوات الله عليه وعلى آله كان دائما في حالة استعداد تام للتضحية في سبيل الله جل شأنه ولم يكن ليتردد عن إبلاغ أي شيء من أوامر الله وتوجيهات الله ودين الله نتيجة مخاوف من الناس، لا، هو كان منذ البداية ولكن هنا كان لهذه القضية شيء من الخصوصية لربما أكثر من مسألة القتل، لربما أكثر من مسألة الاغتيال، لربما أكثر من المخاوف في أن يعاجل بالتصفية قبل أن يتم عملية البلاغ أو أن يتعرض لإساءات كبيرة تمس بعرضه تمس بكرامته، تمس بمقامه في أوساط الأمة من خلال توجيه الإساءات إليه، والاتهامات إليه بالمحاباة والإيثار لعلي بن أبي طالب لاعتبارات أخرى، النبي صلوات الله عليه وعلى آله تلقى هنا ضمانات من الله، والله يعصمك من الناس، في مرحلة الوسط الذي سيقدم فيه هذا البلاغ هو وسط إسلامي ليس فيه أحد من المشركين، تلك الجموع الغفيرة العائدة من الحج والتي جُمعت في مفترق الطرق قبل أن تتفرق نحو الآفاق التي أتت منها إلى الحج، تلك الجموع الغفيرة من المسلمين، ولكن هذا يدل على حساسية المسألة والتي بقيت حساسة أصلا في الوسط الإسلامي على طول التاريخ، بقيت حساسة دائما والنظرة إليها والتعاطي معها بحساسية مفرطة جدا جدا، هذا يجعلنا مثلا نستشعر حساسية تلك التي عاشها النبي صلوات الله عليه وعلى آله ما قبل تقديم البلاغ وأثناء تبليغه البلاغ، ولذلك أعطي تأكيدا كبيرا من جانب يترافق مع هذا التأكيد الكبير ضمانة إلهية بالحماية له والحماية لمقامه صلوات الله عليه وعلى آله، في أوساط الأمة وفعلا تحقق ذلك، لم يجرؤ أحد على الإساءة إليه بما يؤثر على مكانته في أوساط الأمة، إن كان هناك مواقف ضعيفة جدا لم يكن لها أي تأثير أبدا، يعني كان الحالة السائدة ما بعد التبليغ هي حالة الهدوء، لم يترتب على هذا البلاغ وهذا الإعلان أي مشاكل في وسط الساحة الإسلامية آنذاك، الكل هدأ ما بين مرتاح وما بين ساكت، ما ترتب على ذلك، كان هناك احتمال ربما أن يترتب على هذا الإبلاغ مشاكل في الساحة الإسلامية واحتجاجات من البعض واعتراضات من البعض ونزاعات من البعض، لكن لا، تحققت الإرادة والوعد الإلهي بقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)، فالساحة بقيت عادية ومتماسكة ومستقرة وهادئة، النبي صلوات الله عليه وعلى آله جمع الناس في غدير خم في تلك المنطقة أثناء عودته من مكة إلى المدينة، يريد المدينة، عائدا إلى المدينة وجمع الآلاف المؤلفة من الحجاج المسلمين العائدين إلى آفاقهم، إلى مناطقهم والذين سيسهمون بشكل كبير إلى إبلاغ هذا البلاغ إلى مناطقهم، جُمعوا وفي وقت وبأسلوب أشبه ما يكون بحالة نفير، لأن الحالة كانت أثناء الظهيرة، أقفت الجموع التي لا زالت متحركة، استعديت الجموع التي كانت متقدما شيئا ما، جمع الكل في صحراء واحدة في ساحة واحدة، في مكان واحد، واضح، لم يكن فيه أي عوامل يمكن أن تمثل عائقا إما عن رؤية النبي أو عن سماعه، حضر الكل، في حالة استدعاء عاجل وملفت وطارئ، ترى ماذا هناك؟ ماذا يريد النبي صلوات الله عليه وعلى آله؟ وأثناء الظهيرة قام النبي صلوات الله عليه وعلى آله بعد أن رصت له أقتاب الإبل ليصعد عليها وأَصعد معه علي علي السلام على نفس الأقتاب ثم وجه خطابه إلى الأمة وأبلغ ما أمره الله بإبلاغه بعد حديث هيأ فيه الذهنية العامة للمستمعين لما سيقدمه إليهم وبكل ما يساهم على لفت الأنظار وعلى جلب التركيز والانتباه وعلى جلب حالة الإصغاء والانتباه، يعني النبي صلوات الله عليه وعلى آله أدى مهمته على أكمل وجه وأتم ما ينبغي، لا نقص، لا في مستوى التبليغ ولا في طريقة التبليغ ولا في إعطاء التبليغ جوا يساعد على إدراك أهميته والالتفات إلى أهميته، فتحدث بخطاب شهير ثم وصل إلى الموضوع الرئيسي في الخطاب فقال صلوات الله عليه وعلى آله: (يا أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)، وكان علي عليه السلام إلى جانبه، وأخذ بيد الإمام علي عليه السلام ورفع يده أمام الحضور، الآلاف المؤلفة من المسلمين، (فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله).

هذا النص وهذه الواقعة توارثتها الأمة الإسلامية وهي في نفسها من الثوابت المعترف بها بين أبناء الأمة الفريقين والجمهورين الرئيسين في الأمة كما يقال الشيعة والسنة الكل توارثوا هذه الحادثة بنفسها وهذا النص فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه توارثته الأمة بكلها فأصبح من المتواتر بين الأمة والثابت بين الأمة.

الرسول صلوات الله عليه وآله حينما قدم هذا الأمر كان إلى جانب هذه العملية التوضيحية التبليغية التي قدمت في جو عملي واضح بين لا لبس فيه ولا غموض فيه ولا أي شيء يمكن أن ينقص من كونه بلاغا مبينا واضحا ونصا صريحا بينا هناك أيضا النص القرآني الذي يرتبط مع هذا النص من النبي صلوات الله عليه وعلى أله مع هذا البلاغ التوضيحي الذي ترافق معه أداء عملي واضح يعني أخذ الإمام علي عليه السلام إلى فوق أقتاب الإبل وإصعاده معه الأخذ بيده الإشارة إليه وتقديمه بشخصه ،واسمه بشكل واضح إلى الأمة.

النص القرآني هو قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يأتي النص القرآني إلى جانب النص النبوي والعملية التبليغية التي شهدت أداء عمليا من النبي كلاما رافقه تصرف معين تصرف عملي إصعاد الإمام علي تقديمه بشخصه واسمه فهذا وهو عنده وآخذ بيده علي باسمه مولاه نقول عنها أنها فعلا متطابقة فمع مستوى ما أعطاه النبي نفسه الآية القرآنية والتوجيه الإلهي من الاهتمام يعني أن النبي صلوات الله عليه وأله لم يقصر أبدا في أن يقدم المسألة فيما تستحقه من الأهمية وبما تقدمة الآية وتوحي به الآية من هذه الأهمية ومستوى هذه الأهمية أكمل مؤهل من الله سيد الرسل وخاتم النبيين فأنفذ مهمته على أتم ما يكون نشهد له بذلك نحن نشهد للرسول صلوات الله عليه وعلى آله بأنه بلغ يما انزل إليه تمام البلاغ وأقام الحجة و أوضح المحجة وأنه لم يقصر ولم ينقص وأنه لم يشب بيانه أي التباس ولا أي غموض فهو لم يقصر أبدا ، ما هناك أي تقصير من جانبه على الإطلاق.

هذه الحادثة والواقعة المهمة جدا التي شهدت هذا البلاغ الكبير والمهم والذي لم يكتمل للنبي من بعده ثلاثة اشهر حتى توفي عاد إلى المدينة بقي فقط حتى دخلت السنة الحادية عشرة من الهجرة وتوفي في أخر يوم من صفر أو في بداية شهر ربيع الأول منها.

على كل الرسول صلوات الله عليه وآله قدم هذا النص للأمة ليبقى بلاغا لأجيال الأمة بكلها ومن جوانب الدلائل العجيبة من الدلائل والاعتبارات المهمة أن هذا النص بقي فعلا متوارثا بين المسلمين وحظي باهتمام كبير بالنقل بما يحفظه لكل الأجيال

يبقى لنا الآن أن نتحدث عن الولاية ما هي الولاية ؟ ، طبعا الحساسية كبيرة حول هذا الموضوع ومن الطبيعي أن تكون حساسة مادام المسالة كان فيها آنذاك (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ …الآية) فلابد وأن تكون حساسة في كل مرحلة من مراحل التأريخ.

الولاية ليست مجرد فكرة خاصة وصناعة مذهبية صنعتها طائفة معينة من أبناء الأمة لا .. الولاية هي حالة قائمة موجودة عند كل البشر حتى خارج الساحة الإسلامية طبعا نقصد بالمفهوم الأعم حالة الولاية بمعنى ما من طائفة في هذه الدنيا ولا من فئة في هذا العالم من أبناء البشر إلا ولها ارتباط بجهة معينة رموز معينين ترتبط بهم على أنهم المصدر والجهة التي تقتدي بها، تتأثر بها، تستلهم منها تعاليمها وتوجيهاتها، تقدس ما يقدم من جانبها من آراء ومن أفكار وتعتبرها مسارها الذي تعتمد عليه كمنهج كمواقف كمسار في الحياة، هذا شيء قائم حتى في خارج الساحة الإسلامية بين اليهود والنصارى والوثنيين وكل البشر هم على هذا الأساس وسواء كانوا أصحاب انتماء ديني بالمعنى الشائع والمنتشر أو بغير ذلك يعني الطائفة أو فئة كل فئات الدنيا لها رموز معينون لها قادة لها قدوات ترتبط بهم تتأثر باٌقوالهم بآراهم بأفكارهم وتأمل أو تعتبر أن المفترض بكل الناس أن يحذو حذوها في أن يرتبطوا بتلك الجهة التي آمنت بها وآمنت بأفكارها وثقافاتها وما تقدمه ولهم مكانتهم وعظمتهم وأهميتهم، فهي حالة قائمة في الساحة الإسلامية كذلك كل الطوائف الإسلامية كل المذاهب الإسلامية لهم ارتباطات برموز معينين ينظرون إليهم على أنهم هم أهل الحق وأهل الحل وأهل العقد ومن ينبعي أن تؤخذ أقوالهم وأن يؤمن الآخرون بأفكارهم وأن يتقبلوا منهم ما يقدمونه وأنهم القدوة القادة والأسوة وهم الذين يفترض الارتباط بهم من كل أبناء الأمة والحذو حذوهم من كل المنتمين للإسلام، هذه حالة قائمة في الإسلام، في الساحة الإسلامية حالة حاضرة وخارج الساحة الإسلامية حالة قائمة فقط حساسية غريبة وعجيبة تجاه الولاية من المنظور القرآني وعلى وفق ثقافة الغدير ثقافة يوم الولاية.

 هذه المسألة تحظى بحساسية من أكثر الأطراف وينظر إليها بتعقد عقدة عجيبة جدا على نحو تدخل فيه العصبية تدخل فيه إشكالات كثيرة وتعقيدات كثيرة تؤثر على الكثير من الناس حتى في التحقق من هذه الثقافة في التعرف على هذه المفاهيم وأحيانا تنقل أو تصاغ مفاهيم أخرى تحسب على الناس وهم بريئون منها بهدف التشويه. التشويه الكبير جدا.

على كل الولاية بحسب ما قدمها القرآن الكريم في الآية القرآنية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) ثم في النص المرافق لها في حديث النبي صلوات الله عليه وعلى آله وبلاغه صلوات الله عليه وعلى آله، نص يمكن أن نقول نص نبوي توأم مع النص القرآني يعني مترابط معه كل الترابط مع النص القرآني على صلة وثيقة بالنص القرآني ومتشابه معه في التسلسل: ( إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) كذلك (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وأخذل من خذله) في مقابل فإن حزب الله هم الغالبون.

نأتي لنتحدث بقدر ما يسعنا الوقت ويتاح لنا إن شاء الله، النص القرآني واضح جدا يتحدث عن الولاية باعتبارها ولاية الله سبحانه وتعالى (إنما وليكم الله) وهذه المسألة لأن العقدة والعصبيات المذهبية جعلت هذا المبدأ المهم والكبير في القرآن الكريم والإسلام العظيم يهمش إلى حد كبير ويتعامل معه الكثير بتوحش ونفور وابتعاد والكل يريد أن يمر عليه مرورا عابرا كثير من المفسرين سرعان ما يحاول أن يتخلص منه لم يحظى بالاهتمام الذي يفترض أن نهتم به كمسلمين بعيدا عن العقد المذهبية والعصبيات الطائفية والبلايا هذه والمشاكل التي أثرت على الأمة وجبت عن الكثير نور الهداية.

إنما وليكم الله هذه الآية تتخاطب معنا تعنينا نحن كل من ينتمي إلى هذا الإسلام الله هو ولينا فماهي هذه الولاية؟ ولاية الله سبحانه وتعالى هي ولاية شاملة الله هو ولي كل هذا الكون هو ملك هذا الكون، هو ملك لله سبحانه وتعالى الله وليه خالقة وفاطره ومالكه ومنشئه ومكونه وبارئه الله سبحانه وتعالى ولي هذا الكون لا شريك له في ذلك ولا يملك أحد غيره في هذا الكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا في أي جزء من هذا العالم، فله جل شانه هذه الولاية أولا أنه المالك في هذا الكون وأنه سبحانه وتعالى له ولاية الألوهية هو وحده في كل هذا العالم المعبود بحق لا معبود بحق إلا هو وهو حصريا يمتلك حق العبادة من كل الكائنات الفاهمة الواعية في هذا الكون وله الملك على كل ما فيها من حيوان وجماد وغير ذلك، فله ولاية الألوهية وله ولاية الربوبية انه وحده الرب جل شأنه السموات والأرض وما بينهما رب العالمين وأن الجميع في هذا العالم بلا استثناء إنما هم عبيد له وملك له ماهناك أحد يخرج على هذه القاعدة لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من البشر ولا من الجن ولا من أي كائنات في هذا الكون وفي هذا العالم الكل مربوبون الكل عبيد وهو جل شانه رب العالمين المالك لهم المربي لهم المهيمن عليهم فهو جل شأنه له ولاية الربوبية. ثم يبتني على هذا أنه حل شأنه الملك لهذا العالم ملكوت السموات والأرض كله بيده تحت سلطانه وتحت أمره وقهره هو المهيمن عليه بكله ولذلك هو جل شأنه المدبر لشئون السموات والأرض فله أيضا ولاية التقدير القائم المستمر الذي هو فيه مستمر كما يعبر في القرآن الكريم (ثم استوى على العرش) لم يخلق هذا الكون ثم يتركه هناك ويبقى متفرجا عليه إلى أين يتجه وماذا يحصل فيه لا ..متصرف فيه على الدوام حي قيوم حسب التعبير القرآني حي قيوم قائم على الدوام بلا انقطاع بتدبير وتصريف شئون هذا الكون بكل ما فيه يحيي ويميت يخلق ويرزق يعز ويذل وهكذا تصرف شامل يكور الليل على النهار يولج الليل في النهار تصرف مستمر لا ينقطع في تدبير شئون هذا الكون وهذا العالم فهو جل شأنه الملك الذي لم ينقطع ولم يتوانى أبدا ولا لحظة ولا طرفة عين في تدبير شئون هذا الكون يرعى فيه مصالح مخلوقاته بكلها بأجمعها ويحكم هذا الكون في الولاية التكوينية وهو مكون هذا الكون بسننه التي لا يمكن أن يخرج عنها شيء في هذا الكون أبدا. هذه ولاية قائمة وولاية مستمرة كيف ننظر في ساحتنا الإسلامية إلى الولاية الإلهية في امتداداتها الأخرى امتداد الهداية امتداد التشريع امتداد الإرشاد للعباد والتوجيه للعباد في ساحة البشرية في ساحتنا البشرية البشر دورهم في هذه الحياة دورهم في هذا الوجود دورهم في هذا الكون دور بارز دور أساسي يختلف عن كثير من المخلوقات الأخرى التي لها دور محدود جدا الدور البشري والدور الإنساني على الأرض دور مهم لأجله سخر للبشر ما في السماوات ومافي الأرض من أجلها حمل البشر مسؤولية نأت وامتنعت عن حملها السماوات والأرض والجبال فكيف ننظر في الساحة الإسلامية إلى الولاية الإلهية  في بقية الأمور ثم نعود على المنظور القرآني.. البعض في العالم الإسلامي يعتبر أن الولاية الإلهية في الحد الأكبر هي ولاية خدمية يعني لايستحون من الله سبحانه وتعالى بمعنى عندهم أن الله سبحانه وتعالى معني بواقعنا كبشر كعبيد له سبحانه وتعالى أن يخلق وأن يرزق وأن يحيي أن يميت أن يشفي مرضانا أن يمن علينا ويعطينا احتياجاتنا في هذه الحياة وينتهي دوره هنا مايدخل في بقية شؤون حياتنا ماعاد له حاجة خلاص بطل هذه نظرة البعض من المحسوبين على الإسلام أن حدود الولاية الإلهية لايتجاوز الدور الذي تعارف عليه البشر أنه دور خدمي يخلق لنا الأبناء ويرزقنا بالأرزاق ينبت لنا الأشجار يمن علينا بالأمطار وهكذا الدور الذي تعارفنا عليه في واقعنا الحياتي على أنه دور خدمي البعض لابأس عندهم نظرة أوسع إلى الولاية الإلهية أنها تتجاوز هذا الجانب الذي هو تلبية احتياجاتنا في هذه الحياة تغطية احتياجاتنا في هذه الحياة الإنعام علينا بما نحتاجه في هذه الحياة الرعاية الإلهية في جانب الاحتياجات الإنسانية الخاصة بالطعام والشراب وما إلى ذلك إلى جانب آخر وهو التشريع بمعنى أنه يمكن لله جل شانه أن يشرع لنا أيضا باعتباره إلهانا وأن يحل لنا شيئا ويحرم علينا شيئا آخر يحل لنا الطيبات يحرم علينا الخبائث ويضاف هذا إلى الرعاية المادية الرعاية التشريعية يدلنا ويعرفنا هذا حلال وهذا حرام احذروا من هذا واعملوا هذا هذا فيه خير لكم وهذا فيه شر عليكم ولكن من دون أن يتدخل في أي آلية ضامنة للتنفيذ والانضباط ضمن شرعه ونهجه وتعليماته فقط أشبه مايكون لديهم بمستشار قانوني يقدم يقول هذا جيد سابر وهذا مايصلح لكم فقط يعني مايتدخل في آلية التنفيذ فيما يضبط عملية التنفيذ في ما يرعى مسار الأمة ضمن النهج الي رسمه لها هذا طرف لابأس تقدم بخطوة على الأمام عن الطرف الذي لايرى في الولاية الإلهية إلا الجانب الخدمي فحسب ولاينظر إلى أي اعتبار آخر بل يتعاطى مع الله بوقاحة بوقاحة عجيبة ثم كلا الاتجاهين يريان في مسألة القيام بما يعنيه أمر الأمة القيام بتصريف أو توجيه الأمة العملية التوجيهية العملية الإدارية في واقع الأمة التي تبنى عليها السياسات والمسارات والمواقف ينظم على ضوئها واقع الأمة أنه أمر ليس لله أي علاقة به ولا صلة به وانه ينبغي الحيلولة دون أن يتدخل في الموضوع نهائيا وأن هذا أمر إلى الآخرين من الآخرين نتأمل في واقع الأمة من كان هو البديل من أتى بهذه الرؤية العبقرية تمخضت عن مجيء من هذه الرؤية أضاعت الأمة هذه الرؤية العقيمة التي منشأها أحقاد ومنشأها حسد منشؤها بغضاء ومنشؤها تعصب ومنشؤها جهل ومنشؤها غباء فتحت المجال للجائرين للظالمين للفاسدين للمستهترين لأن يجيئوا هم فيتبوأوا هذا المقام ثم لاهذا بقي الذي هو الشرع في أحكامه وفي منهجه على حسب ما يفترض أن يكون قائما في واقع الأمة ولا المشروع الإسلامي في أبعاده الأخرى جوانبه الحضارية جوانبه التربوية جوانبه الواسعة شؤونه الواسعة المرتبطة بطبيعة الدور العالمي المفترض لهذه الأمة كل هذا وذاك ذهب ضائعا هذه الرؤية أتاحت المجال وقدمت التبرير والشرعنة لأن يكون المعنيون بإدارة شؤون الأمة الإسلامية من هب ودب فقط يمكن من الاستحواذ على واقع الأمة بقوة السلاح وإغراء المال فمن تمكن أن يستحوذ على أمر الأمة أن يسيطر في واقع الأمة مستندا على قوة عسكرية وإغراء مادي فكيف ماكان كيف ماكان جاهلا جائرا فاجرا ظالما فاسقا ماهناك عندهم مانع أبدا اتفضل ويوجبون على الأمة كلها أن تطيعه شرعا وتصبح طاعته عملا إيمانيا وعباديا وقربة إلى الله سبحانه وتعالى وتصبح مسألة تمكينه لممارسة هوايته في الظلم والبطش والجبروت والاستحواذ على أموال الأمة وتكوين ثورة شخصية وتحقيق أغراضه وأهواءه الشخصية التي تكون المسألة الرئيسية بالنسبة له تصبح مسألة مطلوبة شرعا وأنه أمر يجب التسليم به والخنوع له والخضوع له والتقبل له هذه رؤية غريبة عجيبة جدا ورؤية مسيئة مسيئة إلى الإسلام لأنه في الأخير جعل الإسلام مطية للجائرين والجاهلين والفاسقين والظالمين الذين ظلموا الأمة واللذين عبثوا بالأمة عبثوا بها أفقدوا قيمة الإسلام في مشروعه الحضاري قيمة الإسلام في مشروعه التربوي قيمة الإسلام في أثره العظيم لإقامة العدل في الحياة في النهاية كأن العدل ليس من مطالب الإسلام ومقاصد الإسلام وكأنه امر هامشي في الإسلام وقدموا صورة مختلة جدا عن المشروع الإسلامي كمشروع للحياة.. الرؤية هذه نستطيع القول عنها أنها تمثل الكهنوت بكل ما تعنيه الكلمة الكهنوت لأنها أعطت سلطة مطلقة لا ترتبط بضوابط ولابقيم ولامبادئ أبدا للطغاة والجائرين وأعطتهم شرعية دينية في ذلك وكأن الله سبحانه وتعالى العظيم العزيز والحكيم والعدل قد أعطاهم الشرعية والصلاحية الكاملة لفعل كل ذلك في مقابل أن تخضع الأمة لهم هذا هو الكهنوت الحالة التي كانت قائمة لدى الغرب في أوروبا في القرون الوسطى في سلطة الكنيسة كانت على هذا النحو ناس يتصرفون برغباتهم بمزاجهم بأهوائهم وعلى أساس أن لهم سلطة في هذا أو شرعية دينية شرعية دينية ليصرفوا كيف ما يشاءون ويريدون والآخرون عليهم أن يطيعوهم وهم يستندون إلى هذا الرؤية القرآنية في ثقافة يوم الولاية في ثقافة يوم الغدير وفي النص القرآني تقدم رؤية مختلفة إيجابية وبناءة وعظيمة ولايفترض النفور منها الذي يفترض أن تنفر الأمة منه هو هذه الرؤية رؤية ينتج عنها تمكين الطغاة والظالمين والجائرين والجهلة رؤية تمكن من لايمتلك أي معايير أي مؤهلات لأن يتربع على عرش الأمة وأن يتدخل في كل شئون الأمة وأن يكون هو المعني بكل أمر الأمة، هذه الرؤية عقيمة، هذه الرؤية التي يجب أن نشمئز منها جميعا، رؤية ألحقت الأضرار الفادحة بالأمة عبر التأريخ وأوصلت الأمة الإسلامية أن كانت في هذا العصر المهم في هذا الزمن المهم جداً من أكثر الأمم غبنا وجهلا وتخلفا وضعة وسقوطا وتبعية للأمم الأخرى وساقطة وضائعة تحت هيمنة أمم أخرى وأقوام أخرى واتجاهات أخرى إلا القليل، القليل، في أوساط هذه الأمة، فهي الرؤية الغريبة التي يفترض النفور منها والاشمئزاز منها والانتقاد لها والاحتجاج الشديد عليها، بأشد ما يمكن أو يكون من العبارات والمواقف.

الرؤية القرآنية وفق ما رود في سورة المائدة والتي كانت من آخر السور نزولا في القرآن الكريم وفي الآيات التي كانت من آخر الآيات التي نزلت في سورة المائدة ومن هذا النص “إنما وليكم الله ورسوله” ولاية الله مثل ماهي ولاية الملك الحصري لهذا العالم بكله وولاية الألوهية وولاية الربوبية هي أيضا ولاية تشمل واقعنا نحن البشر، فنحن عبيده مفطورون ومخلوقون ومربوبون له هو ربنا ملكنا إلهانا وأوجدنا لهدف ولمشروع ولدور ولاية تشمل بالتأكيد الجانب التشريعي ، وهو الذي يمتلك الحق جل شأنه أن يقول لنا هذا حرام وهذا حلال لأننا ملكه وما بين أيدينا كله ملكه، ثم هو جل شأنه الذي له الحق لأنه الحكيم العليم الخبير الرحيم القوي العزيز الذي له الحق أن يتخذ أي قرار شاء وإذا اتخذ قرارا ما أو أمرا ما فباعتبار عزته وحكمته ورحمته ليس مجازفة وليس عن جهل وليس عن تصرف غير حكيم أو عشوائي أو غير ذلك ، لا.. فإذا له ولاية علينا في التشريع في أن يحل لنا وأن يحرم علينا وأن يفرض علينا وأن يوجب علينا ما نعمل وينهانا عما ينبغي أن ننتهي عنه إلى غير ذلك.

ثم له جل شأنه ولاية علينا في أن يرعى شأننا في تدبيرنا في تدبير أمورنا في إدارة أمورنا ، تمتد ولايته إلى هذا الجانب إلى جانب الهداية إلى جانب الإرشاد هو جل شأنه من يقول في كتابه: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (الله ولي الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) كيف هل هناك ساحة في الدنيا ومربع فيه نور وآخر فيه ظلام فيأتي ويخرجهم من الساحة التي فيها ظلام، غدر غبش  ثم يذهب بهم إلى المربع الآخر الذي فيه نور، النور والظلام كلاهما عبارة عن مفاهيم عن عقائد عن أفكار عن تصورات عن مشاريع عمل ، فإما ان تكون الحالة الظلامية مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تبنى عليها توجهات وتبنى عليها أعمال وتبنى عليها مواقف، يبنى عليها مسار حياة وإما أن تكون تلك الحالة الأخرى حالة النور كذلك ، مفاهيم أفكار تعليمات ، توجيهات تبنى عليها توجهات ، تبنى عليها حتى المشاعر النفسية وتبني أيضا عليها مشاريع عمل ، هذه هي الحالة القائمة في حالة النور ، وفي حالة الظلام فالنور عبارة عن مشروع ومنهج في هذه الحياة فيه المعتقدات فيه التعليمات فيه التشريعات فيه التوجيهات هو مسار حياة مرتبطة بواقع حياتنا في كل شؤننا والحالة الظلامية هي مجموعة من الأفكار الظلامية الخطيرة جداً ، السيئة جدا التي هي أباطيل وضلالات التي تنحرف بالبشرية عن المسار الصحيح الذي يوصلها إلى رضوان الله ويحقق لها الدور الذي تشرف به وتسموا به في هذه الحياة وتؤدي من خلاله دورها في استخلافها في الأرض ومسئوليتها في الأرض على أرقى مستوى .

كيف يعمل الله سبحانه وتعالى في ذلك ، عملية الإخراج هذه من الظلمات إلى النور كيف تتم ، يرسل الله إلى عباده رسلا ، هؤلاء الرسل يأتون بهذه التعليمات بهذه التوجيهات من الله سبحانه وتعالى ، في كتب يأتون بها يترافق مع ذلك الدور العملي المباشر مع ما يقدمونه مع ما يبلغونه فالرسل والكتب هما الثنائيان المتلازمان لمشروع الهداية الإلهية لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، تجمع وتأتي تلك المفاهيم تلك التعليمات تلك التوجيهات المعبر عنها بالنور لأنها تضيء لنا دربنا في هذه الحياة ومسارنا في هذه الحياة حتى لا نضيع ولا نتيه تأتي مع الرسل في الكتب، مكتوبة قبل أن تكون مكتوبة تبلغ وتكتب وتوثق بالبشرية ويترافق معها نشاط ودور رئيسي ومحوري ، مثلا الرسول نفسه معني بعملية التبليغ يكلم الناس يبلغهم يتلو عليهم من الله سبحانه وتعالى تلك التوجيهات ، تلك المفاهيم تلك التعليمات تلك البصائر تلك التوضيحات يترافق مع ذلك أن يكون هو معني إلى حد كبير ومرتبط بشكل كبير ورئيسي ومحوري بتلك التعليمات يكون هو أول من يفهمها ، من يستوعبها من يؤمن بها من يـتأثر بها من يجسدها من يطبقها من يلتزم بها من يمثل القدوة في أدائها من يرعى في النشاط العملي والسعي العملي في الواقع البشري العمل إقامتها ، العمل على توجيه الناس في إطارها ، العمل على تحريك الناس من خلالها ، على تفهيم الناس بها حتى لا يفهمها الفهم الخاطئ أو الفهم الناقص أو الفهم القاصر على دفع الناس للالتزام بها على مواجهة كل التحديات التي تعترضها لأنه يحصل ردة فعل في الواقع البشري .

 يأتي من يعارض هذه التوجيهات من يحارب هذه التعليمات من يتصدى لهذه المفاهيم من يناقش من يجادل من يسعى لإبطالها وإنكارها والتكذيب بها أو العمل بطريقة أخرى، إذا فشلت حالة التكذيب وفشلت حالة الرفض لها والتصدي لها والإنكار لها جملة وتفصيلاً وانتصرت هذه الرسالة الإلهية بما فيها من مضامين من توجيهات من تعليمات من مفاهيم من توضيحات من أفكار من تصورات من عقائد بالنسبة لنا تصبح هكذا حالة قائمة في واقعنا تأتي تحديات ومخاطر أخرى احتوائية من جانب المبطلين عملية تحريف ، تحريف المفاهيم إما من خلال افتراء نصوص جديدة تضاف وتحسب وإما من خلال تحريف للمعاني التي حملتها النصوص المقدمة للأمة والتوضيحات المقدمة للأمة في كتب الله ، وفي حركة أنبياء الله ورسل الله.

فهذه العملية هي عملية إخراج من الظلمات إلى النور الأفكار الظلامية العقائد الظلامية ، المفاهيم الظلامية التصورات الخاطئة التي يبنى عليها مواقف يبنى عليها أعمال يبنى عليها تحرك في الحياة تصبح منهجا يلتزم به هنا وهناك الكثير من الناس ويتعصب له الكثير من الناس وتصبح عقائد يتشبث بها الكثير من الناس، يأتي الرسل والأنبياء بهدي الله بنور الله بوحي الله بكلمات الله بكتب الله وضمن نشاط تبليغي وعملي وتربوي وحركة واسعة ، يبلغون يجاهدون يربون يقاتلون يهاجرون يعانون يضحون يكونون هم في آدائهم الحركي والعملي الحالة التي تجسد تلك التعاليم، تطبق تلك التعاليم، تحول تلك التعاليم إلى حالة عملية وحياتية قائمة في الواقع، جهد كبير ورئيسي، يعني ليست العملية التي يكلف بها الأنبياء عملية إذاعية، فالشخص الذي هو مذيع، مذيع في التلفزيون أو في إذاعة، “ما بلا با يقرا الخبر” بلغنا للتو، وصلنا للتو خبر عاجل، “لالالا”، ويقوم يقرا البلاغ، وخلاص انتهى في المهمة، وهو ذلك المذيع الذي سيتظر خبرا آخر يقدمه و”خلاص”! كمل الموضوع؛ لا. الأنبياء ليسوا مذيعين، ليسوا مذيعين، على منصات إذاعات أو تلفزيونات، لا. دور كبير ورئيسي ومهم جدا في الساحة العملية، هو يحمل هذا المشروع كمشروع حياة، يأتي يتحرك في الساحة على أساسه، يربي الناس على أساسه، يفهِّم الناس من خلاله، يغير الكثير من المفاهيم، يحدث تغييرا كبيرا في الساحة البشرية، في العادات، والتقاليد، والمفاهيم، والتصورات، والمواقف، ويتجه بالناس ضمن مسار عملي ومشروع حياة يتحرك فيه.

هذه عملية إخراج الناس من الظلمات إلى النور ضمن الولاية الإلهية، بمعنى أن جانب رئيسي من مفهوم الولاية الإلهية مثلما هو خلق، مثلما هو رزق، مثلما هو أحيا وأمات، مثلما هو يدبر شؤون هذا الكون على نحو مستمر في حركته الكبرى؛ حركة النجوم وحركة الأقمار وحركة الشمس وحركة الأرض، وما في الأرض من كل التصرف الإلهي في الإحياء والإماتة والخلق، وكل العملية التكوينية والتدبيرية الواسعة جدا في هذا الكون؛ جانب آخر من جوانب ولايته هو هذا الجانب، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}. هذا المشروع يقوم عليه الأنبياء يؤدون دورهم، ولهذا {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} يرعاكم رعاية شاملة، رعاية الملك والتصرف، رعاية الألوهية، رعاية الربوبية، رعاية التشريع، رعاية الهداية، رعاية النصر، رعاية التأييد، رعاية شاملة تشمل كل نواحي ومناحي حياتكم، ورسوله امتداد لهذه الولاية في واقعها  البشري، من خلال حركة الرسل والأنبياء في تبليغ هدي الله وتعليمات الله ومنهج الله سبحانه وتعالى، والدور الذي يقومون به في إطار الحركة التبليغية، وهو دور عملية يحتم الله فيه طاعتهم؛ لإنجاح ذلك المشروع، ولتحويله إلى حالة قائمة في الواقع البشري، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، ما هو مجرد موعِّظ “والا مُخبر”، يعني صاحب أخبار تحرير، صاحب تحرير صحفي، يحرر الأخبار ويبلغها، أو مذيع، لا. {لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}، لو هذه الولاية التي هي امتداد للولاية الإلهية ضمن هذا المشروع الإلهي، يبقى هو عبدا خاضعا لله سبحانه وتعالى، يبقى في الواقع الذي يقول فيه -كما علمه الله أن يقول- {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ}، يعني لا يمتلك سلطة التصرف المزاجي، لا، لايمتلك أن يتصرف في الناس كما يريد، كما هي الحالة الأخرى في الفكرة الثانية، كما هي الولاية بالمفهوم الآخر، ولاية أمر الناس بالمفهوم الذي يحارب ثقافة الغدير، ومفهوم الولاية وفق النص القرآني في ثقافة يوم الولاية، يعطون الجائر والمستكبر الظالم، يأتي نعم جاهل، ما يمتلك أي معرفة، أحيانا يحتاج إلى فريق حوله، يعلمونه ويبذلون جهدا كبيرا عليه كيف يستطيع أن ينطق، كيف يستطيع أن يقرأ من ورقة، كيف يستطيع أن يتعامل مع الناس التعامل الروتيني، ويحتاج جهود مضنية جدا جدا في ذلك، جاهل لا يمتلك أي معرفة، لا دينية ولا غير دينية، ويكون في نفس الوقت إنسان متسلط، جبار، لا يمتلك الرحمة ولا الرأفة، وليس لديه أي مشروع للأمة نفسها، مفهوم الولاية عنده التسلط على الناس، وممارسة حالة التسلط بما يرتكبه من مظالم وجرائم، وما يجمعه من ثروات، هذا مفهوم الولاية، ثم يعطونه مع ذلك وجوب الطاعة، وجوب الإذعان، وجوب الاستجابة له، والخضوع التام له، الأنبياء ليست الحالة عندهم هذه الحالة، النبي وهو النبي – لا يمتلك سلطة مطلقة يتصرف فيها بمزاج أو هوى، إنما يتحرك كعبد لله سبحانه وتعالى، هو أول المؤمنين بنهج الله، أول المسلمين، عليه كل الالتزامات الدينية، وأحيانا عليه التزامات أكثر من بقية المسلمين، بل مستوى الالتزام عليه أكبر من مستوى التزامهم حتى في الأمور التي يشترك، في الالتزامات المشركة، وعليه التزامات إضافية، بحسب مهمته ودوره، الحرام حرام عليه والحلال كذلك حلال له، والاستثناءات التي تكون بالنسبة له استثناءات تتعلق بهمته الصعبة والكبيرة، وعليه التزامات إضافية أكثر مما على الأمة، وهو ذلك الذي هو عبد لله، خاشع لله، خاضع لله، ملتزم بنهج الله، مستقيم على أمر الله وتوجيهات الله، فيقول: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ}، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ}، {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ}، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} لا تنحرف عن هذا النهج أبدا، ويبقى هو في مقدمة المؤمنين، ذلك الأكثر التزاما، الأكثر طاعة، الأرقى والأعظم عبودية لله سبحانه وتعالى، لا يتفرعن ولا يتجبر ولا يطغى، ولا يتكبر على عباد الله، لا. هو القدوة في التزامه الديني، القدوة في التزامه بنهج الله وشرع الله، وخضوعه لله سبحانه وتعالى، وهو في نفس الوقت الذي يحمل من مشروع الله من نهج الله قيمه في الرحمة والحكمة وإرادة الخير للناس على أرقى مستوى، فلا أحد يصل إلى مرتبة الأنبياء في رحمتهم بالناس، في عطفهم على الناس، في حنوِّهم على الناس، في حرصهم الكبير، وأن يعز عليهم ما يلحق بالناس من ضرر، ولو أدنى ضرر.

هذه الولاية بمفهومها العظيم كيف ننفر منها، كيف يقول البعض: لا، لا، لا نريد هذه المفهوم أبدا، نريد المفهوم الآخر، نريد مفهوم يفتح كل الأبواب لكل جائر وظالم وطاغية ليأتي على عرش الأمة ويدوسها، بحذائه، ويركعها لجبروته وطغيانه، ذاك هو المفهوم المريح بالنسبة للبعض.

هذا المفهوم الآخر المفهوم القرآني، مفهوم ثقافة يوم الولاية، قدم الإمام عليه السلام من موقعه الذي جعله الله فيه، والذي وصل إليه بإرادة إلهية، وتربية إلهية، وتربية نبوية، بمعايير إيمانية، باعتباره في هذه الأمة بعد نبيها أرقى هذه الأمة في كماله الإيماني ومستواه الإيماني، وارتباطه بالمشروع الإلهي، من حيث العلم بهذا المشروع والمعرفة، من حيث الارتباط العملي والالتزام الحياتي لهذا المشروع الإلهي، ومن حيث الائتمان عليه، التخلق بأخلاقه، ومن حيث كذلك الالتزام بقيمه ومبادئه، علي كان في هذا المستوى في واقعه في الأمة، كان في هذا المستوى، ويأتي لهذا الدور امتدادا لنبي الله، لأنه ما بعد الأنبياء؟ هل انتهت المسألة؟! هل تنتهي ثمرة هذا النهج الإلهي، هل يغلق الله سبحانه وتعالى كل نوافذ النور هذه؟ ويترك المجال للظلمة لتطغى في واقع البشرية، هل نافذة النور تغلق عندما يعرج بروح نبي من الأنبياء؟ والنبي محمد هو خاتم النبيين، “خلاص” انتهى الموضوع؟! “يجلس الباقي في الظلام” إلى قيام الساعة؟ لا. لا بد من الاستمرارية لهذا المشروع ولهذا النهج الإلهي، ما بعد النبي صلوات الله عليه وعلى آله يأتي النص الإلهي ليقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِين َيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة َوَهُم ْرَاكِعُونَ}، مقدما للإمام علي عليه السلام ضمن مواصفاته الإيمانية الراقية، ليأتي التقديم له في البلاغ النبوي في يوم الغدير ضمن تشخيص واضح بالاسم، (فهذا علي) وبالإشارة إليه باسمه وشخصه، ماسكا بيده، ومقدما له من فوق أقتاب الإبل، (فهذا علي مولاه) الإمام علي عليه السلام يستمر في هذا الدور، ما بعد النبي صلوات الله عليه وعلى آله، ودور مهم، ودور أساسي في مرحلة العادة القائمة فيما قبل الأنبياء السابقين هي حالة اختلاف بعد كل نبي من الأنبياء، وحالة نزاع بين أمته، فهل تترك هذه الأمة لتتنازع وتختلف، وتتفرق في دينها في مفاهيم هذا الدين، أي منا يمثل الامتداد الحقيقي للمنهج الإلهي، المفهوم الصحيح والتعريف الصحيح،  والمدلول الحقيق للنصوص، لا ، بعد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه) تقفل ثقافة الغدير كل الأبواب على كل الجائرين والمتسلطين والطغاة لأنها قدمت النموذج، وقدمت للأمة ما يحفظ لها ويضمن لها أصالة الامتداد للنهج الإلهي ما بعد رسول الله صلوات الله وعلى آله، إن اختلفت الأمة أو تباينت أو تفرقت، ما بعد النبي، ما يوصلنا إلى النبي، من يوصلنا إلى هذا النبي؟ فنحن اليوم بعد أجيال، بعد أجيال تلو أجيال من عصر النبي إلى اليوم، أمتنا تفرقت، أمتنا اختلفت، أمتنا تباينت، في أكثر أمورها المتعلقة بهذا النهج الإلهي، إلى من نتطلع؟ هل تركنا هكذا ضحية في مرحلة من أهم مراحل التاريخ؟ أم أن هناك امتداد لهذا النهج في أعلامه في رموزه المؤتمنين؟ الذي حسم المسألة، ولهذا لاحظوا؛ الشيء الذي كان طبيعيا أن يحصل، ما بعد حجة الوداع وأثناء حجة الوداع والنبي يخبر أمته أنه يوشك أن يدعى فيجيب، وأنه على وشك الرحيل من هذه الحياة، هو أن تكثر التساؤلات حول هذه المسائل بين أوساط الأمة، وأن تسخن الاقتراحات والنقاشات والمداولات، فماذا بعد وفاته؟ كيف؟ ماذا سنفعل؟ ما سيحصل؟ ما…؟ لكن النبي لم يترك مجالا لأن تنشغل الأمة بالتساؤلات والجدل والنقاشات والاقتراحات …الخ، لا. حسم المسألة وأوضح الحجة والمحجة لله سبحانه وتعالى، من خلال هذه النصوص وما سبقها من نصوص كثيرة ومهمة وواضحة، فقدم لنا ضمن مفهوم هذه الولاية المفهوم الذي يضمن الامتداد الأصيل لمنهج الله سبحانه وتعالى، ويحدد النموذج الأعظم والأرقى في الأمة الذي يمكن أن تكون الأمة متطلعة إليه على الدوام لتعرف من هم رموزها الذين ينبغي أن تلتف حولهم، أن تنتهج نهجهم، أن تأتمنهم في تجسيدهم لقيم الإسلام وأخلاقه، وفي تقديمهم لمفاهيم الإسلام ومدلول نصوصه، وهؤلاء هم (فهذا علي مولاه)، فلنتطلع إلى الإمام علي في زمن النبي في حياته في حياته مع رسول الله تلميذا، يربيه النبي صلوات الله عليه وعلى آله، يعلمه، ودوره في تلك المرحلة مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، دوره فيما بعد حياة رسول الله إلى حين استشهاده، ترى فعلا ما ترى فيه أيضا شواهد واضحة على تلك النصوص، ومصاديق عملية وحقيقة لتلك النصوص التي تحدثت عنه.

ولاية الإمام علي عليه السلام لم تكن مجرد ولاية سلطة انتهت باستشهاده، بل ولاية اقتداء واهتداء، تبقى الأمة مرتبطة بها على مدى الزمن في كل الأجيال، تبقى الأمة معنية بالالتفاف الدائم إلى علي عليه السلام لتستفيد من علي، كيف كان علي هذا في كل مراحل حياته، وفي كل مراحل دوره الكبير في الإسلام، وهذا الموضوع موضوع يعني يأتي الرد فيه والأخذ والنقاش والحديث في مقامات كثيرة جدا، لا تتسع له محاضرة، عموما نحن في هذا اليوم العظيم وفي هذه المرحلة التاريخية التي نعيشها كأمة إسلامية تواجهنا الكثير من التحديات، والكثير من الأخطار، ما يحدث اليوم عندنا في اليمن، ما يحدث في بقية المناطق في العالم الإسلامي والساحة الإسلامية، بحاجة إلى أن نلتفت إلى أصالة الإسلام في قيمه، في منهجه، في رموزه، فنرى فيه النور الذي يخلصنا من كل الظلمات، والذي ينقذ أمتنا من كل المحن، والذي يصحح لها واقعها بكل ما فيه من التباسات وأخطاء ومشاكل واضطرابات …الخ، معنيون أن نتعاطى بمسؤولية فوق كل شيء، أن نترفع عن كل العصبيات، العصبيات داء جاهلي بقي في داخل الأمة وأثر على الأمة كثيرا، حتى في نظرتها إلى القرآن إلى الرسول إلى المفاهيم الإسلامية، معنيون اليوم أن نسعى إلى جمع كلمتنا على التقوى، على القيم الإسلامية الأصيلة، إلى معالجة كل المشاكل والمحن التي نعاني منها في واقع أمتنا الإسلامي، اليوم كلنا يرى من يشاهد من يتابع من يحمل الاهتمام لمعرفة واقع الأمة الإسلامية، إلى جانب ما في الداخل، داخل الإمة وفي ساحتها الداخلية من محن ونكبات وويلات ومآسٍ، نرى ما يحصل في بحق المسلمين في بورما، من مجاز الإبادة الجماعية والشاملة، من الاضطهاد الكبير وما يمكن أن يحصل في بلدان أخرى وحصل في السابق في مناطق أخرى من العالم، المسلمون أمة مستهدفة، أمة مستهدفة بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يضمن لهم أن يكونوا أقوياء في مواجهة كل التحديات والأخطار الرهيبة التي تستهدفهم إلا أن تجتمع كلمتهم على الحق، وأن يعودوا إلى أصالتهم، أمة تتوحد، وتعتصم بحبل الله جميعا، ثم تتحرك في مواجهة تلك التحديات والأخطار، اليوم أين تلك الأنظمة التي تقدم نفسها على أنها هي المؤتمنة على الأمة الإسلامية والممثلة للإسلام  والمسلمين، أين هو النظام السعودي وأين هو النظام الإماراتي مما يحدث على المسلمين في بورما، أين هم، وأين مواقفهم التي تمنع ذلك الظلم، تلك الإبادات الرهيبة بحق المسلمين هناك، إبادات شملت عشرات الآلاف منذ بدايتها إلى اليوم، عشرات الآلاف من المسلمين قتلوا هناك بالذبح وبالحرق، وبوسائل الإبادة الجماعية، إبادات وجرائم تحدث هناك بحماية أمريكية، وتشجيع أمريكي، الأمريكي يعلن أنه يرفض حتى اللوم، حتى اللوم للسلطة المجرمة هناك في بورما التي ترتكب بحق المسلمين ما ترتكب من جرائم، يقول الأمريكي أنا أرفض حتى أن يلام من يرتكبون هذه الجرائم، إسرائيل تزود السلطة والبوذيين في بورما بالسلاح لإبادة المسلمين، والآخرون يأتون ليرتبطوا بأمريكا كل الارتباط بعد أن ابتعدوا عن الولاية في مفهومها الإسلامية الصحيح، أتوا ليرتبطوا بالولاية بالأمريكي، فيفتح لهم مجال للتدخل في كل شؤون أمتنا، في كل شؤونها بلا استثناء، اليوم الأمريكي يتدخل في كل شؤوننا في الساحة الإسلامية، شؤوننا السياسية وشؤوننا الاقتصادية وشؤوننا الثقافية وشؤوننا الفكرية، شؤوننا الاجتماعية في كل تفاصيل حياتنا، وفي كل شؤون حياتنا، وتصوغ برنامجا يأخذ من الإسلام شكليات معينة ثم يكون في واقع الحال على النحو الذي يتحقق من خلاله وتحقق من خلاله مصالح أمريكا فوق كل اعتبار، فوق كل شأن، فوق كل مسألة، المسألة الأولى والرئيسية تكون على هذا النحو، هذه النتيجة، نتيجة في الأول بالأول فتح المجال للجبارين والجائرين والظالمين، ثم ولاية الأمر اليهودية والصهيونية والأمريكية، لتكون هي من يحكم واقعنا.

نحن لا يسعنا في هذا المقام أن نتحدث عن كثير من التفاصيل المتعلقة بالوضع في بلدنا، والوضع في منطقتنا لكن لنا كلمة قريبة إن شاء الله في الأيام القادمة نتحدث فيها عن كثير من المسائل المهمة، يبقى لنا أن نتحدث عن واحدة من المسائل المهمة في هذه الكلمة، وهي فيما يعنينا في وضعنا الداخلي في اليمن، أنا أؤكد لشعبنا العزيز، وكذلك في هذا الشعب الوجاهات والحكماء والنخب أن وحدتنا الداخلية في هذه المرحلة بالذات وتماسك جبهتنا الداخلية في هذا التوقيت بالتحديد مستهدف بشكل كبير، وأن هناك سعيا مكثفا من قوى العدوان على ضرب وحدة صفنا وتماسك جبهتنا الداخلية؛ بغية التسهيل للأعداء مهمة الدخول إلى هذا البلد واحتلال هذا البلد، هناك جهد كبير، وهناك تأثير إلى حد ما في بعض القوى، بعض القوى التي ثقل عليها الشرف، وكبر عليها شرف التصدي للعدوان، وكأنها ترى فيه شرفا أكبر من رصيدها في الماضي، نحن إن شاء الله سنتحدث عن كثير من أمور المهمة، فيما يعني واقعنا في هذا البلد وفي المنطقة في كلمة قريبة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يرضيه.

اللهم إنا نتولاك، ونتولى رسولك، ونتولى الإمام عليا عليه السلام، ونتولى أعلام الهدى أولياءك، ونبرأ إليك من أعدائك من كل الظالمين والجائرين والمستكبرين والمفسدين في الأرض، اللهم تقبل منا يا سميع الدعاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى