انفصال كردي دموي عن العراق
مقالات | 29 أغسطس | مأرب برس :
بغض النظر عن كون سايكس بيكو اتفاقية جيدة أو سيئة، فإنها يجب أن تبقى. تغير الحدود في الشرق الاوسط ذي الطبيعة الجغرافية المميزة والثقافات المتعددة والمعقدة سيؤدي الى تتكرر مأساة البوسنة، بل لا الشرق الاوسط يشبه اروبا، ولا العراق يشبه تشيكوسلوفاكيا او حتى البوسنة، في الشرق الاوسط الانفصالات أكثر عنفا.
يدعي أكراد العراق وسوريا أن الاوضاع التي يعيشونها اليوم ناجمة عن التقسيم غير العادل الذي أقرته اتفاقية سايكس بيكو، في حين أننا إذ اعتبرنا القومية او الدين معيارا لقيام الدول وتبلور العدالة، فإن منطقة الشرق الاوسط والكثير من انحاء العالم يجب أن تمشي على المسار الكردي الحالي. لذلك يجب أن نجد حلا آخرا. إن الفكر القومي الناشئ من أفكار القرن الماضي وتوجهات الشعوب فيه، لا يمكن ان يقودنا في القرن الحادي والعشرين الى طريق ينتهي بالنجاح.
ولا يعد الانفصال السبيل الوحيد الى الحل، بل يجب التفكير بأساليب أخرى. فإذا كانت الحكومة في بغداد تعاني من الفساد، فإن الفساد في حكومة الاقليم أوسع نطاقا. وبنظرة الى الاوضاع هناك نرى أن التداول السلمي للسلطة في أربيل قد وصل الى طريق مسدود بسبب التمسك بالسلطة والفساد المالي لعوائل المسؤولين. أما عملية تداول السلطة في بغداد فإنها تبشر بالخير أكثر من نظيرتها في أربيل.
كما لا يعد الانفصال طريقا لنيل الحرية واقامة العدل، حيث أن التنمية السياسية لا تتحقق عبر الانفصال فقط، بل أن الالتزام بالحقوق والمصالح المترتبة على التعايش السلمي يمكنها أن تمهد أيضا لتحقيق التنمية السياسية. ويرى الكثير من الخبراء أن حتى انفصال باكستان عن الهند لم يكن ناجحا من ناحية التنمية السياسية.
وأعلنت أربيل عن عزمها إقامة استفتاءٍ في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل رغم رفض بغداد، طهران، انقرة وواشنطن لهذا الاستفتاء. بالطبع يجب القيام بدراسة مستقلة لجوانب ونوع الرفض المعلن من كل من هذه الدول. إذا لم يتأجل الاستفتاء، فإنه على الأغلب سينجح بالنظر الى تحقيقه حلم إقامة الدولة الكردية. ولكن المضي في مسير تطبيق نتيجة الاستفتاء في منطقة تسود فيها صراعات حقيقية على السلطة قد يعني بداية حرب دموية، ومن هذا المنطلق يجب عدم اتخاذ خيارات خاطئة.
ويعد حق تقرير المصير من مبادئ الأمم المتحدة، ولكن القانون الدولي لم يتمكن حتى الآن من حل التعارض بين هذا المبدئ وبين سيادة الدول وعادة ما تنتهي نتيجة هذا الخلاف لصالح الطرف الأقوى.
العراق الموحد أو تفكك البلاد أمر ستحدده ممارسات أربيل وردود أفعال بغداد المستقبلية. عندما سيطر “داعش” على الموصل تقدم حتى مداخل أربيل، وتشير التطورات والخطوط الحمراء الداخلية والخارجية الى أن احتمال تدخل بغداد في أزمات أربيل يتزايد يوما بعد يوم.
بعد أن انفصلت باكستان عن الهند، تأخرت عن الأولى عن الدولة الأم كثيرا في مؤشرات التنمية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، ويجب ألا تتكرر هذه التجربة في العراق. إن استفتاءً يحمل في طياته التحديات والحرب لن يفضي الى نشر الديمقراطية، الحرية، العدالة والتنمية السياسية؛ كما أنه لا يوجد أساس قانوني لإجراء الاستفتاء في ظل تعطيل البرلمان الذي يعتبر أهم مرجعية سياسية.
ويجب ألا تتحول نوستالوجيا امتلاك وطن مستقل أو إقامة الاستفتاء الى أداة لاحتفاظ آل البارزاني بالسلطة في كردستان. إن اجراء الاستفتاء في أربيل يقود الى الدخول في مغامرة قد تكون تكاليفها باهظة للأكراد، الشعب العراقي وتؤدي الأحداث المتوالية التي تبعها الى التأثير على شعوب المنطقة.
لم يعد صدام موجودا في بغداد اليوم، إلا أن البارزاني يسيطر على الحكم في أربيل، وإذا كانت ديمقراطية بغداد منقوصة، فإنه لا يوجد بصيص أمل بالديمقراطية في كردستان؛ إن حل مشاكل العراق لا ينحصر في الانفصال. فأوروبا والكانتونات الموجودة فيها، والأنظمة الفيدرالية المتنوعة حول العالم هي أدلة حية على تجارب ناجحة لتقديم الحلول. وفي حين تتجه أوروبا بصورة عامة نحو الاتحاد، يجب ألا يسير الشرق الأوسط الى نحو المزيد من التجزئة.
إذا واجه تدبير الزعماء العراقيين للأمور والتعامل الإيجابي لزعماء الشرق الأوسط مع الموضوع، معونة جدية من واشنطن، فإنهم قد يتمكنون من منع الاستفتاء أو تأخير مضي الأكراد نحو الاستقلال. وهنا يجب تعزيز السياسات الرامية للمحافظة على العراق الواحد، حيث أن العراق الواحد يعني تركية الواحدة، سوريا الواحدة وإيران الواحدة.وأخيرا تعد اتفاقية سايكس بيكو التي مضى عليها مائة عام أفضل من انعدام الأمن وإسالة الدماء والمستقبل المجهول، وهذا لا يعد خيارا سياسيا، بل ضرورة منطقية.
المصدر : القوت .