نحو زلزال في “إسرائيل”: خريطة سياسية جديدة؟

مقالات | 6 اغسطس | مأرب برس :

• علي حيدر – الاخبار اللبنانيه :

ارتقت التقديرات حول تورّط بنيامين نتنياهو في قضايا جنائية، من المؤشرات إلى مرحلة المعطيات. وبات «سيف العزل» أكثر قرباً من رقبته، بل يمكن القول إنه بدأ يغرز فيها ويهدد مصيره السياسي والشخصي

 

بدأت الساحة السياسية في “إسرائيل” تتلمّس إرهاصات زلزال سياسي مرتقب ستكون له مفاعيل داخلية وحتى خارجية على مجمل الواقع السياسي. ويبدو أن المهمة التي عجز عنها منافسو رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، من اليسار وبعض اليمين، سيؤديها جهازا الشرطة والقضاء، أو على الأقل سيمهدان للقوى السياسية من أجل إطاحة الزعيم الذي نافس بن غوريون على مستوى الفترة الزمنية التي تولاها في رئاسة الحكومة، ولا يزال يطمح بالمزيد.

تعززت فرص هذا السيناريو والتقديرات الملازمة له، مع كشف تقارير إعلامية إسرائيلية عن أن محكمة الصلح في «ريشون لتسيون»، استجابت لطلب الشرطة حظر نشر أي تفاصيل من الملفات التي يخضع فيها رئيس الحكومة للتحقيق، وبموجب ذلك يمنع نشر أي تفاصيل تتعلق بالإفادات التي قدمها الرئيس السابق لطاقم مكتب نتنياهو، آري هارو، الذي تحول إلى «شاهد ملك»، بعد الصفقة التي عقدها مع الادعاء العام.
للوهلة الأولى، يوحي تناول القضايا والتهم الموجهة إلى نتنياهو بأنه مواكبة لتطور المسار القضائي لهذه القضية أو تلك، ونتيجة ذلك، عادة ما يكون هذا الأمر أبعد ما يكون عن اهتمامات أي من فئات المجتمع. لكن التدقيق في دلالات طلب الشرطة من المحكمة حظر النشر، يؤكد التقارير التي تتحدث عن معلومات جديدة حول شبهات تقضي بضلوع نتنياهو في فساد وتحايل في الملفات التي يخضع لها.
أيضاً، يكشف التدقيق في محتوى هذه القضايا وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج وتداعيات سياسية عن أن الحديث يدور حول محطة، بل زلزال سياسي بكل ما للكلمة من معنى، قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية، ويترك أثره في معادلة العلاقات القائمة في معسكر اليمين. لكن من غير المعروف إلى أي حد ستؤثر الفضائح التي تتوالى في وجه نتنياهو في حزب «الليكود» ومكانته الشعبية.
مع ذلك، القدر المرجح لهذا المسار أنه سيؤدي إلى تعزيز المعسكرات في «الليكود»، ويفجر الصراعات بينها. أما المسلّم به، فهو أن التنافس سيبلغ الذروة بين الطامحين لخلافة نتنياهو، وهم بالتأكيد أكثر مما يبدو حتى الآن لأن كثيرين منهم لم يجرؤوا على إظهار حقيقة طموحاتهم، لكنهم ينتظرون اتضاح المسار القضائي للتهم الموجهة إلى نتنياهو.
اللافت، بل المتوقع، أن نتنياهو لا يزال يواصل حتى الآن نشاطه السياسي كأن شيئاً لم يكن، وهو نهج يتبعه منذ بداية تشكّل جوّ اتهامي ضده في مجموعة من قضايا الفساد، كجزء من تكتيكه الدفاعي، ومن ضمنه المبالغة بإظهار الثقة ببراءته، وهو ما كرره أول من أمس، بالقول في بيان صادر عنه إن «التحقيقات (بشأنه) لن تتمخض عن أي شيء»، وهو عادة ما يضعها في سياق التنافس السياسي من أجل استبدال الحكم، ومن أجل استنهاض الشارع اليميني، كما يتهم معسكر اليسار بأنه يقف وراء هذا الأجواء.
لكن هذا الأسلوب قد ينفع مع بعض الجمهور الإسرائيلي، وليس في مواجهة إجراءات الشرطة التي بات من الواضح أنها تبذل جهوداً كبيرة لانتزاع أدلة تحسم القضية بهذا الاتجاه أو ذاك. ولهذه الغاية، جهدت في عقد صفقات «شاهد ملك» مع أكثر من شخصية مقربة منه. لكن السيناريو الأسوأ الذي كان يتخوف منه نتنياهو تحقق عبر تحوّل مدير مكتبه السابق، وبعبارة أخرى خازن أسراره، إلى «شاهد ملك»، إذ يفترض أن يدلي بما يختزنه من معلومات تفضح نتنياهو وتوفر أدلة تتصل بأكثر من قضية وتهمة موجهة إليه، مقابل تخفيف عقوبته في القضايا المتورط بها.
في السياق نفسه، يجدر التذكير بأن نتنياهو يحاول التحصن بالنص القانوني الذي قد لا يلزمه تلقائياً الإستقالة. وهو ما قد يغريه بالمناورة ومحاولة البقاء في منصبه إلى حين إصدار حكم نهائي. لكن مفاعيل وتداعيات الصدمة التي ستترتب على توجيه لائحة اتهام رسمية، قد تؤدي إلى إطلاق موجات من الضغوط الشعبية والسياسية سيكون من الصعب الصمود في وجهها، أو حتى توقع مآلاتها.
ضمن هذا الإطار، كان لافتاً أن أحد استطلاعات الرأي أظهر قبل أسابيع أن 55% من الجمهور أعرب عن عدم اقتناعه بنفي نتنياهو صلته بقضية الغواصات، فيما عبّر 48% عن رأيهم بأنه رجل فاسد.
في غضون ذلك، استجابت المحكمة لطلب الشرطة حظر النشر عن القضايا المتهم بها نتنياهو بعد تحول مدير مكتبه إلى «شاهد ملك». ورجحت صحيفة «هآرتس» نقلاً عن مصادر مطلعة في الشرطة، أن «نتنياهو ـ وفق المعلومات التي جمعتها خلال التحقيق ــ مشتبه فيهِ بالضلوع في قضايا فساد وتحايل ورشوة وخيانة الأمانة». وللتذكير، تدور الشبهات حول نتنياهو، الذي يتم التحقيق معه، في تلقيه وزوجته سارة هدايا ثمينة من رجال أعمال بخلاف القانون. وفي قضية ثانية، يتهم نتنياهو بتقديم عرض إلى مالك وناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أرنون موزيس، يتضمن مساعدته في تقليص عدد قراء صحيفة «يسرائيل هيوم» المنافسة لـ«يديعوت» مقابل الحصول على تغطية إعلامية له.
وكانت القفزة النوعية، التي ساهمت في تأجيج الأجواء حول إمكانية إطاحة نتنياهو، هي الصفقة التي توصل إليها الادعاء العام مع المدير السابق لمكتب رئيس الحكومة، الذي بقي لسنوات مساعد نتنياهو المقرب. ووفق الاتفاق الذي فرضت سلطات القانون في “إسرائيل” الرقابة عليه، ستخفف العقوبات ضد هارو المتهم بمتابعة مصالح تجارية شخصية بصورة غير قانونية أثناء توليه منصبه، بعد اعترافه، فبدل عقوبة السجن سيعاقب بخدمات مجتمعية ودفع غرامة قيمتها نحو 175 ألف دولار. وفي المقابل، يدلي هارو بإفادات متعلقة بملفي التحقيق الخاصة بنتنياهو: ملف تسلم هدايا من أصحاب مال، واتصالات تتسم بالفساد مع ناشر «يديعوت».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى