مقالات| 3 اغسطس |مأرب برس :
عبد الباري عطوان :
ربّما يكون مبلغ الـ 460 مليار دولار الذي حصل عليه دونالد ترامب من المملكة العربيّة السعوديّة، على شَكل صفقات أسلحة واستثمارات، مُتواضعًا للغاية بالمُقارنة مع حَجم التعويضات التي قد تدفعها للضحايا والمُتضرّرين من هَجمات الحادي عشر من سبتمبر.
نَشرح أكثر ونقول أن السلطات السعوديّة طلبت أمس الثلاثاء من قاضٍ أمريكي في ولاية نيويورك رفض 25 دعوى قضائيّة من قبل أهالي ضحايا هجمات مركز التجارة العالمي الذي يَصل عددهم إلى 3000 شخص، علاوةً على 20 ألف جريح، تتّهمها بالمُساعدة في التّنفيذ والتّخطيط لهذه الهَجمات، وتُطالب الحُكومة السعوديّة بدفع تعويضات.
حُجّة السعوديّة تقول أن من رفعوا هذه الدّعاوى لا يُمكن أن يثبتوا أن الحكومة، أو أي مُنظّمة خيريّة تابعة لها، مسؤولةٌ عن تلك الهذه الدعاوى التي تتناسل بشكلٍ مُتسارعٍ تأتي تنفيذًا لتشريع أقرّه الكونغرس الأمريكي يتم بمُقتضاه مُعاقبة الدول التي ترعى الإرهاب (جستا)، والسّماح للمُتضرّرين بمُقاضاتها أمام المحاكم الأمريكيّة، وستكون ثلاث دول على رأسها، وهي المملكة العربية السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتحدة (اثنان من مُواطنيها شاركوا في تنفيذ الهجمات، أحدهم مروان يوسف الشحي)، علاوةً على دولة قطر، المُتّهمة بفتح شاشة قناتها “الجزيرة” لأشرطة الشيخ أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة”، وباحتضان، وحسب ملف الادعاء، خالد شيخ محمد، مهندس هذه الهجمات على أراضيها، وتوفير المأوى والوظيفة له، وتسهيل هُروبه قبل أن تصل وحدة من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي إلى الدوحة لإلقاء القبض عليه.
شركات المحاماة التي ترفع هذه الدّعاوى لا تتقاضى أي أتعاب مُقدّمًا من مُوكّليها، أي أهالي الضحايا والمُتضرّرين، مثل شركات التأمين، وخُطوط الطيران، ومُلاّك مركز التجارة العالمي، والمُستأجرين فيه، وتتعامل معهم على أساس القاعدة القانونية (NO WIN NO FEE)، أي أنها تحصل على أجورها من اقتطاع نسبة من التعويضات.
لا يُمكن أن تتبنّى شركات المحاماة الكُبرى مثل هذه القضايا إلا إذا كانت تعرف مُقدّمًا أن نسبة الفوز فيها كبيرةً للغاية، مثلما تعرف أيضًا أن الدّول المُتّهمة تملك صناديق سياديّة تحتوي على أكثر من ترليوني دولار على الأقل، ونسبة كبيرة من هذه الأموال مُستثمرة في الولايات المتحدة.
الأدلّة التي يَستند إليها المُحامون في تبرير رَفع هذه الدعاوى ضد المملكة العربية السعوديّة خاصّةً، أن اثنين من المُتورّطين في الهجمات كانوا على اتصالٍ مع السفارة السعوديّة في واشنطن، وحصلوا على مُساعدات ماليّة، وأن السيد عمر البيومي ضابط المُخابرات السعودي اجتمع مع اثنين من خاطفي الطائرات في سان دييغو، وكان مُكلّفًا بمُساعدتهم بما في ذلك العُثور على شقّة وفتح حساب مصرفي.
التعويضات المَطلوبة من المملكة العربية السعوديّة وحدها قد تصل إلى 4000 مليار دولار، إن لم يكن أكثر، وهذا مبلغ ضخم قد يكون من الصّعب توفيره في ظِل تراجع أسعار النفط، وتآكل الاحتياطات الماليّة في ظِل العُجوزات الضخمة في الميزانيّة، وربّما تضطر الحُكومة السعوديّة إلى بيع كل أسهم شركة أرامكو، إلى جانب عدّة شركات حُكوميّة أخرى لتسديد نصفه فقط إذا صحّت تقديرات الخُبراء.
دُول الخليج الثّلاث تَجد نفسها هذه الأيام أمام معركة قضائيّة مُرهقة، وباهظة التّكاليف ماديًّا ومعنويًّا، وفي إطار خُطّة أمريكيّة مُعدّة جيّدًا لإفلاسها، بعد حلب آخر دولار في جُعبتها.
هذه هي المُكافأة التي تُقدّمها الولايات المتحدة لهذه الدول الحليفة، التي شاركت أمريكا كل حُروبها، وموّلتها وفَتحت أراضيها لقواعِدها، نقولها وفي الحَلق مرارة، فهذه أموال الأمّة، وهؤلاء جزء أصيلٌ منها، حتى لو اختلفنا مع بعض سياساتها.