بعد ايام قليلة من الهجمات الارهابية في اسبانيا فى 17 اغسطس الماضي، تعرض عدد من الشبان في العاصمة على امرأة تبلغ من العمر 38 عاما بالضرب والسباب. وفي كل مرة يجري فيها عمل إرهابي في البلدان الغربية، نرى هجمات من جانب الناس على المسلمين وإهانة الإسلام في هذه البلدان. ويُمكن التمعن في هذه القضية من عدة جوانب وزوايا:
1- الإسلام دين إلهي، بغض النظر عن المسلمين أو أتباعه. لذلك، لا ينبغي أن تُحسب اخطاء الانسان المسلم او سوء الفهم من بعض المواقف على حساب الاسلام كديانة. مثلما لا ينبغي أن تؤخذ المفاهيم والممارسات الخاطئة لأحد المسيحيين على الديانة المسيحية. في العالم الإسلامي، هناك العديد من الأديان والطوائف الدينية والمعروفة بـ72 شعب. ولكل منهم تفسيرات وسلوكيات محددة وفقا لتصورهم وفهمهم للإسلام لذلك هم يطبقون الاسلام حسب تفسيرهم له. بعض هذه المذاهب والأطياف لها تفسيرات سلوكيات جافة وغير عقلانية ونابعة عن جهل تجاه الإسلام حيث تتناقض مع روح هذا الدين السمح. إن التطرف الوهابي – التكفير الذي يرتكب جرائم فظيعة اليوم في العالم، وخاصة في العالم الإسلامي نفسه، لديه الانطباع والفهم الأكثر جهلا وغباء عن الإسلام. وغالبية المسلمين لا يقبلون هذا التصور الخاطئ للدين ويكرهون بشدة سلوكيات وتصرفات هذه الطائفة. أكثر من أي جماعة أو أمة، فالمتضرر الأكبر من هذه الجماعة الفاسدة واللئيمة، هم المسلمين أنفسهم. ما ذنب المسلمين لكي يدفعوا ضريبة جهل وقساوة هذه الجماعات المجرمة وكذلك تعرضهم للضرب والسباب من قبل الغير مسلمين في الدول الغربية؟!
2- الحكام الغربيون، شركاء للجرائم الوهابية التكفيرية في العالم. ويشير التاريخ بوضوح إلى كيفية ايجاد تيار الفكر الوهابي المنحرف وأي دول ساهمت بذلك واستمرت في دعمها ومازالت تدعمهم الى اليوم. ومن الضروري للشعوب، ولا سيما الشباب الغربي، ألا يثقوا بالإعلام الغربي الخادع والضال وينبغي عليهم أن يبحثوا عن الحقائق بذاتها بطريقة وثائقية. ومن الغريب جدا أنه مع هذا الإفشاء والبوح الواسع واعترافات المسؤولين والخبراء الغربيين والشرقيين، لا يزال هناك في الغرب من لا يؤمنون بإن الحكام الغربيين هم الذين غذوا ظاهرة الإرهاب، وهم الآن يدعمونها. ليت أولئك الذين يضربون المسلمين في الغرب ويهينون الإسلام، أن يَعْرفوا بأنفسهم معنى الإسلام، ولا يسمعوا هذا الدين من لسان فكر وثقافة قوى السلطة، اي من لسان الاعلام الغربي الكاذب.
ليت كل أولئك الذين يتعرضون على المسلمين في الغرب، بدلا من المسلمين، عليهم ان يسألوا حكامهم ويحاجّوهم لماذا أنشأوا الإرهاب ويدعمونه باستمرار. ان المسلمين هم الذين يَشكون من الحكومات الغربية بشأن هذه الامور. لماذا يجب على الحكام في الغرب لكي يُنعموا مواطنيهم برفاهية، يذهبون لدول أخرى وينهبون ثرواتها ويقتلون شعوب تلك الدول بالرصاص والقنابل ويمزقونهم اربا اربا؟ لماذا يجب أن يحرق الأطفال الأبرياء في العالم الاسلامي بحريق القنابل؟. إن القنابل التي تطلقها الطائرات الغربية المقاتلة على رؤوس الابرياء في حربهم الكاذبة ضد الإرهاب، او التي تقوم بها المجاميع الارهابية المدعومة من قبلهم، هي استهداف للابرياء المسلمين فقط. ونتيجة لذلك، يجب القول ان العالم اليوم، يعاني من اثنين من محاور الشر اللذان ابتلي به المجتمع الانساني.هنالك أمران تسببا في ارتكاب الظلم والجرائم في شرق العالم وغربه وتحديدا ضد المسلمين، الأول هو الإرهاب الوهابي التكفيري الذي له تاريخ طويل من الفكر والعقيدة، ولكن عملياً، هو ظاهرة جديدة، وثانيا، الحكام الغربيون. وهما يتناغمان مع بعضهما البعض؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من وضوح الحقيقة، فإنهما لا يزالان يزعمان كذبا على أنهما منفصلين عن بعضهما البعض، بل يدّعون أنهما معاديان لبعضهما البعض. هذه هي بالضبط النقطة التي اخطأ فيها قليلي الوعي في الغرب.
3-يقع على عاتق الشعوب الغربية مسؤولية عقلانية ووجدانية تجاه اختيار حكامهم. والحُكّام المُنتخبون هم ممثلوا الشعب وينفذون اعمالهم نيابةً عن الناس. كيف لا يمكن ان لا تتحمل الشعوب الغربية مسؤولية عن الحجم الهائل من الجرائم التي يرتكبها حكامهم المنتخبون من قبلهم في المجتمعات الشرقية والمسلمة. على الرغم من أن وسائل الإعلام الخادعة ترتبط بمجموعات ذات سلطة وثروة، يمتهنون ممارسات معقدة لتبرير سلوك الحكام، ومع هذا، لكن الناس ايضا يتحملون مسؤولية تجاه هذا الخداع. يجب على أولئك الذين يمنحون السلطة الحاكمة اصواتهم، أن يدرسوا بعناية وتمعن الحقيقة، ويرون ما هي استراتيجية مُرشحهم في الداخل وفي الخارج.ويرتبط ذلك بالثقافة ومعدل النمو الثقافي. من الشعوب الغربية، بما فيهم اولئك الذين يدّعون التقدم في الساحة الثقافية، لا يُقبل منهم أن ينصاعوا لوسائل الإعلام الخادعة والمغرضة التي تخدم السلطة والثروة. رغم انهم وللأسف مخدوعين بالفعل.
4- بإمكان العالم اليوم ان ينجوا من هذين المحورين الضالين فقط في ظل الوعي والبحث عن الحقيقة الذي سيحررهم هذين الشرين. على الرغم من أن الإرهاب قد يفقد أشكاله التنظيمية الحالية، ولكن بالنظر إلى أن هذه الظاهرة هي في جوهر الفكر الوهابي التكفيري، مادة روحية وفكرية، وما دام هذا التدفق موجود، فإن ارضية هذا الشر، أي الإرهاب ستكون موجودة، وتستطيع في كل مرة إعادة بناء وتشغيل نفسها في أشكال جديدة. ان القوى المهيمنة، على مدى السنوات المائة الماضية، سلبوا حرية الشعوب، وحرموهم من حقهم في تقرير المصير، وجعلت من حقوق الإنسان وسيلة لممارسة الضغط على الحكومات والدول التي لا تستسلم لتجاوزاتها.
إن الحل الأفضل والوحيد للمآسي التي أصابت البشرية اليوم، هو وعي الدول بطبيعة وأهداف هذين الشرين، اي الإرهاب التكفيري والسيطرة الغربية والسلطة. لكن الشر الثاني،اي نظام الهيمنة والحكام الغربيين، يدركون جيدا ان سر ثباتهم المهيمن، هو في خداع الأمم، وحتى خداع شعوبها من خلال التركيز المرير على قيم مثل الحرية وتقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان.في حين ان التاريخ الماضي، التطورات الحالية والظروف السائدة في العالم، تُظهر بشكل واضح أن هذه القوى، تعاملت تجاه الدول والأمم الأخرى، وخاصة العالم الإسلامي، خلاف مع هذه القيم المذكورة.
*الوقت .